حركة "حمس" تحرك الركود السياسي في الجزائر بمقترح حجب الثقة عن الحكومة

ينظر مراقبون إلى مبادرة حركة "حمس" الإخوانية بتقديم مقترح لسحب الثقة عن الحكومة الجزائرية على أنها خطوة شكلية تخدم النظام وتخدمها في نفس الوقت. ففي حين تظهر الحركة وكأنها تمارس دورها في المعارضة تحرك حالة الركود السياسي التي تعيشها الجزائر منذ وصول الرئيس عبدالمجيد تبون إلى السلطة.

استعراض قوة أم ضعف

الجزائر

أطلقت حركة مجتمع السلم مبادرة داخل البرلمان من أجل حجب الثقة عن الحكومة، وهي خطوة وصفها مراقبون بالاستعراضية لتحريك المياه الراكدة لأن حمس إن كانت تمثل القوة السياسية الثالثة في البلاد، فالأغلبية بيد غيرها وقوى الموالاة ستجد الفرصة لإثبات نواياها للسلطة.

وأعلن رئيس الكتلة النيابية لحركة مجتمع السلم الإخوانية أحمد صادوق عن تحضير الحركة لملتمس رقابة ضد حكومة أيمن بن عبدالرحمن، بعد فشلها في إدارة الملفات التي أوكلت لها، وتحقيق النهضة التنموية والاقتصادية التي وعدت بها خلال تنصيبها.

وشرع نواب المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى) للبرلمان الجزائري بداية من الاثنين في الاستماع إلى بيان السياسة العامة الذي تعرضه الحكومة سنويا من أجل الوقوف على تنفيذ البرنامج الذي تقدمت به للبرلمان.

وكان الرئيس الجزائري تبون قد أجرى خلال الأسابيع الأخيرة تعديلا طفيفا على حكومة بن عبدالرحمن، وصف بـ”الشكلي”، وغير المتماشي مع الأصوات المتصاعدة حول أداء بعض الوجوه الوزارية، كونه اكتفى بتغيير محدود طال بعض القطاعات أو تدوير للمناصب.

وذكر في هذا الشأن صادوق بأن “بعض الوزراء عليهم أن يرحلوا لأنهم فشلوا بأن يكونوا في مستوى التطلعات والآمال التي يعلقها الشعب الجزائري على الحكومة من أجل انتشاله من أزمة معقدة ومتشابكة”.

ولفت إلى أن حركة حمس تتحفظ كثيرا على بيان السياسة العامة الذي عرض على النواب قبل أيام من أجل الاطلاع عليه، فالحكومة مازالت تعتمد على العموميات واللغة الإنشائية بدل الحديث عن المعطيات والبيانات الدقيقة للوضع الاقتصادي والاجتماعي.

وحركة مجتمع السلم تحتل المرتبة السياسية الثالثة في البلاد بموجب الانتخابات التشريعية التي جرت نهاية العام الماضي، حيث يوجد بحوزتها 65 نائبا من بين 407 نواب يشكلون تعداد الغرفة البرلمانية، وتعود فيها الصدارة لحزب جبهة التحرير الوطني بمجموع 105 نواب، وبعدها المستقلون بـ86 نائبا.

وتبقى مبادرة الحركة غير مضمونة الجدوى، باعتبار الأغلبية في يد قوى سياسية أخرى موالية للسلطة، فإلى جانب جبهة التحرير الوطني والمستقلين، هناك حركة البناء الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وجبهة المستقبل، التي أسدت تعليمات لنوابها من أجل مناقشة البيان في سياق بعيد عن تصفية الحسابات السياسية.

ويرى متابعون للشأن الجزائري أن مبادرة حمس لا تتعدى حدود تحريك الركود السياسي السائد في البلاد خلال السنوات الأخيرة، وهي خطوة لتأكيد موقف قيادتها السابق في أعقاب ظهور نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة، والقاضي بالتخندق في صفوف المعارضة.

وكان رئيسها عبدالرزاق مقري قد صرح حينها بأن “صناديق الاقتراع أكدت ثقل وانتشار حركة حمس في المجتمع الجزائري، وإذا لم تبادر السلطة بفتح حوار مباشر معها لإدارة المرحلة المقبلة، فإن حمس ستكون في خندق المعارضة”.

وتؤشر مبادرة حجب الثقة إلى أن حمس التي تستعد لعقد مؤتمرها الثامن في ربيع العام المقبل، بصدد تعزيز خطها السياسي المعارض للسلطة، وأن إفرازاته ستفضي إلى استمرار نفس النهج، رغم ما يتردد حول غموض المستقبل السياسي لحمس، بين ما يعرف بـ”المتشددين” الذين تمثلهم القيادة الحالية، وبين “المعتدلين” الراغبين في عودة الحركة إلى خيار “المشاركة”.

وعمد تبون إلى تعيين حكومة تكنوقراطية منذ انتخابه رئيسا للبلاد نهاية العام 2019، بعيدة عن إفرازات الانتخابات التشريعية، حيث يتواجد عدد محدود جدا للوزراء المتحزبين في طاقم بن عبدالرحمن، ولم يأخذ بعين الاعتبار نتائج الانتخابات المبكرة للبرلمان.

كما يكون بحسب مراقبين للشأن المحلي، قد عمد إلى تفكيك الضغط الحزبي على حكومته، بدعم السلطة للمرشحين المستقلين الذين عادت إليهم المرتبة الثانية في غرفة المجلس الشعبي الوطني، ليصبحوا قوة بإمكانها تعطيل أي مبادرة أو مسعى حزبي يريد استغلال موقعه للضغط عليها.

ويبقى الشلل السياسي القائم في البلاد في المدة الأخيرة مثيرا للجدل، ويرجعه معارضون إلى تفرد السلطة بالمشهد العام، بعدما ضبطت كل شيء على مقاسها، فلا هي تركت مجالا للموالاة من أجل التودد إليها لأنها تشك في نواياها ولا تريد الوقوع تحت ضغطها، ولا هي سمحت للمعارضة بأداء دورها، فهي ترى فيها أداة لخدمة أغراض وأهداف مشبوهة في هذه المرحلة.

وعكس الأحزاب الإسلامية الأخرى التي اندثرت في الانتخابات التشريعية والمحلية الأخيرة، فإن حركة مجتمع السلم أبقت على حظوظها باحتلال المرتبة الثالثة في البرلمان، لكن مزاعمها بأداء دور المعارضة لم يتجسد ولم تدافع عن القضايا والملفات التي تتجاهلها السلطة، ولذلك يكون ملتمس حجب الثقة محاولة لإنقاذ موقفها لا غير.

ويعد ملتمس الثقة الذي تطرحه حركة حمس، من التقاليد السياسية النادرة في تاريخ البرلمان الجزائري، رغم أنه مدون في دستور البلاد، إلا أنه لم يحدث أن سحبت الثقة من أي وزير أو حكومة، فالسلطة كانت دائما تملك الأغلبية في كل البرلمانات، وعادة ما تكون المعارضة صاحبة أقلية غير مؤثرة.