قلق إسباني من مساعي روسيا لكسب نفوذ في موريتانيا

تقارب لا يروق للغرب
بعد أسبوع واحد فقط من زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى موريتانيا، توجه وفد عسكري إسباني إلى نواكشوط لبحث “التعاون العسكري المشترك”، ما يعكس رغبة مدريد في منع تمدد النفوذ الروسي إلى جوارها البحري في المحيط الأطلسي.
ففي الرابع عشر فبراير زار وفد عسكري إسباني بقيادة مستشار الأمانة العامة لسياسة الدفاع والدبلوماسية اللواء آلفونسو كارسيا باكويرو بارادال العاصمة الموريتانية نواكشوط في إطار الدورة الـ22 للجنة العسكرية المشتركة.
وحظي الوفد العسكري الإسباني باستقبال من وزير الدفاع الموريتاني حننا سيدي حننا، وقائد الأركان الفريق مختار بله شعبان، كل على حدة، ما يعكس الأهمية التي توليها نواكشوط للتعاون العسكري مع مدريد.
وتناول الاجتماعان “متابعة وتقييم التعاون العسكري المشترك بين البلدين وسبل تطويره”، ومناقشة “علاقات التعاون القائم بين البلدين الصديقين” وفق ما أعلنه الجيش الموريتاني على صفحته الرسمية على فيسبوك وتداولته وسائل إعلام رسمية.
ولم يرشح الكثير عن اجتماع الوفد الإسباني بنظيره الموريتاني الذي كان يقوده مدير المديرية المركزية للعتاد اللواء محمد فال الرايس، لكنه جرى في سياق دولي غير عادي.
فتراجع النفوذ الفرنسي بمنطقة الساحل الأفريقي، مقابل تصاعد التواجد العسكري لموسكو بالمنطقة، يثير قلق مدريد من وصول النفوذ الروسي إلى موريتانيا القريبة من جزر الكناري الإسبانية من ناحية المحيط الأطلسي.
ولمّحت صحيفة “لوبوان” الفرنسية إلى أن زيارة لافروف إلى نواكشوط قد تكون بحثت رغبة موسكو في بناء قاعدة عسكرية في موريتانيا، الأمر الذي نفته الخارجية الروسية، قائلة “لم تكن لدى روسيا مثل هذه الخطط قط، وهي لم تتوجه إلى السلطات الموريتانية بمثل هذه الطلبات، وبوسعها تأكيد ذلك بنفسها”.
إلا أن هذه المزاعم تعكس قلقا غربيا من إمكانية حصول روسيا على موطئ قدم في موريتانيا، ما يهدد الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي (ناتو) الذي تمثل إسبانيا أقرب أعضائه جغرافيا إلى موريتانيا.
كما أن هاجس الهجرة غير النظامية من أفريقيا جنوب الصحراء نحو إسبانيا، وتهديد الجماعات الإرهابية في الساحل، يجعلان من موريتانيا خط الدفاع الأول عن الأراضي الإسبانية.
وما يمنح موريتانيا أهمية أكثر ضمن الإستراتيجية الإسبانية اكتشاف الغاز الطبيعي بكميات كبيرة تبلغ نحو 100 تريليون قدم مكعب، ومن المرتقب أن تشرع في تصدير أولى شحناتها من الغاز المسال نهاية 2023 أو في 2024.
وفي ظل أزمة مدريد مع الجزائر، فإن الغاز الموريتاني ومعه السنغالي يمكن أن يحولا إسبانيا إلى مركز إقليمي لإعادة تصدير الغاز إلى أوروبا بعدما اختارت الجزائر إيطاليا لتكون الموزع الأول لغازها لدول القارة العجوز.
ولم تكن زيارة الوفد الإسباني إلى نواكشوط اللقاء الأول للقادة العسكريين في هذا العام، إذ سبق وأن زار قائد الأركان الموريتاني مدريد ما بين الثالث والعشرين والسادس والعشرين يناير الماضي بناء على دعوة من نظيره الإسباني الأميرال تيودورو لوبيز كالديرون.
وأشاد حينها الجانب الإسباني “بالدور المحوري لموريتانيا في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وأهمية الشراكة معها في المجال العسكري”، وفق ما نشره الجيش الموريتاني على موقعه الإلكتروني وتناقلته وسائل إعلام محلية.
كما سبق لقائد الأركان الإسباني أن زار موريتانيا في السابع عشر يوليو 2022، والتقى خلالها بنظيره الموريتاني وبحثا “العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تطويرها، خاصة في مجال التكوين العسكري”، وفق موقع الجيش الموريتاني.
وبعدها بأيام قليلة زار وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس موريتانيا وبحث مع المسؤولين فيها عدة ملفات على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية.
وتوجت هذه اللقاءات بتوقيع البلدين في الثالث نوفمبر 2022 على اتفاقية أمنية لتعزيز مكافحة الهجرة غير النظامية، وقعها وزير الداخلية الموريتاني محمد أحمد ولد محمد الأمين، ونظيره الإسباني فرناندو كوميز.
ويشبه مضمون الاتفاقية تلك الموقعة بين إيطاليا وليبيا بشأن مكافحة الهجرة غير النظامية، حيث تضمنت حصول موريتانيا على مساعدات لوجستية وتقنية في المجال الأمني، وتعزيز التعاون في مجال التدريب وتبادل الخبرات الأمنية، بما يدعم جهود موريتانيا لمكافحة الهجرة غير النظامية والتهريب والجريمة المنظمة.
وتعزز هذه الاتفاقية تلك التي وقعت في 2003، وتنص على استقبال نواكشوط لمهاجرين غير نظاميين ممن تأكد عبورهم إلى إسبانيا انطلاقا من المياه الإقليمية الموريتانية، وأيضا اتفاق التعاون في مجال الأمن الموقع في 2015.
ولكن الزيارة الأهم كانت للرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني إلى إسبانيا، ما بين السادس عشر والتاسع عشر مارس 2022، والتي وضعت أسس التعاون بين البلدين في شتى المجالات وخاصة الأمنية منها.
وتوجت الزيارة بإعلان مشترك “هام” يمثل وثيقة لفهم طبيعة التعاون الإستراتيجي بين البلدين خلال العشرية المقبلة، حيث اتفق الرئيس الموريتاني ورئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز على القيام بما يلزم من أجل المصادقة على “معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون” التي تم توقيعها في 2008 للارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى مستوى أعلى.
وأصبحت إسبانيا أكثر انخراطا في أزمات منطقة الساحل الأفريقي الأمنية منها والسياسية، خاصة منذ ترؤسها لـ”الجمعية العامة لتحالف الساحل” في النصف الأول من عام 2022، والتي تأسست في 2017 بمبادرة فرنسية.
وتقود إسبانيا المشروع الأوروبي “غار - سي ساحل” لتدريب قوات الدرك في دول الساحل الخمس بالإضافة إلى السنغال، وتشارك في بعثات الاتحاد الأوروبي المختلفة في المنطقة.
وإذا كانت فرنسا ترتكز على النيجر لتنفيذ سياستها في منطقة الساحل، فإن إسبانيا تسعى لكي تكون موريتانيا بوابتها للنفوذ والتغلغل في المنطقة.
واستغلت إسبانيا انعقاد اجتماع لحلف الناتو على أرضها نهاية يونيو 2022 لدعوة موريتانيا للمشاركة فيه، خاصة وأن الأخيرة انضمت لمنظومة الناتو للحوار عبر المتوسط منذ 1995، دون أن تكون عضوا فيه.
وحاولت إسبانيا إقناع أعضاء حلف الناتو بوضع إستراتيجية جديدة له في جناحه الجنوبي، تكون فيه رأس الحربة له في منطقة الساحل بعد انسحاب قوات “برخان” الفرنسية من مالي، خاصة أنها تمثل حلقة الوصل بين الحلف ودول الساحل وعلى رأسها موريتانيا.
وهنا يكمن سر الاهتمام الإسباني بموريتانيا كقاعدة ارتكاز لإستراتيجيتها الجديدة في الساحل، التي ترى فيه تهديدا لأمنها القومي سواء من خلال الجماعات الإرهابية وشبكات تهريب البشر والهجرة والجريمة المنظمة العابر للحدود، ناهيك عن التمدد الروسي في المنطقة وسعيها الإستراتيجي لتطويق دول الحلف من الجنوب.