مآسي المتوسط تدفع التونسيين إلى البحث عن مسالك برية لبلوغ أوروبا

حلم بلوغ الضفة الأخرى قد ينتهي بكابوس
لا تنحصر محاولات الآلاف من التونسيين للوصول إلى أوروبا في العبور بقوارب الموت عبر المتوسط لبلوغ إيطاليا، بل ذهب بعضهم إلى البحث عن مسالك جديدة بدت لهم أكثر أمنا وهي السفر في إطار قانوني إلى تركيا وصربيا ومن هناك ينتقلون برا إلى الاتحاد الأوروبي عبر شبكات تهريب.
وتواجه تونس أوضاعا مالية واقتصادية صعبة احتدّت في العامين الأخيرين، الأمر الذي أجبر الآلاف من التونسيين اليائسين على اللجوء إلى خيار الهجرة غير الشرعية بحثا عن حياة أفضل في الفضاء الأوروبي.
وعلى عكس ما كان يقع سابقا، حيث كانت محاولات الهجرة تقتصر على الشبّان، أصبحت اليوم عائلات بأكملها في تونس تلقي بنفسها في قوارب للوصول إلى الضفة الأخرى، وقد قضت عائلات في هذه المغامرة غير المحسوبة، ومنها غرق قارب قرب سواحل جرجيس (جنوب شرق البلاد)، ولا يزال البحث عن المفقودين جاريا.
ودفعت حالات الغرق المتكررة، التي يتعرض لها المهاجرون، جزءا من الراغبين في الهجرة إلى البحث عن سبل جديدة، منها العبور عبر تركيا أو قبرص، لكن الأمر لا يخلو من خطورة، وقد انتهى المطاف بالعديد منهم إما موتا أو اضطروا إلى العودة من هذه الرحلة المكلفة والشاقة، على أمل أن يحالفهم الحظ مجددا.
وأعلن مسؤول أمني في تونس الأحد أنه تم الكشف عن شبكات لتهريب البشر إلى دول الاتحاد الأوروبي عبر رحلات منظمة إلى دولتيْ تركيا وصربيا.
وقال المتحدث باسم الحرس الوطني حسام الجبابلي إن التحقيقات أفضت إلى ضبط أربع شبكات ووكالتي أسفار تقوم بتوفير تذاكر السفر والإقامة وتسهيل عمليات العبور إلى تركيا وصربيا ومنها إلى دول الاتحاد الأوروبي.
وغالبا ما تتم عمليات العبور غير القانونية إما بواسطة وسيلة نقل أو بتخطّي الحاجز الحديدي أو سيرا على الأقدام.
وأعلن الجبابلي عن توقيف 14 شخصا وإدراج تونسيين وأجانب بالتفتيش ومباشرة قضايا ضدهم بتهمة “تكوين وفاق إجرامي بغاية التسفير والاتّجار بالبشر وتهريب المهاجرين وغسل الأموال”.
كما أفاد بضبط مبالغ مالية وثلاث وحدات إعلامية وكمبيوتر وطباعة وجوازات سفر وحجوزات لرحلات جوية ونزل في دولة صربيا وصور لوصولات وحوالات بريدية تم إرسالها من طرف الراغبين في السفر وكمية من السّجائر الأجنبية المهربة.
وبحسب إحصائية للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، الذي يهتم بمسائل الهجرة، دخل فضاء شنغن حوالي 15 ألف مهاجر عبر تركيا وصربيا هذا العام ومثلهم وصلوا إلى السواحل الإيطالية في رحلات سرية عبر البحر.
ويرى خبراء اجتماع ونشطاء في المجتمع المدني التونسي أن ارتفاع معدلات الهجرة غير الشرعية خلال الأشهر الماضية يعكس حالة من اليأس في صفوف التونسيين، بشأن إمكانية تحسن الأوضاع في بلادهم.
وقال رمضان بن عمر، المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (غير حكومي) إن الهجرة غير النظامية نحو أوروبا شهدت نسقا تصاعديا في تونس خلال السنوات الأخيرة “خاصة بعد عام 2020 وظهور التداعيات السلبية لجائحة كورونا ثم الأزمة السياسية”.
وذكر بن عمر أنه جرى “إحصاء أكثر من 12 ألفا و360 مهاجرا تونسيا نحو السواحل الإيطالية عام 2020، ثم ازداد العدد عام 2021 ببلوغه 15 ألفا و675 مهاجرا”.
وأضاف “أحصينا بداية من عام 2022 حتى أغسطس الماضي أكثر من 11 ألف مهاجر غير نظامي وصلوا إلى السواحل الإيطالية”، لافتا إلى وجود خط جديد لهجرة التونسيين، وذلك عبر صربيا.
ويشكل ارتفاع نسق الهجرة غير الشرعية إحراجا كبيرا للدولة التونسية في ظل ضغوط أوروبية متزايدة تطالب تونس ببذل المزيد من الجهد لوقف هذه الظاهرة.
وقال الرئيس التونسي قيس سعيد السبت لدى تدشينه متحف البحرية التونسية في بنزرت بمناسبة إحياء الذكرى الـ59 لعيد الجلاء “إنه يستوجب أولا معالجة الأسباب الاقتصادية والاجتماعية من أجل القضاء على ظاهرة الهجرة غير النظامية قبل الاعتماد على المقاربة الأمنية فقط”.
وأضاف قيس سعيد، وفق مقطع فيديو تم نشره في الصفحة الرسميّة لرئاسة الجمهورية على شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك، أن البحر تحول إلى أداة للخروج من تونس بسبب عوامل داخلية وخارجية، لافتا إلى أن ظاهرة الهجرة غير النظامية أصبحت لا تستثني أيا من الفئات الاجتماعية إذ تستقطب الأطفال والعائلات على حد السواء.
وعبّر الرئيس سعيد بالمناسبة عن تضامنه مع أهالي جرجيس لفقدانهم 18 من أبناء المعتمدية، خرجوا في رحلة هجرة غير نظامية نحو أوروبا يوم 21 سبتمبر الماضي ، وتم السبت تشييع 5 منهم فيما لا يزال البحث عن الآخرين جاريا.
وتواجه الحكومة التونسية انتقادات متصاعدة حيال المأساة التي جدت في جرجيس، ويلقي أهالي المنطقة باللائمة على الحكومة بسبب عدم استجابتها السريعة لطلب البحث عن المفقودين.
ويرى مراقبون أنه رغم ارتفاع عدد ضحايا الهجرة غير الشرعية، إلا أنه من غير المرجح أن يتراجع نسقها على الأقل على المدى المنظور، في غياب أفق تغير الأوضاع الاقتصادية في البلاد لدى التونسيين، مشيرين إلى أن على الاتحاد الأوروبي دعم تونس للخروج من أزمتها، بدل الاكتفاء بتحميل السلطة مسؤولية تدفق المهاجرين.