200 مليار دولار من الأموال الليبية معلقة حتى إشعار آخر

عقوبات أميركية لمعارضي الحل في السودان ولا عقوبات لمعارضيه في ليبيا

تعدّ الولايات المتحدة قائمة سوداء لمعارضي الاتفاق الإطاري الذي تم توقيعه بين القيادة العسكرية في السودان وممثلي القوى المدنية، لإنهاء الأزمة في البلاد، وتمهيد الانتقال إلى حكومة مدنية. إلا أن صبر الولايات المتحدة حيال الذين يعرقلون الحل في ليبيا لديه أسباب جديرة بأن تجعله “طويل البال”.

الحل في ليبيا مختلف عن الحل في السودان

لندن

 تضم قائمة الذين من المنتظر أن تشملهم قائمة العقوبات التي تحضّر لها الولايات المتحدة في السودان كلا من الكتلة الديمقراطية بقيادة أركو مناوي وجبريل إبراهيم، والحزب الاتحادي جناح جعفر الميرغني، الابن الأصغر لزعيم الختمية، وقادة “تنسيقيات شرق السودان”، و”نداء السودان” وحركة “الإخوان” والحزب الشيوعي ولجان المقاومة، و”الأمة القومي” بزعامة مبارك الفاضل المهدي.

وبدا التهديد بالعقوبات مؤشرا على أن صبر الولايات المتحدة قد نفد حيال الذين ظلوا يعرقلون الحل السياسي للأزمة في البلاد ويتقدمون بمطالب قصوى متنافرة، جعلت التوصل إلى تسوية تجمع عليها كل الأطراف أمرا مستحيلا. غير أن هذا المشهد لا يجد نظيرا له في الحالة الليبية، فلا موقف حازماً من واشنطن حيال رافضي الحل هناك.

قالت وزارة الخارجية الأميركية في بيان رسمي نشر على موقعها إنها ترحب “بتوقيع الأطراف السودانية على الاتفاق السياسي الإطاري المبدئي في الخامس من ديسمبر، والذي يعدّ خطوة أولى أساسية باتجاه تأليف حكومة انتقالية بقيادة مدنية وإنشاء ترتيبات دستورية للفترة الانتقالية".

كما أعلن البيان دعم واشنطن لنية الأطراف المدنية السودانية والجيش السوداني إجراء حوارات شاملة حول القضايا العالقة قبل إبرام اتفاق نهائي. إلا أنه قال إن الولايات المتحدة “تُخضع المفسدين الذين يحاولون تقويض التقدم الديمقراطي أو تأخيره للمساءلة، سواء كانوا من الأطراف الفاعلة العسكرية أو السياسية”، وأعلنت عن “توسيع نطاق سياسة حظر منح التأشيرات لتشمل أي مسؤول سوداني حالي أو سابق أو أي أفراد آخرين يعتقد أنهم مسؤولون عن تقويض عملية الانتقال الديمقراطي في السودان أو متواطئون في ذلك”.

ما وراء الترحيب الأميركي

ويحصر هذا الإجراء عددا كبيرا من القادة المحليين والمحيطين بهم إلى درجة تجعل قائمة المعاقبين واحدة من أوسع القوائم التي أعدتها الخارجية الأميركية حتى الآن.

وبالنظر إلى أن الولايات المتحدة طرف في الآلية الرباعية التي تضم إلى جانبها بريطانيا والسعودية والإمارات، فإن الخارجية الأميركية على تماس مباشر مع الأطراف التي تهدد بعرقلة تنفيذ الاتفاق الإطاري، وتمتلك فيما يبدو قائمة شاملة بهم.

ويقول مراقبون إن العقوبات الأميركية تشكل دعما استثنائيا للاتفاق، ومحاولة هي الأولى من نوعها للدفع بتنفيذ الحل، بعد مرور أكثر من عام على سلسلة من المحاولات الفاشلة للتوصل إلى اتفاق.

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن دعا في الوقت نفسه القادة العسكريين في السودان إلى “التنازل عن السلطة للمدنيين واحترام حقوق الإنسان وإنهاء العنف ضد المتظاهرين”، وحث ممثلي القادة المدنيين في السودان على “التفاوض بحسن نية ووضع المصلحة الوطنية أولا".

عودة الحكومة المدنية لتولي إدارة البلاد، وعودة الجيشِ إلى الثكنات، هما حجر الزاوية للخروج بالبلاد من المأزق، لاسيما وأن ذلك يحقق المطلب الرئيسي للمحتجين على التحرك الذي قادة رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان ضد حكومة حمدوك.

إلا أن الأطراف الأكثر تشدّدا في حركة الاحتجاج، وفي طليعتها “لجان المقاومة” والحزب الشيوعي السوداني، ظلت تريد إطلاق محاكمات ضد قادة الجيش. ولكنها لم تتفق في ما بينها على شكل الحكومة المدنية التي يمكن أن تتولى السلطة من هي الشخصية التي تتولى رئاستها، ورفضت في الوقت نفسه التفاوض مع الأطراف السياسية الرئيسية الأخرى، الأمر الذي جعل الحوارات تدور في حلقة مفرغة.

الاتفاقُ الذي تضمن 27 بندا، لم يترك للجيش أي دور قيادي في السلطة، بما فيها مجلس الأمن والدفاع الذي سوف يرأسه رئيس وزراء مدني. وعندما تم توقيع الاتفاق الاثنين الماضي رددَ البرهان الهتافَ الذي كان يرددَه المتظاهرون، وهو “الجيش إلى الثكنات".

لا أموال للسودان

القوى التي وقعت الاتفاق إلى جانب قيادة الجيش ممثلةً بالبرهان ونائبه محمد حمدان دقلو، شملت أحزاب “الأمة القومي” و”المؤتمر السوداني”، و”التجمع الاتحادي” و”المؤتمر الشعبي”، و”الاتحادي” جناح الحسن الميرغني.

في حين أن المُهددين بالعقوبات في السودان قد لا يتأثرون كثيرا بها، فإن الذين يمكن أن تشملهم العقوبات في ليبيا يمتلكون الكثير مما يخشون عليه، لاسيما وأنهم استغلوا سلطتهم على مدار الأعوام العشرة الماضية لجني أموال طائلة. وهم يمتلكون حسابات وشركات يستقر بعضها في تركيا وقطر وبريطانيا.

ويذهب الاعتقاد إلى أنهم حالما يشعرون بأن هناك خطرا يهدد ما قاموا بجنيه من استمرار النزاع، فإنهم سرعان ما سوف يتوقفون عن وضع العقبات والعراقيل أمام الحل السياسي.

إلا أن الولايات المتحدة لا تبدو حريصة على اتخاذ إجراء مماثل، لأن الحل في ليبيا سوف يعني الإفراج عن الأموال الليبية المحتجزة في البنوك الغربية، بينما الحل في السودان، لا تقف خلفه أموال يتعين استردادها بل مساعدات يتعين تقديمها. ويقدر إجمالي الأموال الليبية المحتجزة بنحو 200 مليار دولار، وهي تشمل أرصدة مالية، وسندات وودائع، وفنادق وأراضي ويخوتا وسيارات فارهة وطائرات خاصة.

وكان فرحات بن قدارة آخر محافظ لمصرف ليبيا المركزي قال إن الأصول الليبية تقدر بنحو 168 مليارا و425 مليون دولار، منها نحو 104 مليارات للمصرف المركزي، ونحو 30 مليار دولار عبارة عن سندات خزانة أميركية، وسندات في حكومات أوروبية، وذلك إلى جانب 64 مليارا تابعة للمؤسسة الليبية للاستثمار.