القضاء يفتح تحقيقا في الحصول على التزكيات بطرق غير قانونية

مراقبة شفافية الانتخابات في تونس تبدأ بالتزكيات

الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس تتهم بعض المرشحين بالحصول على تزكيات بطريقة غير قانونية، وذلك إما باستعمال الوسائل والموارد العمومية أو بتقديم مقابل نقدي أو عيني للحصول على تلك التزكيات، مؤكدة أن النيابة العمومية (قضاة التحقيق) تعهدت بملفات بعض تلك الحالات وأذنت بفتح أبحاث والاحتفاظ بالمشتبه بهم.

هيئة الانتخابات تشدد على ضمان نزاهة العملية الانتخابية

تونس

تسعى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس إلى ضمان شفافية ونزاهة الانتخابات التشريعية التي ستجرى في 17 ديسمبر المقبل، محاولةً إنجاحها من خلال العمل على مواجهة كل التجاوزات.

وكشفت الهيئة في بيانها الخميس أنه “تم التفطن إلى محاولات بعض الراغبين في الترشح لانتخاب أعضاء مجلس نواب الشعب 17 ديسمبر 2022 الحصول على تزكيات بطريقة غير قانونية، وذلك إما باستعمال الوسائل والموارد العمومية أو بتقديم مقابل نقدي أو عيني للحصول على تلك التزكيات”.

وأكدت الهيئة أن النيابة العمومية تعهدت بملفات بعض تلك الحالات وأذنت بفتح أبحاث والاحتفاظ بالمشتبه بهم.

وذكرت أن “جميع الراغبين في الترشح لانتخاب أعضاء مجلس نواب الشعب عليهم التقيد التام بمقتضيات القانون الانتخابي وخاصة واجب احترام حياد الإدارة والامتناع عن استعمال الوسائل والموارد العمومية لأغراض انتخابية عملا بمقتضيات الفصل 53 الفقرة 3 والفصل 153 من القانون الانتخابي”.

ونبهت الهيئة إلى مقتضيات الفصل 161 “جديد” من القانون الانتخابي الذي يجرم تقديم عطايا نقدية أو عينية قصد التأثير على الناخب.

وصدر القانون الانتخابي الجديد في الشهر الماضي بمقتضى مرسوم رئاسي نقح القانون القديم، وذلك لسد الثغرات التي سها عنها القانون القديم، خاصة ما يتعلق بالفساد وترشح بعض الوجوه المرتبطة بملفات التطرف والتهريب.

ونقح المرسوم المتعلّق بتعديل القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 الخاص بالانتخابات والاستفتاء، بعض الفصول القديمة المتعلقة خاصة بشروط الترشح والناخب والتزكيات وآجال الطعون والتقاضي والحملات الانتخابية والتمويل والتصويت.

وفرض القانون الانتخابي الجديد ضرورة أن يقدم المترشح قائمة اسمية بـ400 شخص من المزكين “وهم من الناخبين المسجلين في نفس الدائرة الانتخابية للمترشح يتم التعريف عليها بإمضاء المزكين لدى ضابط الحالة المدنية أو لدى الهيئة الفرعية للانتخابات المختصة ترابيا وفق الشروط والمعايير التي تحددها الهيئة”.

كما اشترط القانون الانتخابي أن يكون نصف المزكين من الإناث والنصف الآخر من الذكور وألا يقل عدد المزكين والمزكيات من الشباب دون سن الخامسة والثلاثين عن 25 في المئة، كما لا يجوز للناخب أن يزكي أكثر من مترشح واحد.

واشترط هذا القانون كذلك نزاهة النائب بخلو بطاقة سوابقه العدلية من أي جرائم وتقديمه الإقرار الضريبي وإبراء الذمة من الأداءات البلدية بعد أن كان البرلمان السابق مفتوحا أمام أشخاص اتهموا في ملفات تهريب أو ملفات متعلقة بالجريمة الإرهابية.

وشدد القانون الانتخابي الجديد على أنّه لا يرسّم بسجل النّاخبين الأشخاص المحكوم عليهم بعقوبة تكميلية استنادا إلى الفصل 5 من المجلّة الجزائية، تحرمهم من ممارسة حق الانتخاب إلى حين استرجاع حقوقهم، إضافة إلى الأشخاص المحجور عليهم والعسكريين المباشرين والمدنيين مدة قيامهم بواجبهم العسكري ورجال قوات الأمن الداخلي المباشرين، بموجب القانون عدد 70 لسنة 1982 والمتعلّق بضبط القانون الأساسي العام لقوات الأمن الداخلي.

ورغم الضمانات التي يعطيها القانون الانتخابي الجديد يظهر جليا أن التجاوزات لا تزال قائمة، لكن مراقبين يرون أن هيئة الانتخابات الحالية على عكس الهيئة السابقة باتت أكثر يقظة لفضح الممارسات المخلة بنزاهة العملية الانتخابية.

وكشف أستاذ القانون الدستوري الصغير الزكراوي في مداخلته على قناة التاسعة الخاصة الأربعاء أن أحد المترشحين للانتخابات التشريعية المقبلة جمع 400 تزكية مقابل وعود بتسديد “كلفة يومين في أحد نزل الحمامات”  لكل مزكّ.

ويرى مراقبون أنه لا يمكن التصدي لكل التجاوزات رغم تشديد الرقابة على المترشحين وأن الأمر متعلق أساسا بثقافة المترشح والناخب على حد السواء لحماية نزاهة العملية الانتخابية، لكن بيان الهيئة المستقلة للانتخابات يؤكد حرص القائمين على هذا الاستحقاق الانتخابي لضمان الحد الأدنى من الشفافية.

ويقارن كثيرون بين هذا الحرص والتجاوزات التي حصلت في مختلف الانتخابات التي شهدتها تونس في الفترة الماضية واستغلتها بعض الأحزاب، وعلى رأسها حركة النهضة، لتشكيل مشهد برلماني على مقاس أجندتها.

وكانت محكمة المحاسبات كشفت عن تجاوزات خطيرة وجرائم انتخابية، حيث أصدرت في أكتوبر من العام الماضي 350 حكما ابتدائيا في قضايا انتخابية تعلقت أساسا بمخالفات مالية ارتكبت في قائمات ترشحت للانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2019 أو الانتخابات البلدية.

وكشف تقرير محكمة المحاسبات عن تجاوزات وإخلالات في الحسابات المالية للمترشحين وعدم الإفصاح عن مصادر التمويل واستعمال المال المشبوه وشبهة التمويل الأجنبي.

وأكدت فضيلة القرقوري، القاضية في المحكمة آنذاك، أن القضاء قرر إسقاط 80 قائمة للانتخابات البلدية وإحالة أكثر من 30 ملفا على التحقيق في شبهات متعلقة بالإشهار السياسي والتمويلات غير المشروعة.

ويظهر جليا أن القانون الانتخابي الجديد وتعزيز دور الهيئات الرقابية سيمنعان إلى حد كبير التجاوزات دون أن يقضيا عليها تماما.

ونص الفصل 19 من القانون الانتخابي الجديد على أنّ الترشّح لعضوية مجلس نواب الشعب حق لكلّ ناخبة أو ناخب تونسي الجنسية مولود لأب تونسي أو لأم تونسية وغير حامل لجنسية أخرى بالنسبة إلى الدوائر الانتخابية بالتراب التونسي.

كما شدد هذا القانون على أن يكون المترشح بالغا من العمر ثلاثا وعشرين سنة كاملة على الأقل، يوم تقديم ترشحه، ونقيا من السوابق العدلية وغير مشمول بأي صورة من صور الحرمان القانونية ومقيم بالدائرة الانتخابية المرشح عنها.

وأقر القانون الانتخابي بأن العدد الجملي للمقاعد في مجلس نواب الشعب مئة وواحد وستّون (161) مقعدا، وحدّد العدد الجملي للدوائر الانتخابية بمئة وواحد وستّين (161) دائرة، وذلك بدلا من 217 مقعدا مثلما جرى في السابق.

وحدد عدد المقاعد المخصّصة للدوائر الانتخابية في الداخل بـ151 مقعدا، و10 مقاعد للدوائر الانتخابية للخارج.

وقال هذا القانون إن “التصويت في الانتخابات التشريعية على الأفراد في دورة واحدة أو دورتين عند الاقتضاء، وذلك في دوائر انتخابية ذات مقعد واحد”، وأنه “إذا تقدم إلى الانتخابات مرشح واحد في الدائرة الانتخابية، فإنه يصرح بفوزه منذ الدور الأول مهما كان عدد الأصوات التي تحصّل عليها”.

كما نص القانون على أنه “إذا تحصّل أحد المرشحين في الدائرة الانتخابية على الأغلبية المطلقة من الأصوات في الدور الأول، فإنّه يصرح بفوزه بالمقعد”.

وأوضح القانون الجديد كذلك أنه “يمكن سحب الوكالة من النائب في دائرته الانتخابية في صورة إخلاله بواجب النّزاهة أو تقصيره في القيام بواجباته النّيابية، أو عدم بذله العناية المطلوبة لتحقيق البرنامج الذي تقدم به”.