الدعم الدولي للبنان رهن إنجاز الإصلاحات

الفراغ الدستوري يحرم لبنان من التعافي

يزيد الفراغ الدستوري في لبنان من أزمات البلاد المتعددة، إذ يحرمها من المضي قدما في إصلاحات ضرورية يطالب بها المانحون الدوليون للإفراج عن حزمة مساعدات مالية، فيما تجد حكومة تصريف الأعمال نفسها عاجزة عن اتخاذ القرارات في ظل شغور منصب رئيس الجمهورية.

أزمة حكم غير مسبوقة مع عدم وجود رئيس للبلاد

بيروت

 يستمر في لبنان الانقسام الحاد في المواقف بين الخصوم والحلفاء السياسيين ويزداد الارتباك ويغرق انتخاب رئيس جديد للبلاد في مخاض عسير يصعب تحديد مساره أو رسم خطوط نهايته، فيما ينتظر المانحون الدوليون إنجاز الإصلاحات المطلوبة للإفراج عن المساعدات المالية.

ومنذ سبتمبر الماضي أخفق نواب البرلمان 9 مرات، أحدثها الخميس الماضي، في انتخاب خلف لميشال عون الذي انتهت ولايته الرئاسية نهاية أكتوبر، وسط توقعات باستمرار الفراغ الرئاسي عدة أشهر.

وعلى مدى 79 عاما لم تنتقل السلطة في لبنان من رئيس إلى آخر بطريقة سلسة وفي سياق انتخابات رئاسية طبيعية، إلا خلال عهدين من أصل 13، حيث حصل بعد استقلال لبنان شغور رئاسي ثلاث مرات.

ويواجه لبنان حاليا أزمة حكم غير مسبوقة مع عدم وجود رئيس للبلاد وفي ظل حكومة تصريف أعمال برئاسة نجيب ميقاتي محدودة السلطات وبرلمان منقسم، فلا تملك جهة قوة فرض رئيس بالانتخاب الحر كما ينص الدستور.

وينص الدستور اللبناني على أن مجلس النواب ينتخب الرئيس بالاقتراع السري، وهذا المجلس يـتألف من 128 مقعدا يتم تقسيمها بالتساوي بين الطوائف الإسلامية والمسيحية.

وضمن التوافقات، يتولى رئاسة البلاد مسيحي ماروني ورئاسة الحكومة سُني ورئاسة البرلمان شيعي.

وبحسب المادة 49 من الدستور اللبناني، يُنتخب رئيس البلاد في دورة التصويت الأولى بأغلبية الثلثين أي 86 نائبا (من 128)، ويُكتفى بالغالبية المطلقة (النصف +1) في الدورات التالية، على أن يكون نصاب حضور هذه الدورات، سواء الأولى أو الثانية، 86 نائبا.

ويُتهم كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري وجماعة حزب الله والتيار الوطني الحر، وتيار المردة برئاسة سليمان فرنجية بتعطيل جلسات انتخاب الرئيس، عبر تكرار الانسحاب لفقدان الدورة الثانية نصابها (86 نائبا).

وهؤلاء يواصلون اقتراعهم بالورقة البيضاء، ويعمدون في كل جلسة إلى إفقاد نصابها، خاصة في دورتها الثانية، ويكررون مشهد خروجهم من قاعة البرلمان، وحتى فرض مرشح بالتسوية السياسية، والتوافق عليه.

ويحتاج المرشح في الدورة الأولى من التصويت إلى غالبية الثلثين، أي 86 صوتا للفوز، وتصبح الغالبية المطلوبة إذا جرت دورة ثانية 65 صوتا من 128 هو عدد أعضاء البرلمان.

ويُفشل حزب الله وحلفاؤه، انتخاب رئيس جديد في ظل مواصفات حددها الأمين العام للحزب حسن نصر الله ترتكز على “ألّا يطعن الرئيس المقاومة في ظهرها، ولا يتآمر عليها ولا يبيعها”.

ولئن رفض سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية وزعيم أكبر تكتل مسيحي في البرلمان وصول رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل أو سليمان فرنجية إلى الرئاسة “مهما كانت التضحيات”، فقد اعتبر أن أي مرشح لـحزب الله سيؤدي بالبلاد إلى المزيد من التدهور. ولا يملك أي فريق سياسي أكثرية برلمانية تتيح له فرض مرشحه.

وأمام هذا الواقع، دعا رئيس مجلس النواب بري في 8 ديسمبر الجاري إلى جلسة حوارية بالمجلس (حول انتخاب الرئيس) للمرة الثانية بعد رفض دعوة أولى من قبل أكبر تكتلين مسيحيين يمثلهما التيار الوطني الحر الذي يتزعمه جبران باسيل ورئيس القوات اللبنانية، سمير جعجع.

وتهدف دعوة بري إلى تضييق مساحة الخلاف بين الكتل البرلمانية لتسهيل عملية التوافق وانتخاب رئيس للجمهورية.

وبحسب مصدر سياسي “عندما تحين ساعة التوافق على انتخاب رئيس فهناك مرشحان جديان فقط هما سليمان فرنجية مرشح حزب الله الذي لم يعلن عن دعمه رسميا حتى الآن وقائد الجيش الحالي جوزيف عون”.

وأضاف المصدر ذاته أن “تعطيل حزب الله نصاب الدورات الثانية في الجلسات التسع التي عقدت يهدف إلى الضغط على النواب للقبول بمرشح الحزب سليمان فرنجية”.

ولفت إلى أن دعوة بري إلى الحوار هي “محاولة لإقناع الكتل البرلمانية الباقية بمرشحه والذي أعلن عن دعمه مرارا وهو سليمان فرنجية”.

وقال المحلل السياسي غسان ريفي، إن “الصعوبة في اختيار رئيس جديد للبنان سببها ما أفرزته الانتخابات البرلمانية الأخيرة من توازنات وقوى متعددة لا يملك أحد أكثرية داخل البرلمان تخول له انتخاب رئيس بمفرده”.

وشدد على أن “هناك خلافا وانقساما عموديا في البلاد بين حزب الله وحلفائه والقوى الأخرى مثل القوات اللبنانية والحزب الاشتراكي الذي يتزعمه وليد جنبلاط وغيرهم والذي يحتم عليهم التوافق على شخصية معينة لتأمين النصاب لها لانتخابها فيما بعد لرئاسة للبلاد”.

وذكر أن “حزب الله وحلفاءه ما عدا التيار الوطني الحر يفضلون سليمان فرنجية للرئاسة لذلك هم لم يعلنوا رسميا دعمه ويلجؤون إلى وضع ورقة بيضاء للمحافظة عليه وعدم حرقه”.

وأضاف “أما الطرف الآخر، حزب القوات اللبنانية والكتائب والحزب الاشتراكي ومستقلون فيلجؤون في كل جلسة إلى انتخاب ميشال معوض”.

ولفت إلى أنه “في ظل الانقسام العمودي في مجلس النواب لا يستطيع المجلس الوصول إلى انتخاب رئيس لأن الأمر يحتاج إلى توافق دولي وإقليمي وخاصة أن لبنان جزء من الملفات التي تطرح على طاولة المفاوضات الدولية والإقليمية”.

وأردف “لا بد من تدخل دولي إقليمي يعمل على تقريب وجهات النظر بين القوى السياسية وأن تكون لديه طروحات تستطيع أن تتوافق عليها القوى السياسية”.

ومن جانبه، ذكر المحلل السياسي طوني بولوس أن “تعطيل انتخاب رئيس للبنان إقليمي أكثر منه داخلي لأن التسويات الإقليمية تترجم إلى تسويات داخلية وخاصة أن حزب الله استطاع أخذ لبنان إلى محوره”.

وأضاف أن “الحزب يسعى إلى السيطرة على لبنان لتأمين حماية له ولسلاحه، ويستطيع من خلال الدولة التحاور مع الدول الغربية لتغطية أعماله غير الشرعية”.

ويتزامن الفراغ الرئاسي مع وجود حكومة تصريف أعمال عاجزة عن اتخاذ قرارات ضرورية، في وقت يشهد فيه لبنان منذ 2019 انهيارًا اقتصاديًا صنفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ عام 1850.

ومن بين القرارات الضرورية المضي قدما في تنفيذ خارطة الإصلاحات التي يطالب بها صندوق النقد الدولي والمانحون الغربيون لتقديم المساعدات المالية للبنان الغارق في الأزمات.

وكان صندوق النقد الدولي قد أعلن في 7 أبريل الماضي أن السلطات اللبنانية وفريق الصندوق توصلا إلى اتفاق على مستوى الموظفين بشأن السياسات الاقتصادية الشاملة التي يمكن دعمها بترتيب تمويل ممدد مدته 46 شهرا.

ويطالب صندوق النقد لبنان باستكمال الإصلاحات للتوصل إلى اتفاق نهائي معه، إلا أن تعثر استكمال الاستحقاقات الدستورية (انتخاب رئيس وتشكيل حكومة جديدة) يقفان عائقا أمام المضي قدما في الإصلاحات.

وأعلن مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق، مدير مركز ويلسون للدراسات في واشنطن ديفيد هيل خلال لقائه رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري أن الدعم الدولي جاهز فور إنجاز الإصلاحات.

وقال هيل بعد اللقاء “أعلم أن الوضع غير ميؤوس منه. لبنان أنجز انتخابات نيابية وكذلك هو في طور القيام بإصلاحات مالية واقتصادية حيث أن الدعم الدولي جاهز للمساعدة فور إنجازها”.

وأضاف “المطلوب أن تتوافر إرادة سياسية لدى اللبنانيين لاتخاذ هذه الخطوات الضرورية لإعادة الثقة والتعاون مع المجتمع الدولي”.