شي إلى موسكو لتعزيز الشراكة ودفع الوساطة الصينية حول أوكرانيا

أسفرت التأثيرات العالمية الشديدة لحرب بوتين عن وجود حوافز اقتصادية صينية لعدة دول لدعم مقترحات السلام للرئيس الصيني شي

موسكو

 

في وقت متزامن تقريباً، أعلنت موسكو وبكين عن موعد الزيارة المرتقبة للرئيس الصيني شي جينبينغ إلى العاصمة الروسية. الحدث الذي وصفه الطرفان بأنه يشكل نقطة دفع أساسية لتطوير التعاون في مجالات عدة، بات يحظى بأهمية إضافية على خلفية تمهيد بكين لجهود وساطة لإنهاء الصراع المحتدم في أوكرانيا وحولها. وأعلن الكرملين أن زيارة شي التي تأتي تلبية لدعوة سابقة وجهها الرئيس فلاديمير بوتين، ستجري بين 20 و22 من الشهر الحالي. وعلى الفور بات معلوماً أن الزعيمين سوف يعقدان خلالها سلسلة جلسات عمل ثنائية «وجهاً لوجه»، وأخرى بحضور وفدي البلدين. وفقاً لبيان الكرملين، يُنتظر أن يناقش الرئيسان «تطوير شراكة شاملة وتفاعل استراتيجي».
كما من المقرر تبادل وجهات النظر «في سياق تعميق التعاون بين موسكو وبكين على الساحة الدولية»، إضافة إلى أنه سيتم التوقيع على «عدد من الوثائق الثنائية المهمة».
بدورها، أكدت وزارة الخارجية الصينية موعد الزيارة، ورأت أنها سوف «تعطي دفعة جديدة لتنمية العلاقات بين روسيا وجمهورية الصين الشعبية، وتعزز الثقة المتبادلة بين البلدين»، لكن اللافت أن البيان الصيني ركز مباشرة على واحد من الملفات الأساسية المطروحة للبحث. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ ون بين، إن «الصين تلتزم بشدة بموقف موضوعي وعادل بشأن الأزمة الأوكرانية، وستلعب دوراً بناء في دفع محادثات السلام». وزاد أن العلاقات الصينية - الروسية «تقوم على مبادئ عدم الانحياز وعدم استهداف أطراف ثالثة».
وتابع وانغ ون بين، أن «البلدين ملتزمان دائماً بنوع جديد من العلاقات بين القوى الكبرى، يتضمن الشراكة بدلاً من الانضمام إلى الكتل، والحوار بدلاً من المواجهة، وهو ما يفرض الاحترام المتبادل والتعايش السلمي والتعاون متبادل المنفعة»، مشدداً على أن «تطوير شراكة استراتيجية بين الصين وروسيا لن يفيد فقط شعبي البلدين، بل العالم أجمع». ورأى أن تصريحات بعض السياسيين الغربيين بأن العلاقات بين روسيا والصين تشكل «تحدياً للنظام العالمي»، ليست سوى مظهر من مظاهر «عقلية الحرب الباردة».
دفعت هذه التصريحات إلى منح أولوية في الحوار لجهود الصين على صعيد الوساطة المحتملة لإنهاء الصراع حول أوكرانيا، انطلاقاً من المبادئ التي أطلقتها بكين أخيراً، والتي تضمنت 12 بنداً حملت الموقف الصيني من الأزمة الأوكرانية، وأبرزها: ضرورة احترام سيادة وسلامة أراضي جميع الدول، واستئناف الحوار المباشر بين موسكو وكييف، والدعوة لمنع مزيد من التصعيد.
بعد إعلان الأفكار الصينية الشهر الماضي، بدا الموقف الروسي حذراً ومتحفظاً بدرجة كبيرة. ومع الترحيب العام بـ«أي دور للصين الصديقة» في جهود تسوية الصراع، فإن موسكو رأت أن بعض الأفكار الصينية «يحتاج إلى عمل طويل»، قبل أن تؤكد لاحقاً أنه «لا توجد خيارات حالياً غير السيناريو العسكري لتحقيق أهداف روسيا في العملية العسكرية الخاصة».
بات واضحاً عدم الارتياح الروسي للمدخل الذي طرحته بكين لإدارة الوساطة، وخصوصاً ما يتعلق بالبند الأول حول «احترام سيادة وسلامة أراضي كل الدول»؛ لأنه يضر مباشرة بالرواية الروسية والمنطلقات القانونية لموسكو في مسألة ضم أجزاء من أوكرانيا.
يعني ذلك، أن في حقيبة شي وهو يتوجه إلى موسكو أفكاراً قد يحاول إنضاجها مع الروس لتطوير المبادئ المقترحة بما يلبي «الخطوط الحمراء» لموسكو، وفي الوقت نفسه يترك هامشاً من المناورة مع أوكرانيا والغرب، لذلك حرصت بكين وهي تضع اللمسات الأخيرة على ترتيبات الزيارة، على إعلان عزم شي أثناء وجوده في روسيا إجراء جولة محادثات افتراضية مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وأنه سوف يجري لاحقاً جولات من المحادثات مع قادة أوروبيين.
يرى خبراء روس أن حقيقة قيام شي بأول زيارة خارجية إلى روسيا بعد انتخابه لولاية ثالثة لها أهمية خاصة، خصوصاً على صعيد توجه بكين لتوسيع حجم مشاركتها في الملفات الدولية والإقليمية. بهذا المعنى، فإن «نجاح بكين في جهود الوساطة بين السعودية وإيران له أهمية خاصة عند موسكو، لكونه أظهر استعداد الصين لتعزيز عمليات السلام في مختلف المناطق حول العالم، وشكّل مقدمة مهمة لتنشيط الدبلوماسية الصينية في ملفات عدة أخرى، وعلى رأسها حالياً الصراع الأبرز الذي يشغل العالم»، وفقاً لخبير روسي تحدث إلى وكالة أنباء «نوفوستي» الحكومية.
الملف الثاني المطروح بقوة هو التعاون العسكري الروسي - الصيني، الذي وصل إلى أعلى مستويات قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا، وكاد يقترب كما قال خبراء روس من التحول إلى «شراكة عسكرية استراتيجية كاملة».
لا يمكن في هذا الملف تجاهل أن بكين تراجعت عدة خطوات عن التعاون بعد الحرب الأوكرانية، وأوقف عدد من الشركات الصينية تزويد موسكو بمحركات وتقنيات لصناعة الطائرات والآليات، فضلاً عن محافظة الصين على الصعيد السياسي على مسافة معينة من المواقف الروسية، وحرصها على عدم الترحيب بقرارات الضم أو الإجراءات الروسية الأخرى داخل أوكرانيا. ورغم ذلك برزت معطيات أميركية أخيراً، حول تزويد الصين لموسكو بتقنيات عسكرية، وهي معطيات نفت بكين صحتها، لكن هذه المواقف لا تعني وفقاً لخبراء توقف التعاون العسكري، الذي ينتظر أن يشهد دفعات إضافية خلال المرحلة المقبلة.
وقال يوري أوشاكوف، مساعد الرئيس الروسي للشؤون الدولية، إن «التعاون العسكري بين روسيا والصين سيكون على جدول أعمال الرئيسين بوتين وشي بحضور مسؤولين بارزين في الحكومتين». وأضاف أوشاكوف: «ستناقش مشاكل التعاون العسكري الفني. وتمت دعوة كل من وزير الدفاع سيرغي شويغو، ومدير الهيئة الفيدرالية الروسية للتعاون التقني العسكري دميتري تشاغاييف لحضور المحادثات». عموماً لفت المسؤول الروسي إلى أنه نظراً لأهمية الزيارة، من المتوقع أن يشارك في المباحثات تمثيل كبير من الجانب الروسي: نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري ميدفيديف، ووزير الخارجية سيرغي لافروف، ونائب رئيس الوزراء الروسي دميتري تشيرنينكو، ورئيسة البنك المركزي الروسي إلفيرا نابيولينا، والسفير الروسي لدى الصين إيغور مورغولوف، وغيرهم من المسؤولين الروس. في هذا السياق، لا يمكن تجاهل أن تعزيز التعاون العسكري التقني ليس مرتبطاً فقط باحتمال تزويد بكين لموسكو بتقنيات تحتاجها روسيا حالياً، بل ينسحب على نشاطات مشتركة، توجه رسائل إلى الغرب عموماً، بينها أن ترتيبات هذه الزيارة تزامنت مع مناورات عسكرية روسية - صينية - إيرانية مشتركة في خليج عمان.
العنصر الثالث الذي لا يقل أهمية على جدول أعمال الرئيسين، يتعلق بالعلاقات الثنائية بعد القفزة الكبرى التي حققها ميزان التبادل التجاري خلال عام من الحرب، وقد تحولت الصين إلى أكبر شريك تجاري لروسيا بحكم تبادل زاد على 190 مليار دولار. ارتفع حجم التجارة بين روسيا والصين العام الماضي بنسبة 30 في المائة تقريباً على خلفية شغل الشركات الصينية الفراغ الذي أحدثه انسحاب الشركات الغربية من روسيا، لكن الأهم في ميزان التبادل هو التغير الكبير على معدلات صادرات روسيا من موارد الطاقة إلى الصين. وتظهر البيانات أن كفة الميزان التجاري ترجح لصالح روسيا، التي تصدر إلى الصين موارد الطاقة بشكل أساسي، وتمثل إمدادات النفط والغاز عبر الأنابيب والغاز الطبيعي المسال والفحم نحو 70 في المائة من إجمالي حجم الإمدادات إلى الصين. في هذا الإطار سيكون على بوتين وشي أن يسجلا بارتياح أن هدف رفع مستوى التبادل التجاري ليتجاوز حاجز 200 مليار مع حلول عام 2024 تم تحقيقه قبل الموعد المحدد. وكان السفير الروسي لدى الصين إيغور مورغولوف، قد قال إن العلاقات التجارية والاقتصادية بين روسيا والصين في قطاع الطاقة، ذات طبيعة استراتيجية وذات منفعة متبادلة. وقال الدبلوماسي، في وقت سابق: «تعاوننا في قطاع الطاقة لا يعتمد على العوامل الجيوسياسية الحالية». وأشار إلى أن المشاريع التي يتم تنفيذها بشكل مشترك من قبل الشركات في البلدين تساهم بشكل كبير في نمو التجارة الثنائية، وتساهم أيضاً في ضمان أمن الطاقة لروسيا والصين.