رهانات على اجتماع طال انتظاره بين المغرب وإسبانيا

لقاء طال انتظاره

الرباط

يمثل الاجتماع رفيع المستوى الذي من المنتظر عقده في الرباط في فبراير المقبل حدثا بالغ الأهمية بالنسبة إلى المغرب وإسبانيا. ويراهن عليه البلدان لإحداث نقلة جديدة في العلاقات الثنائية التي شهدت تطورا لافتا في أعقاب اللقاء الذي جرى في السابع من أبريل الماضي بين رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز والعاهل المغربي الملك محمد السادس.

ويرى مراقبون أن أهمية هذا الاجتماع تكمن في أنه سيبحث الملفات الخلافية بين الطرفين، يما يهيّئ لإنشاء علاقة مستدامة، مشيرين إلى أن مدريد تدرك أهمية الحفاظ على علاقات قوية مع الرباط، وهي ستحاول استثمار المتغيرات لاسيما في علاقة بالفتور المتزايد بين باريس والرباط من أجل الارتقاء بوضعها كشريك ثابت وإستراتيجي بالنسبة إلى المملكة.

وأكد العاهل الإسباني الملك فيليبي السادس في كلمة ألقاها الأربعاء بمناسبة استقبال خص به السلك الدبلوماسي المعتمد بإسبانيا أن “الاجتماع رفيع المستوى المقبل بين المغرب وإسبانيا الذي لم يعقد منذ العام 2015 سيتيح تعميق علاقاتنا الثنائية واسعة النطاق، من أجل العمل سويا على أسس أكثر متانة”.

وشدد الملك فيليبي السادس على أن المغرب وإسبانيا دشنا مرحلة جديدة في علاقتهما الثنائية، مشيرا إلى أن الاجتماع رفيع المستوى يندرج في إطار خارطة الطريق المتفق عليها في أبريل الماضي، وذلك بمناسبة الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة الإسبانية إلى المغرب.

وجرى تأجيل الاجتماع المهم في مناسبتين عامي 2020 و2021، وكان إلغاؤه في المناسبة الأولى مرتبطا بأزمة كوفيد، أما السبب الذي حال دون إجرائه في المناسبة الثانية فكانت الأزمة التي أثارها استقبال زعيم جبهة بوليساريو إبراهيم غالي للعلاج في مدريد، والتي جرى استيعابها لاحقا، لاسيما بعد إقرار إسبانيا بدعمها للطرح المغربي لحل أزمة الصحراء.

وأكد محمد لكريني أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي أن هناك تنسيقا على أعلى مستوى بعد دعم مدريد لمشروع الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، خصوصا وأن الإسبان استوعبوا التأثيرات الكبيرة للأزمة على العلاقات بين البلدين على المستوى الأمني والاقتصادي والدبلوماسي والسياسي.

وأوضح لكريني في تصريحات لـ”العرب” أن حضور رئيس الحكومة الإسباني والوفد المرافق له هذا اللقاء المهم مسألة إستراتيجية وسيكون تأكيدا لدعم مدريد في قضية الصحراء حيث أن الأمر يتعلق بمصالح حيوية للمغرب، ومن ثمة لا يمكن لإسبانيا أن تنهج الطريق الذي تسلكه فرنسا حاليا في هذا الملف وغيره لتفادي النتائج السلبية على العلاقات الثنائية.

وسلط رئيس الحكومة الإسبانية الثلاثاء الضوء على تميز علاقات التعاون القائمة مع المملكة المغربية، وأكد في كلمته بمجلس النواب على “الأهمية الإستراتيجية” للحفاظ على “علاقات أفضل” مع المملكة، لافتا إلى أنه “من مصلحتنا الحفاظ على أفضل العلاقات، ليس من أجل إسبانيا فحسب، ولكن أيضا من أجل الاتحاد الأوروبي”.

وفي هذا السياق شدد رئيس الحكومة الإسبانية على “أهمية” الاجتماع رفيع المستوى المقبل بين المغرب وإسبانيا من أجل إعطاء دفعة جديدة للتعاون الثنائي.

وعلى أساس خارطة الطريق الجديدة المعتمدة في أبريل بمناسبة الزيارة التي قام بها سانشيز إلى المغرب بدعوة من الملك محمد السادس، التزم البلدان على الخصوص بمعالجة المواضيع ذات الاهتمام المشترك “بروح من الثقة والتشاور”، مع تفعيل مجموعات العمل المحدثة بين البلدين قصد إعادة إطلاق التعاون الثنائي متعدد القطاعات.

ومن بين الملفات المنتظر بحثها خلال الاجتماع قضية الجمارك التجارية بمعبري سبتة ومليلية، وقضية التأشيرة لدخول المدينتين، إضافة إلى قضية ترسيم الحدود البحرية التي عهدت إلى لجنة مغربية – إسبانية مشتركة مهمتها الخروج بخلاصات تُرضي البلدين.

ويأتي الاجتماع المنتظر في ظل تفاعلات مستمرة لقرار صادر عن البرلمان الأوروبي في وقت سابق من الشهر الجاري يتعلق بالوضع الحقوقي في المملكة، والذي أثار ردود أفعال مستنكرة بالمغرب، وبأوروبا أيضا، حيث أكد البرلماني الأوروبي ثييري مارياني أن الموقف الأوروبي يمثل “تجاوزا وتدخلا في الشؤون الداخلية لدولة ذات سيادة، وأنه يجب أن نفعل كل شيء لإعادة بناء العلاقة التي تضررت إلى حد كبير، لأسباب عدة أبرزها أخطاء إيمانويل ماكرون”.

وأكد نبيل الأندلوسي رئيس المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الإستراتيجية أن موقف العاهل الإسباني ورئيس الحكومة له دلالة سياسية إيجابية على أن العلاقات المغربية – الإسبانية تشهد منعطفا حاسما في سياق توجه لتعزيز الثقة المتبادلة وخدمة المصالح المشتركة بين البلدين الجارين على أساس من الوضوح واحترام سيادة الدولتين.

وأكد الأندلوسي في تصريحات لـ”العرب” أنه بعد فترة من سوء الفهم والعلاقات المتوترة، تسعى الحكومة الإسبانية لاستثمار جو العلاقات المتميزة مع المغرب على أساس الوضوح والثقة والمصالح المشتركة بين البلدين، في إطار من الندية والاحترام والاستثمار في معادلة رابح – رابح.

وأوضح العاهل الإسباني أمام السفراء المعتمدين في مدريد بمن فيهم سفيرة المغرب كريمة بنيعيش أن “الجوار الطبيعي لإسبانيا والعلاقات الوثيقة للغاية التي تجمعنا في مختلف المجالات لا ينبغي إهمالها”، مع تفعيل مجموعات العمل المحدثة بين البلدين قصد إعادة إطلاق التعاون الثنائي متعدد القطاعات.

وترجمة للشراكة الثنائية بين البلدين أكدت مدريد والرباط أنه سيتم إعادة تفعيل التعاون القطاعي في جميع المجالات ذات الاهتمام المشترك، من بينها الاقتصادي والعسكري والتجاري والطاقة والصناعة والثقافة وملف الهجرة ومحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة، وآليات التنسيق لتدبير مشكلة معبري سبتة ومليلة، بالإضافة إلى التأكيد على أن تسهيل المبادلات الاقتصادية والمواصلات بين البلدين سيكون موضوع اجتماع سيُعقد قريبا.

وزادت المبادلات التجارية مع المغرب بنسبة 33 في المئة العام الماضي، لتصل إلى قرابة 10 مليارات يورو، فيما سجل تدفق المهاجرين غير الشرعيين انخفاضا ملحوظا، واعتبر سانشيز أنه “من بين جميع طرقات الهجرة نحو أوروبا، فإن المسار الوحيد الذي سجل تراجعا هو من المغرب إلى إسبانيا”.