المبعوث الأممي يذكر البرلمان ومجلس الدولة بأن لا شرعية دائمة

باتيلي يلوح ببدائل أممية في حال فشل الليبيون في الاتفاق على الانتخابات

المبعوث الأممي إلى ليبيا وجه رسالة واضحة إلى الشركاء الليبيين بأن رهانه على دور المؤسسات الليبية مثل مجلسي النواب والدولة ليس صكا على بياض، وأن الأمر مرهون بوقت، وأن لدى البعثة بدائل جاهزة ستعلن عنها في الوقت اللازم.

المبعوث الأممي لا يترك فرصة للتهرب من الانتخابات

طرابلس

قال مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا عبدالله باتيلي إنه إذا فشلت الهيئات التشريعية في ليبيا في التوصل إلى اتفاق حول قوانين الانتخابات في الوقت المناسب “فإننا سننظر في الإجراء البديل الذي يمكن أن نسلكه”، مشيرا إلى أنه لن يقبل أي تحركات لعرقلة إجراء الانتخابات. ويأتي هذا بالتزامن مع رسالة واضحة من باتيلي للفرقاء الليبيين مفادها أن لا شرعية دائمة لا لمجلس النواب ولا المجلس الأعلى للدولة حتى يستمرا بتعطيل جهود الحل السياسي.

ويسعى باتيلي لكسر حالة الجمود الداخلي في ليبيا بإجراء انتخابات هذا العام تضع حدا لتفويض الهيئات السياسية الانتقالية المستمر منذ فترة طويلة. وأعلن باتيلي عن مبادرة جديدة الشهر الماضي لتسريع العملية السياسية، مما دفع الهيئتين التشريعيتين، مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، إلى تشكيل لجنة للنظر في قوانين الانتخابات.

وقال في مقابلة مع رويترز الجمعة من طرابلس "عليهم أن يتوصلوا إلى هذا (الاتفاق) في الوقت المناسب". ويشك العديد من أفراد الشعب الليبي في أن الهيئتين التشريعيتين تتفاوضان بحسن نية بعد سنوات من المحادثات التي لم تنقطع والترتيبات الانتقالية التي سمحت لهما على الدوام بالاحتفاظ بمواقع السلطة. وفشلت محاولة سابقة لإجراء انتخابات في ديسمبر 2021 بسبب الخلافات حول قوانين الانتخابات، بما في ذلك أهلية كل مرشح من المرشحين الرئيسيين.

وقال باتيلي في وقت سابق من الشهر الجاري إن اللجنة التي شكلتها الهيئتان التشريعيتان يتعين عليها الموافقة على قوانين الانتخابات في يونيو من أجل إجراء الانتخابات هذا العام. وأضاف "بالطبع إذا لم يفعلوا ذلك، فسيكونون مسؤولين أمام الشعب الليبي والمجتمع الدولي والزعماء الإقليميين الذين يدعمونهم في هذه العملية".

وعند سؤاله عن الخيارات البديلة التي يفكر فيها إذا لم يتوصلوا إلى اتفاق، قال باتيلي “سنتحدث عن ذلك في وقته”. ولم تشهد ليبيا سوى فترات سلام قليلة منذ الانتفاضة التي دعمها حلف شمال الأطلسي في 2011 وما تلاها من انقسام للبلاد في 2014 بين فصائل متحاربة في شرق البلاد وغربها. وانتهت آخر جولة من جولات القتال المحتدمة بإعلان وقف إطلاق النار في عام 2020 لكن لم يكن هناك تحرك نحو حل سياسي دائم منذ ذلك الحين.

واعترف باتيلي بأن العديد من الليبيين “أعربوا عن شكوكهم حول قدرة مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة أو حسن نيتهما لوضع حد لمدة تفويضهما (..) لا يمكن أن يكون هذا مجرد تطور آخر في لعبة الكراسي الموسيقية". وأشار إلى أن مجلس النواب كان قد اُنتخب في عام 2014 لمدة 18 شهرا فقط، قائلا "لا يمكن أن نرى شرعية دائمة في أي مكان في العالم، حيث ينتخب البرلمان بطريقة غير محددة لمدة غير محددة".

وانبثق المجلس الأعلى للدولة نفسه من أعضاء البرلمان الانتقالي السابق الذي اُنتخب في عام 2012 وجرى تشكيل المجلس من خلال اتفاق سياسي في عام 2015. ويشك العديد من الليبيين أيضا في إمكانية إجراء انتخابات في بلد تسيطر على معظم أراضيه فصائل مسلحة قد تدعم أو تعارض ترشُّح أشخاص معينين، حتى لو تمكنت الهيئات السياسية من الاتفاق على قوانين الانتخابات.

وقال باتيلي إنه لا يمكن أن تكون هناك “انتخابات حرة ونزيهة في ظل الانقسام الحالي للأجهزة الأمنية” لكنه أوضح أن بعثة الأمم المتحدة في ليبيا تعمل مع الفصائل المسلحة وغيرها للتوصل إلى اتفاق بشأن كيفية إجراء الانتخابات. وأضاف أن اجتماعات الأسبوع الماضي في تونس والأسبوع المقبل في طرابلس ستضم شخصيات من جميع المناطق المعنية في حوار "للمشاركة في عملية تكون فيها الانتخابات آمنة".

ويجد المبعوث الأممي دعما قويا من مجلس الأمن، وخاصة من الولايات المتحدة التي تتحرك على واجهات مختلفة للضغط على مختلف الفرقاء من أجل الدفع نحو الانتخابات. وقد أبدى مجلس الأمن تجاوبا مع إبقاء عملية الإشراف على العملية التشريعية بيد مجلسي النواب والأعلى للدولة، لكنه شدد على أن هذا الدعم مشروط بالتوصل في غضون أشهر قليلة إلى توافق نهائي بشأن النقاط الخلافية ومنها ترشح مزدوجي الجنسية.

ولوّح المجلس في بيان صدر مؤخرا بعقوبات ضد معرقلي الانتخابات. وسبق للولايات المتحدة أن لوحت بعقوبات ضد كل من يعرقل العملية السياسية، ويعتقد مراقبون أن زيارة مساعدة وزير الخارجية باربرا ليف خلال الأيام الماضية كان هدفها الرئيسي إيصال رسالة إلى القوى والمؤسسات الليبية، بأنه لا مجال للمناورة والتهرب من إجراء الاستحقاق.

واستقبل رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها في ليبيا عبدالحميد الدبيبة المسؤولة الأميركية التي كانت زارت مدينة بنغازي شرق ليبيا والتقت قائد الجيش المشير خليفة حفتر. وذكرت منصة “حكومتنا” التابعة لحكومة الوحدة أن الدبيبة بحث مع المسؤولة الأميركية “التطورات السياسية في ليبيا وأهمية توحيد الجهود الدولية والمحلية، ودعم جهود بعثة الأمم المتحدة لدى ليبيا من أجل الوصول إلى الانتخابات”.

وأضافت المنصة أن الزيارة “تأتي ضمن دعم الولايات المتحدة للجهود الدولية والمحلية لإجراء الانتخابات، والعمل على دعمها في كافة المجالات”. وتهدف الانتخابات إلى حل أزمة صراع على السلطة بين حكومة عيّنها مجلس النواب مطلع 2022 برئاسة فتحي باشاغا وحكومة الدبيبة الذي يرفض تسليم مهامه إلا لحكومة تأتي عبر برلمان جديد منتخب.

وتضغط واشنطن ليس فقط من أجل إجراء الانتخابات، ولكن من أجل إخراج المرتزقة الأفارقة والروس من ليبيا، وهو ما كان محورا للقاء المبعوث الأممي مع مراقبي اتفاق وقف إطلاق النار الليبي قبل أسبوع في تونس، حيث ناقش المجتمعون “الخطوات المقبلة بشأن انسحاب المرتزقة والمقاتلين الأجانب والتي من شأنها المساهمة في إحلال السلام والاستقرار في ليبيا”.

لكن مراقبين يقولون إن تفاؤل باتيلي بشأن حل مسألة المرتزقة مبالغ فيه، فهناك تعقيدات كبيرة تحيط بهذا الموضوع قد تدفع إلى إفشال مسار المبعوث الأممي كله، معتبرين أن كل الأطراف مستفيدة من وجود المرتزقة سواء في شكل مقاتلين أجانب من دول أفريقية أو من وجود الشركة الأمنية الروسية الخاصة فاغنر، أو من الوجود التركي نفسه، ما يجعل حل ملف الوجود الأجنبي برمته حساسا ويحتاج إلى المزيد من الوقت.