بوادر توافق نيابي على انتخاب رئيس جديد للبنان

ميشال عون يغادر الرئاسة مصطحبا صهره جبران باسيل

شكر الله سعيكما

بيروت

 يعكس حديث رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل عن خروج الرئيس اللبناني ميشال عون من قصر بعبدا "منتصرا" في الثلاثين من أكتوبر الجاري بوادر توافق نيابي بشأن انتخاب رئيس جديد للبنان في جلسة الخميس المقبل. وكشف باسيل في خطاب بمناسبة ذكرى 13 تشرين "لم نترشح للرئاسة لكي لا نعقد الأمور"، مشيرا إلى أن "الرئيس عون سيعود إلى الرابية منتصرا ومعه نريد أن نبدأ المقاومة الاقتصادية".

وقالت مصادر لبنانية إن تصريحات باسيل جاءت بعد أن استنفد مناوراته ومساعيه للوصول إلى الرئاسة وخلافة صهره عون في قصر بعبدا وفشله في الفوز بدعم حزب الله وحركة أمل للمنصب. ومع انسحاب باسيل من المنافسة على منصب رئيس الجمهوية، ينحصر التنافس بين رئيس تيار المردة سليمان فرنجية الذي يحظى بدعم حركة أمل الشيعية وقائد الجيش العماد جوزيف عون.

ولم يحدد حزب الله خياره الرئاسي لحد الآن، إلا أنه وضع على لسان رئيس كتلته النيابية محمد رعد مواصفات لمرشحه. وأكد رعد الأحد "إننا نريد رئيسا للجمهورية يحقق مصلحة البلاد ولديه 'رِكب' ولا يأمره الأميركي فيطيع، بل يُطيع المصلحة الوطنية"، مشددا على أنّ "هناك صفة يجب أن تكون في رئيس الجمهورية القادم ونحن معنيون بالتفكير بها ونضعها على الطاولة، هي رئيسُ جمهورية يُقِرّ ويحترِم ويعتَرف بدور المقاومة في حماية السيادة الوطنية".

ويؤكد متابعون أن انتخاب الرئيس اللبناني القادم سيكون بيد حزب الله، إذ أن استطلاعات الرأي والتوقعات تشير إلى أنه لن يحصل أي تغيير جذري في المعادلة السياسية.

وبناء على ذلك سيكون حزب الله الفيصل في انتخاب الرئيس بناء على خارطة التحالفات التي تخدم مصالحه وأجنداته الداخلية والخارجية. وأمام حزب الله، الذي أثبتت المعطيات أنّه تراجع نوعا ما في الانتخابات، مرشّحَان هما فرنجية وباسيل وبما أنّ الثاني لن يصل بسهولة فإنّ الاتفاق على تسمية فرنجيّة هو الأقرب إلى الواقع لسببين: أولهما أنّه من فريق 8 آذار وما يُرافق ذلك من كسر جليد مع باسيل وعودة الأمور إلى طبيعتها شيئا فشيئا.

وثانيهما قبوله من كافة الأطراف بما فيها جزء من المسيحيين باستثناء الطامحين إلى رئاسة الجمهوريّة وعلاقته المميزة مع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، ومع العديد من المرجعيّات الكنسيّة على أنواعها.

ويرصد الجميعُ المرشحين الذين تدعمهم البطريركية المارونية للرئاسة بعدما تبنت في عام 2016 ترشيح أحد "الأقوياء"، أي الذين يتمتعون بتمثيل شعبي، وهم، إلى جانب عون في ذلك الوقت، رئيس تيار المردة فرنجية ورئيس حزب القوات سمير جعجع إضافة إلى رئيس الجمهورية الأسبق أمين الجميل.

ويملك حزب الله وحلفاؤه عامل قوّة من خلال رئاسة الجمهورية المحسوبة عليه وهو غير مُستعدّ لخسارة هذا المكسب، لاسيّما في ظلّ تأزّم العلاقة مع العديد من المكوّنات المسيحية نتيجة التحريض عليه سياسيا وإعلاميّا، لذلك هو غير مستعدّ للتنازل عن هذا المكسب لأيّ طرف آخر بهدف إبقاء الخطوط مفتوحة وإعادة الأمور إلى طبيعتها.

وقالت أوساط سياسية إن أهم مواصفات حزب الله تتمثل في عدم استعداء المرشح الرئاسي لسلاح الحزب وبالتالي عدم عرضه للنقاش بعد وصوله إلى قصر بعبدا، في وقت احتدمت فيه المطالب السياسية بشأن ضرورة حصر سلاح الحزب في يد الدولة.

وأشارت الأوساط إلى أن المرشح فرنجية (رئيس تيار المردة) الأكثر استعدادا من بين بقية المرشحين المسيحيين لتلبية شروط حزب الله، التي يعتبر سلاح حزبه أهم الشروط إلى جانب تماهي تصورات الرئيس القادم مع أجنداته السياسية بصفة لا تمس من مصالحه الإستراتيجية على الأقل.

ووقف فرنجية في منطقة رمادية عندما تعلق الشأن بتحييد سلاح حزب الله، وهو ما اعتبرته أوساط سياسية مغازلة مضمونة الوصول لحزب الله مفادها أن سلاحه لن يكون محل نقاش فيما لو أصبح رئيسا للجمهورية. وقال فرنجية "موضوع سلاح حزب الله هو موضوع إقليمي والمزايدات توصل إلى التشنّجات"، مؤكدا أن "موقف المقاومة هو موقف قوّة للبنان".

ويقول محللون إن طرح حزب الله لفرنجية كرئيس للجمهورية يشكل طمأنينة إلى أفرقاء عدّة مثل الحزب التقدّمي الاشتراكي وتيار المستقبل الذي تجمعه برئيسه علاقة ممتازة وحركة أمل وللمستقلين المسيحيين، لما يحتفظ به فرنجية من علاقات جيّدة مع الدول العربية والغربية لاسيما روسيا وفرنسا وهذا ما تجلى في ترشيحه من قبلها جميعا عام 2016، ما سيسهل تمرير اسمه كمرشح جدي للرئاسة.

ويشير هؤلاء إلى أنه يُمكن لأيّ اسم آخر يُطرح أن يُشكّل حالة تصادميّة، لكن بوجود إجماع محلي وعربي ودولي فإنّه من السهولة لفرنجية أن يَصل بأكثريّة نيابيّة مَقبولة لاسيما بعد "بروفة" المجلس النيابي وإمكانيّاته المُتاحة للتعامل جيدا مع المكوّن المسيحي في البلد.

وفي الانتخابات الرئاسية سنة 2016، التي أوصلت عون إلى سدة الرئاسة، كان فرنجية مرشح حركة أمل الشيعية (حليفة حزب الله)، إلا أن حزب الله خيّر في نهاية المطاف دعم عون الذي يؤمن أجنداته ومصالحه في تلك المرحلة.

وحسب الدستور، فإن الانتخابات الرئاسية تستوجب حضور ثلثي أعضاء البرلمان البالغ عددهم 128 نائبا، أما الانتخاب فيجب أن يتم بأصوات ثلثي الأعضاء في الدورة الأولى وبالنصف زائد واحد أي 65 نائبا في الدورات التالية. وفي ظل الانقسام في البرلمان وعدم قدرة فريق واحد على حيازة الأكثرية فإنه من الصعب على أي حزب أن يفرض خياره. وخلا منصب الرئاسة في لبنان عدة مرات منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990.