الصدر مرتبك أمام الدعوات إلى مبايعته على أنه المهدي المنتظر

مبالغات الأنصار تمهد لتوتير علاقات الصدر مع الإطار التنسيقي

بغداد

 أعلن الزعيم الديني الشيعي البارز مقتدى الصدر الجمعة تجميد أنشطة التيار الصدري لمدة عام، وذلك بالتزامن مع دعوات إلى مبايعته على أنه المهدي المنتظر صادرة عمن أسماهم بـ “أصحاب القضية”، وهم من أنصاره المتحمسين.

يأتي هذا في وقت يقول فيه مراقبون إن قرار الصدر تجميد أنشطة التيار قد يكون ردّ فعل على تلك الدعوات إلى مبايعته في منصب الإمام الغائب، ومحاولة للنأي بنفسه عنها من خلال الانسحاب من المشهد، خاصة أنها ستجعله في صدام ديني وليس سياسيا فقط مع مختلف مجاميع الشيعة متعددة الولاءات والتوجهات والمرجعيات داخل العراق وخارجه، وخاصة من إيران.

ويرى مراقبون أن المبالغات في تعظيم منزلة الصدر تربكه أكثر مما تخدمه، وهي تخدم خصومه في الإطار التنسيقي، وتمنحهم مبررا لزيادة تهميشه ودفعه إلى تقديم المزيد من التنازلات والانسحاب من المشهد، وهو ما يمكن فهمه من خلال قراره تجميد التيار لمدة عام، أي اختيار مسار تجنب المواجهة.

ويعتقد هؤلاء المراقبون أن الصدر يريد أن يكون نسخة عراقية من أمين عام حزب الله اللبناني حسن نصرالله وليس أن يحوله أنصاره إلى المهدي المنتظر ويفتحوا عليه جبهة دينية لا قبل له بها، مشيرين إلى أنه يريد أن يكون شخصية سياسية تحظى بالنفوذ والتأثير وليس المنافسة على القيادة الدينية.

وخلال السنوات التي تلت الغزو الأميركي للعراق في عام 2003، حرص الصدر على تقديم نفسه كشخصية جامعة داخل الطائفة الشيعية ولم يربط نفسه بالتيار الصدري.

وسعى الصدر للنأي بنفسه عن الخلافات، وعمل على الاقتراب من إيران وعدم إغضابها، وذلك بهدف الظهور كشخص مختلف وغير ملتزم حزبيا، ما يتيح له نقد الحكومات والبرلمان ومهاجمة المفسدين والفساد حتى من داخل التيار الصدري نفسه، ما يمنحه قبولا لدى إيران كبديل مختلف عمن تعتمد عليهم حاليا.

ويمكن أن تمثل الدعوات إلى مبايعته على أنه المهدي المنتظر ورطة وتزيد مخاوف إيران وحلفائها في العراق تجاهه خاصة إذا وقع الشك في أن هذه الدعوات موجهة من داخل التيار، وأن الصدر لم يخمدها مبكرا.

وقد تمر هذه المبالغات داخل التيار الصدري وقد يتحمس لها أنصاره، لكن من الصعب أن تقبل بها المكونات الشيعية الأخرى المرتبطة بإيران، فمبايعة الصدر على أنه المهدي المنتظر تمس قلب المعتقد الشيعي وتسحب المرجعية والشرعية الدينية والتاريخية من الخصوم، وهو ما قد يقود إلى معركة دينية أشد ضراوة من تلك التي قادها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي ضد جماعة “جند السماء” في 2007.

واعتاد الصدر، الذي ينادي دوما بمحاربة الفساد السياسي، مفاجأة أنصاره وخصومه بقرارات عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ ففي العام الماضي أعلن انسحابه من الحياة السياسية، ودفع نواب التيار إلى الانسحاب من البرلمان وترك مقاعدهم لخصومهم من الإطار التنسيقي.

وقال الصدر في تغريدة على موقع تويتر “أن أكون مصلحًا للعراق ولا أستطع أن أصلح التيار الصدري فهذه خطيئة. وأن أستمر في قيادة التيار الصدري وفيه أهل القضية وبعض الفاسدين وبعض الموبقات، فهذا أمر جلل”.

وتداول عراقيون ومنصات إعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو منسوبًا إلى أحد مؤيدي جماعة غامضة تطلق على نفسها “أنصار القضية” دعا خلاله إلى “حملة إعلان البيعة للإمام الموعود المنتظر السيد مقتدى الصدر”، في إشارة إلى الإمام الغائب المهدي الذي يأمل الشيعة عودته.

و”أهل القضية” هم مجموعة تعرف بمناصرتها للصدر وتبجيلها له، حتى أنها تطالب بتعيينه “المهدي المنتظر” عند الشيعة.

وليس من الواضح ما إذا كان الصدر، الذي جمد نشاط التيار الصدري لمدة عام، قد لجأ إلى هذه الخطوة لتبرئة نفسه منها ومنع الاشتباك مع إيران وحلفائها.

ويحظى الصدر بقاعدة شعبية واسعة بفضل تراث عائلته، ولديه مئات الآلاف من الأنصار الذين يطيعون أوامره، نصرة لوالده الذي قتل في عهد صدام حسين 1999 ومازالت ذكراه تحظى بإحياء واسع من قبل غالبية الشيعة.

لكن شعبية الصدر بدأت تتراجع بسبب قرار الانسحاب من البرلمان وفك التحالف البرلماني الذي تم تشكيله بعد الانتخابات التشريعية وكان سيقطع الطريق أمام حلفاء إيران. غير أن هذا الانسحاب أعادهم إلى البرلمان ككتلة أكبر ومنحهم السيطرة على الحكومة وضرب بنتائج الانتخابات وأصوات العراقيين عرض الحائط.

وأعلن الصدر عام 2022، خلال أزمة سياسية تتعلق بتسمية رئيس وزراء للبلاد، عن “انسحابه النهائي” من العمل السياسي، الأمر الذي أدى إلى وقوع اشتباكات مسلحة دامية في بغداد بين أنصاره من جهة وفصائل شيعية من جهة أخرى.

وسبق أن أعلن الصدر استقالة نواب التيار الصدري (73 نائبا) وكانوا يمثلون أكبر كتلة سياسية في مجلس النواب.

وقرر الصدر في تغريدة التجميد أن “من المصلحة تجميد التيار أجمع ما عدا صلاة الجمعة وهيئة التراث وبراني السيد الشهيد، لمدة لا تقل عن سنة”.

وتمارس هيئة التراث أنشطة ثقافية ودينية، ويطلق الشيعة تسمية “براني” على بهو واسع قرب مبنى مرقد أئمة ورجال الدين البارزين. كما قرر “غلق مرقد الوالد إلى ما بعد عيد الفطر”.

وقررت محكمة تحقيق الكرخ ببغداد توقيف 65 متهما من أفراد “أصحاب القضية” التي “تروج لأفكار تسبب إثارة الفتن والإخلال بالأمن المجتمعي”، حسب ما نقله إعلام القضاء الأعلى.

واتخذت المحكمة قرارها بالتنسيق مع جهاز الأمن الوطني كونه الجهة المختصة في التحقيق.