الغرب يمنع المعونات عن أفغانستان أملا في تعديل سلوك طالبان

طالبان تعيد عقارب الساعة إلى الوراء

بايمان

 عندما يجول في ذهن زهرة وفاء مدى الجهد الذي بذلته والمال الذي أنفقته من أجل تعليم ابنتيها في المدرسة ترتسم علامات الغضب على وجهها. وتتذكر زهرة الأيام التي كانت تضطر فيها هي وزوجها إلى تناول الخبز وحده لادخار المال اللازم لتعليم ابنتيهما، لأنهما كانا يريان أن إتاحة فرصة التعليم لهما تستحق كل تضحية، حتى تشهدان مستقبلا أفضل من مجرد الحياة في قرية نوا فولادي، الكائنة في وسط أفغانستان، وهي قرية محرومة من الكهرباء ولا يوجد فيها سوى شارع واحد مترب، وآبار يتم جلب المياه منها بالمضخات.

وذكرت صحيفة لوس أنجلس تايمز أن زهرة يخطر على بالها بعد ذلك الواقع الجديد الذي يعيشه بلدها تحت حكم طالبان، عندئذ يتهدج صوتها من التأثر، خاصة عندما تفكر في أن كل العناء الذي تحملته هي وزوجها كان بلا طائل. وتقول زهرة "عملنا بكل جد واجتهاد، وأنفقنا نقودا كثيرة على تعليمهما، خاصة وأنهما تتمتعان بالذكاء، والآن يفترض لهما أن يجلسا في المنزل، وكلما فكرت في هذا الوضع يصيبني الصداع".

وبعد عام من السقوط السريع للجمهورية المدعومة من الولايات المتحدة، وتولي الميليشيات الإسلامية السلطة، تعاني زهرة وابنتيها، مثلهن في ذلك مثل الكثير من الفتيات والنساء في مختلف أنحاء أفغانستان من الرؤية المتشددة التي تطبقها طالبان في البلاد، وخطتها في إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، ليس فقط فيما يتعلق بتعليم المرأة، وإنما أيضا بالنسبة إلى تواجدها في الحياة العامة.

وتقول حركة طالبان إنها ليست عازمة على إعادة نظامها الذي كان سائدا خلال فترة التسعينات من القرن العشرين، عندما كان يتم حظر تعليم البنات في المدارس ومنع تولي النساء معظم الوظائف، وفرض عقوبات بدنية على من تنتهك عددا من القواعد، مثل عدم ارتداء النقاب في الأماكن العامة، ومع ذلك تعلن طالبان كل بضعة أشهر قواعد جديدة، تتعلق بنوعية الوظائف التي يمكن للنساء الالتحاق بها، ومدى المسافة التي تقطعها المرأة دون محرم، ونوعية الملابس التي يجب أن ترتديها خارج المنزل، ويقول مرسوم إن النساء الأكثر ورعا لا ينبغي عليهن مغادرة بيوتهن إلا للضرورة.

وفي نوفمبر الماضي، أصدرت وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الأفغانية، التي تشغل المبنى الذي كان يضم سابقا وزارة شؤون المرأة، أمرا بحظر دخول النساء إلى أماكن الترفيه، وبعد مرور بضعة أيام حظرت عليهن دخول الصالات الرياضية، والحمامات العامة التي هي بالفعل منفصلة وفقا للجنس.

وصارت المرحلة الثانوية مسألة مزعجة بشكل خاص، وفي خريف العام الماضي سمحت السلطات للفتيات الأفغانيات بالالتحاق بالمدارس الابتدائية والجامعات، ووعدت باستئناف التعليم في المدارس الثانوية لهن، اعتبارا من بداية العام الدراسي الجديد في مارس الماضي، ولكن عندما حل ذلك اليوم ومع توجه الفتيات إلى المدارس تراجع المسؤولون عن وعدهم وأجلوا بدء الدراسة إلى أجل غير مسمى، حتى "يتم إعداد خطة شاملة وفقا للشريعة وللثقافة الأفغانية".

وسمحت السلطات الشهر الماضي للطالبات المسجلات في الصف الثاني عشر قبل انهيار الجمهورية الأفغانية بدخول الامتحان التمهيدي للالتحاق بالجامعات والمعروف باسم “كانكور”، ولكنها أغلقت الباب أمام عدد من التخصصات التي اعتبرتها غير ملائمة للفتيات، ومن بينها الاقتصاد والهندسة والصحافة والطب البيطري.

ونتج عن التعنت في تعليم البنات عواقب مادية، في واحدة من أكثر دول العالم فقرا، فمنظمات المعونة الدولية التي تقدم حاليا المساعدة لنحو نصف سكان أفغانستان ترى أن تراجع طالبان عن وعودها بفتح المدارس الثانوية أمام الفتيات يمثل نقطة انعطاف عن المسار أثرت على رغبة المانحين في تقديم المعونة.

ويعلق سليمان بن شاه المسؤول السابق بوزارة التجارة والصناعة الأفغانية، والذي لا يزال يقيم في كابول، على اتجاه رجال الأعمال الأفغان في الخارج نحو عدم العودة إلى الاستثمار في بلادهم، قائلا “قبل قرار التراجع عن فتح أبواب المدارس الثانوية أمام الفتيات، كان هناك قدر من التفاؤل، وبدأ المستثمرون الأفغان يشعرون في أواخر العام الماضي بأن الأوضاع تسير في اتجاه آمن وجيد، ولكن بعد أن تراجعت السلطات عن القرار تغيرت الأمور".

وفي مواجهة الازدراء الدولي يصر المسؤولون في حركة طالبان على أنهم يطبقون تعاليم الشريعة الإسلامية، وأن الغرب بدلا من أن يهتم بشكل حقيقي بحقوق المرأة، فإنه يستخدمها كهراوة لمعاقبة الحركة على انتصارها في الحرب ضده.

ويشير المسؤولون في طالبان إلى أن أفغانستان تمر الآن بحالة من السلام لم تشهدها منذ عقود، مما يعني أن الأطفال بما فيهم البنات يستطيعون الذهاب إلى مدارسهم، ويقولون إن الإمارة الإسلامية التي أقاموها فوق أطلال الجمهورية الأفغانية المهزومة تعكس بشكل أفضل ما يريده معظم السكان.