السلطات تحاسب الرجل..

الصمت على العنف بذريعة حماية الأسرة يهدم مكاسب المرأة في مصر

"أرشيفية"

وكالات

 قبل ثمانية أشهر، تعرضت عروس مصرية في محافظة الإسماعيلية الواقعة في شمال شرق القاهرة للضرب المبرح على يد زوجها ليلة الزفاف، ما أحدث جدلا نسويا بعد رفض الزوجة مقاضاة عريسها حفاظا على العلاقة بينهما، وتحدثت للإعلام آنذاك رافضة تدخل الآخرين في حياتها، وأنها كامرأة تقدس الحياة الزوجية متسامحة في حقها، ثم استيقظ المجتمع على صرخات المرأة ذاتها مؤخرا وهي تتهم شريكها بتعذيبها كل يوم.

أدلت الزوجة بتصريحات صادمة لوسائل إعلام محلية، قالت إنها أبلغت الشرطة بأن زوجها منذ اليوم الأول وهو يقوم بضربها ضربا مبرحا وقام بتعذيبها ورفع السلاح في وجهها ليهددها وعائلتها بالموت، ثم قام بحبسها في إحدى الغرف لمدة تجاوزت الأسبوعين، وعندما كان يقدم لها الطعام في الحبس الانفرادي يضربها بشكل قاسٍ.

ألقت الشرطة القبض على الزوج المعتدي بعد بلاغ الزوجة، وتضامنت الكثير من المنظمات النسوية معها، في حين لم تنل هذه المرأة تعاطفا كبيرا لأنها صمتت على القهر والضرب والتعذيب منذ اليوم الأول للعلاقة الزوجية، ورفضت أن تتخذ موقفا صارما ضد شريكها بذريعة الحفاظ على الكيان الأسري من الانهيار، حتى باتت ضحية عنف فاق حدود العقل، ومن المستبعد أن تستطيع ترميم هذه العلاقة مجددا.

أظهرت سرعة ضبط الزوج أن العنف ضد المرأة يمكن أن تتم مواجهته والعمل على الحد من تحوله إلى ظاهرة، شريطة أن تقرر المرأة عدم التنازل عن حقوقها أو التهاون مع الزوج المعتدي، طالما أن هناك مظلة تشريعية تحميها من الاعتداء البدني والنفسي وتعاقب المعتدي، لكن الصمت يولد المزيد من العنف بدعوى قبول الضحية بذلك.

توفير الحماية
تبرهن العديد من الوقائع السابقة التي أُلقي فيها القبض على أزواج معتدين أن الحكومة المصرية بإمكانها توفير الحماية للمرأة التي تتعرض للإيذاء ومعاقبة الزوج أو أي متسبب في ذلك، مع ضرورة أن تبادر كل سيدة من تلقاء نفسها وتمتلك الشجاعة في اللجوء إلى القضاء والتخلي عن التقاليد المقيدة التي تعتبر ذلك في حكم الفضيحة للمرأة.

وصادق مجلس النواب المصري من قبل على تعديلات تشريعية دعمتها منظمات نسوية وحقوقية منحت المرأة حق الإبلاغ عن زوجها إذا مارس ضدها أيا من أشكال العنف الجسدي واللفظي، ووصلت العقوبات إلى الحبس مدة تصل إلى ثلاث سنوات، لكن الكثير من النساء لا يفضلن مقاضاة الرجال خوفا من انهيار العلاقة الزوجية.

ويعتقد متخصصون في العلاقات الزوجية أنه يصعب وقف الاعتداءات الجسدية تجاه المرأة إلا إذا امتلكت الشجاعة الكاملة برفع “الكارت الأحمر” ضد الرجل مع أول موقف تتعرض فيه للعنف لأن التعويل على الصمت لاستمرار العلاقة لن يُوقف الأذى، فطالما ظهرت الضحية في صورة منكسرة سوف تكون مستعدة لتقبل هذا الوضع، لأنها لا تملك البديل.

قالت هالة حماد استشارية العلاقات الأسرية وتقويم السلوك في القاهرة إن المعضلة الأكبر أمام وقف العنف الزوجي مرتبطة بوجود قناعة لدى بعض الأسر بأن اللجوء إلى القضاء لتأديب الرجل من الأمور المعيبة التي تقود إلى فضيحة تلاحق الأسرة ونساءها، لأن التقاليد المجتمعية التي توارثتها الأجيال المتعاقبة كرست في أذهان هؤلاء أن العادات هي الحاكم للعلاقة بين المرأة والرجل، وليس القوانين.

تميل الكثير من الأسر إلى حل الخلافات الزوجية من خلال جلسات ودية بين الشريكين وأسرتيهما، وهو ما حدث بالفعل مع الزوجة التي تم الاعتداء عليها ليلة زفافها قبل أن تصبح ضحية للتعذيب والحبس الانفرادي، وتميل أيضا إلى العرف المجتمعي لحل المشكلات المرتبطة بالاعتداء البدني عبر مسارات عرفية لقناعتها بأن حبس الرجل المعتدي على المرأة (زوجته) سوف يهدم العلاقة.

وأضافت حماد لـ”العرب” أن مواجهة العنف الزوجي بالمظلة القانونية التي وفرتها الحكومة للنساء ضحايا الاعتداءات الذكورية تبقى رهينة قدرة كل ضحية على الوقوف ضد الأعراف وإمكانية التضحية بالعلاقة الزوجية، وهذا يحتاج إلى شجاعة استثنائية من المرأة، ولا يمكن أن تكون قوية في مواجهة الرجل إلا بدعم أسرتها معنويا.

ويشير متابعون لسلسة من حالات العنف الزوجي التي حدثت في مصر مؤخرا إلى أن صمت الزوجة التي تتعرض للأذى تكون له مبرراته أحيانا، فهي تتقبل ذلك مدفوعة بحتمية استمرار العلاقة خوفا من الطلاق، لاسيما إذا كان لديها أبناء، وهنا سوف يكون من الصعب عليها حبس زوجها لصالح العلاقة ومصلحة الأبناء أيضا، فالحبس يؤدي إلى وصم الأسرة، وهذا يطال الأبناء مستقبلا.

متخصصون يعتقدون أنه يصعب وقف الاعتداءات الجسدية تجاه المرأة إلا إذا رفع "الكارت الأحمر" ضد المعتدي

ولا تزال عملية مواجهة العنف الزوجي بعيدا عن الأعراف الأسرية ممكنة وغير صعبة مع تغير نظرة الزوج لزوجته والعكس، والتعامل مع العلاقة باعتبارها مقدسة.

وبعيدا عن اللجوء إلى القانون والقضاء من عدمه، فالزوجة مطالبة بأن تكون لها وقفة صارمة كي لا تبدو مضطرة إلى القبول بالأمر الواقع، ما يدفع الزوج إلى تكرار الأمر نفسه.

ولن تكون المرأة قوية في مواجهة زوجها المعتدي، إلا إذا كانت التنشئة نفسها تسمح لها بتعلم هذه المفاهيم، وتساعدها مستقبلا على التصرف بحكمة واستقلالية بلا أعراف وتقاليد بالية، لكن من المستبعد تحقيق ذلك إذا استمرت نفس القناعات العائلية بأن المرأة تابعة للرجل، وربما خادمة له ولأولاده فقط، وعليها تقبل هذا الوضع.

ثمة مشكلة أخرى معقدة ترتبط بأن النسبة الأكبر من السيدات في المجتمعات الريفية والشعبية والمناطق النائية في مصر، وهن أكثر عرضة للعنف الزوجي على أيدي الرجال، يجهلن المعرفة بحقوقهن القانونية ضد من يتعرض لهن بالعنف، ولا يمكن لهن التحرك خطوة للثأر لكرامتهن بعيدا عن موافقة العائلة لتجنب القطيعة معها.

ويمثل وعي الكثير من النساء بحقوقهن في المناطق الحضرية مدخلا مهما لرفضهن فكرة الاستسلام للهيمنة الذكورية على سلوكياتهن، وهناك الكثير منهن كسرن محرمات عائلية وتعاملن مع الرجال بطريقة ندية، وقد يصل الأمر إلى تفضيل الانفصال على الاستمرار في علاقة مؤذية وعبارة عن سجن قهري.

ثمن باهظ

يشكل غياب الاهتمام الحكومي بمنح دورات تدريبية لتأهيل الفتيات قبل الزواج أحد أبرز أسباب وقوع العنف ضدهن، لأن المرأة قد تكون أسيرة لثقافات مختلفة بينها وبين شريك حياتها ويمارس الرجل العنف ضدها في محاولة لتطويعها بما يتوافق مع ثقافته ولا يوجد إدراك لكيفية التصرف السليم عندما تسير العلاقة في اتجاه العنف قبل وقوعه.

وفق كلام هالة حماد لـ”العرب”، يصعب وقف العنف الزوجي ضد النساء طالما استمرت الفتاوى التي تصدر بين الحين والآخر عن رجال دين لهم شهرة طاغية، وبعضها يبيح للرجل تأديب زوجته إذا خرجت عن طوعه، وآخرون سمحوا للزوج بأن يحافظ على رجولته مهما وصل عنفه ضد شريكة حياته، ويفترض أن يتعامل القانون مع هؤلاء بتهمة التحريض على العنف ضد المرأة.

ومهما استفاقت الزوجة متأخرة وقررت الحصول على حقها من الزوج المعتدي بالقانون، فهذا يعكس أن الأعراف وحدها لا يمكن أن تحمي المرأة من العنف، ولن يكون لها ظهير قوي إلا إذا كانت قوية وشجاعة في حسم شكل العلاقة الزوجية مبكرا، لأن الصمت ولو مرة واحدة على العنف الذي تتعرض له المرأة سوف يغري الرجل بتكرار التصرف ذاته بطريقة قد تكون أكثر بشاعة.

قالت خلود زين خبيرة العلاقات الأسرية في مصر إن المرأة تدفع ثمنا باهظا مع تزايد معدلات العنف في المجتمع باعتبارها الحلقة الأضعف في الأسرة، وقاد صمت العديد من الزوجات على الانتهاكات التي يتعرضن لها إلى أن أصبحت هناك أشكال متباينة للعنف وارتفعت جرائم القتل المرتكبة بحقهن، في حين أن المعنفة تصطدم بمجتمع لديه أفكار ذكورية تدافع أحيانا عن الجاني وتحمل المرأة مسؤولية العنف.

وأوضحت في تصريح لـ”العرب” أن الضغوط الاقتصادية التي تقع على كاهل الرجل تؤثر على سلوكياته تجاه الزوجة وتدفع المرأة ضريبة ما يواجهه الرجل من أزمات خارج المنزل، وعلى الأغلب لا تستطيع الدفاع عن نفسها، حيث تفتقر إلى الأدوات التي تمكنها من الحصول على حقها بالقانون، ما يجعل 60 في المئة من السيدات المتزوجات يتعرضن للعنف بأشكال متعددة.

السيدات في المجتمعات الريفية والشعبية والمناطق النائية في مصر هن الأكثر عرضة للعنف من قبل أزواجهن

وأشارت إلى أن تمكين المرأة في مواقع العمل القيادية لم يؤد إلى وقف العنف، وثمة علاقة طردية بين الطرفين، لأن الرجل يحاول إثبات حضوره وقوته باستخدام أساليب خشنة ضد المرأة بينما قوانين حماية المرأة لا تُفعل بالشكل الكافي، بجانب أن المرأة التي لديها استقلالية في العمل أكثر عرضة للعنف، لأن المشكلات الزوجية تتصاعد وقد تصل إلى حد الطلاق الذي يأتي غالبا بعد وقوع حالات عنف ضدها.

وتبقى المرأة التي لديها استقلالية في العمل أكثر قدرة على التعامل مع حالات العنف الواقعة ضدها، لأنها تكون أكثر ارتباطاً بالمجتمع الخارجي وترفض الخضوع لرغبات الزوج الذي يحاول فرض هيمنته عليها، ولن تكون لديها نفس الحسابات المعقدة للانفصال عن الزوجة أسوة بالسيدات غير العاملات واللاتي يصبحن أكثر عرضة لتحمل العنف دون امتلاك رغبة أو قدرة على الشكوى، وتحاول لملمة مشكلاتها خشية وقوع الطلاق وما يترتب عليه من أزمات مالية لا تستطيع تحملها لتربية الأبناء.

كانت البرلمانية أمل سلامة عضو لجنة الإعلام بمجلس النواب المصري قد طالبت في العام الماضي بضرورة “سرعة إقرار قانون العنف الأسري، وقانون ضرب الزوجات، لوضع حد لظاهرة العنف الأسري”.

وتابعت “لا يوجد نص في القانون يعاقب على تلك الجريمة، بعدما أثبتت الدراسات أن نحو 8 ملايين سيدة يتعرضن للعنف الأسري، حيث يقضي قانون ضرب الزوجات بمعاقبة الزوج أو الزوجة إذا حدث اعتداء كل منهما على الآخر، ونشأ عن ذلك عجز عن العمل لمدة تزيد على 20 يوما، أو عاهة مستديمة يستحيل برؤها، بالسجن مدة تصل إلى 3 سنوات، وفى حالة الضرب مع سبق الإصرار والترصد ترتفع العقوبة إلى 5 سنوات”.

شددت سلامة وقتها على أن “العنف الأسري ضد المرأة أو الأطفال ما زال الأكثر انتشار وانتهاكا لحقوق الإنسان، حيث دائما ما يفلت الجاني من جريمته، إما بصمت المرأة وعدم لجوئها إلى القضاء، أو لعدم وجود نص في قانون العقوبات يجرم العنف الأسري ضد المرأة، ودائما ما يبرر الرجل العنف باعتباره حقا للزوج على زوجته”.