هجرة الأساتذة تدفع تونس للعمل على سد النقص في الجامعات

تحسين ظروف الأساتذة الجامعيين يسهم في وقف نزيف هجرتهم

تونس

قال وزير التعليم العالي التونسي منصف بوكثير إن الدولة تسعى لسد النقص في المؤسسات الجامعية بعد هجرة ما يقارب ألفي أستاذ جامعي إلى خارج البلاد، في ظاهرة تزداد تفاقما في تونس وتثير الكثير من القلق.

وأضاف الوزير منصف بوكثير في تصريحاته للصحافيين الثلاثاء أن الوزارة قامت بانتداب 1100 أستاذ جامعي، على الرغم من الوضع الاقتصادي والمالي الصعب.

وتشهد تونس توسعا في عمليات الهجرة لقطاعات تشمل الطب والهندسة والتخصصات التقنية بالخصوص، في ظل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وضعف الرواتب.

وتصاعدت هجرة الكفاءات عالية التكوين، ومن بينهم الأساتذة، للعمل في جامعات كندا ودول الخليج والدول الأوروبية.

وقال بوكثير إن ألفي أستاذ غادروا البلاد وهو عدد غير مؤثر. وأضاف الوزير أن التحاق الأساتذة التونسيين بالمؤسسات الجامعية في الدول المتقدمة دليل على جودة التعليم والتكوين في تونس. وبحسب المرصد الوطني التونسي للهجرة يبلغ عدد المغادرين لتونس سنويا نحو 36 ألفا.

وتشير تقارير إلى أن ما لا يقل عن 3000 مهندس تونسي يغادرون تونس للعمل في الخارج بسبب سهولة إيجاد عمل وراتب هام، في خضم أزمة اقتصادية ومالية تمر بها البلاد، من أبرز تجلياتها ارتفاع الأسعار وفقدان العديد من المواد الأساسية.

كما مثّل عدم توفر المناخ والإمكانيات المناسبة للبحث العلمي في تونس سببا في هجرة الأدمغة، بمن فيهم الأساتذة الجامعيون، وهي معضلة يراها مراقبون أنها ستستمر مع تدهور جودة الحياة في تونس وغياب الآفاق.

وقال أستاذ علم الاجتماع في الجامعة التونسية محمد الحاج سالم إن الأسباب أعمق من أن تكون مادية فحسب، بل تتجاوز ذلك إلى المحيط الذي تعمل فيه الكفاءات في مختلف الاختصاصات سواء الهندسة أو العلوم الإنسانية.

وأكد أن المجتمع العلمي لا يعطي الكفاءات حق قدرها، ولا يوفر الظروف الملائمة للإنتاج، كما لا يتم توظيف الإنتاج لصالح المجموعة الوطنية، مضيفا أن “رفوف المكتبات في الجامعات مليئة بالبحوث، إضافة إلى الآلاف من براءات الاختراع التي يتم تسجيلها وتبقى حبيسة أسوار الجامعات ومراكز البحث”.

وتعد فرنسا الوجهة الأولى للكفاءات التونسية بسبب القرب الجغرافي والثقافة واللغة، إضافة إلى معادلة المستويات التعليمية، فالمؤسسات الفرنسية تقدم دائما عروضا مغرية وجذابة، ما يجعل الكثير من الكفاءات تغادر إلى الخارج.

وعانت تونس في ظل مختلف الحكومات، التي تشكلت بعد سقوط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي في 2011، من هجرة الكفاءات، أو هجرة الأدمغة التونسية إلى البلدان الأوروبية. وتستمرّ هجرة الأدمغة التونسية نحو أوروبا وبلدان الخليج العربي.

وقد عبّرت العديد من النقابات في مختلف القطاعات عن مخاوفها من تداعيات هذا النزيف، وأشارت إلى أنّ تونس قد تواجه خلال السنوات القليلة المقبلة نقصا في الكفاءات.

ووجه الرئيس التونسي قيس سعيّد مرارا انتقادات لسياسات الهجرة الغربية، في ظل الاستقطاب الكبير للكفاءات التونسية المتخصصة دون غيرها، بينما تتصاعد المخاوف الأوروبية من الهجرة السرية.

واحتلّت تونس المرتبة الثانية عربيا بعد سوريا، لناحية هجرة الكفاءات العلمية والنخبة من الأكاديميين والمثقفين.

وكشف تقرير منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية الصادر في نوفمبر 2017، أن عدد المهاجرين من الثورة إلى غاية 2017 بلغ نحو 95 ألف تونسي، 78 في المئة منهم جامعيون، حيث استقر معظمهم في أوروبا، وبنسبة مهمة في فرنسا وألمانيا ثم كندا.

والخوف من البطالة يدفع المتخرجين من الجامعات كذلك إلى البحث عن بدائل في الخارج، حيث يعاني نحو 4740 مهندسا و1500 طبيب و5000 أستاذ من أصحاب شهادات الدكتوراه، من البطالة.

ويدفع طموح التونسيين لإيجاد ظروف عمل أفضل إلى الهجرة، حيث كشف المسح الوطني للهجرة الدولية في تونس، الذي أنجزه المعهد الوطني للإحصاء بالتعاون مع المرصد الوطني للهجرة، بدعم من المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة مؤخرا، عن أن نحو مليون و700 ألف تونسي يرغبون في الهجرة، وهو ما يمثل 20 في المئة من التونسيين.

ويرى المراقبون أن الحل الوحيد لإنهاء هذه المعضلة ووقف نزيف هجرة الأدمغة، بما فيها هجرة الأساتذة الجامعيين، هو تحسين ظروفهم المعيشية وتوفير الإمكانيات في المؤسسات الجامعية.