قوات الدعم السريع تتناغم مع المزاجين السوداني والدولي

قبول داخلي وخارجي

الخرطوم

 يبدو أن الأزمة بين قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) سوف تتوقف على مدى قدرة كل طرف على تسجيل أكبر عدد من النقاط في مرمى الآخر، وتناغمه مع المزاجين السوداني والدولي، والمتوقع أن يرجّح كفة أحدهما في المعركة الراهنة.

ونجحت مواقف حميدتي خلال الأيام الماضية في الاقتراب كثيرا من المزاج العام في السودان من خلال تغليب انحيازه للقوى المدنية ورفض عودة الإسلاميين وفلول الرئيس السابق عمر البشير إلى السلطة، ومعارضة الانقلابات العسكرية وتعزيز آليات تسليم السلطة للقوى المدنية ودعم استقلال القرار السوداني.

وكانت هذه المحددات ذاتها هي التي فتحت قنوات تواصل إيجابية بين قائد الدعم السريع ودوائر غربية تريد عودة العملية السياسية إلى مسارها وفقا للقواعد المتفق عليها، والتي ظهر انحياز حميدتي جليا لها، بما أحرج غريمه البرهان وجعله يتبنى مواقف متذبذبة تثير غضبا متفاوتا في الداخل والخارج.

وتمكنت قوات الدعم السريع من تغيير صورتها في العقل السوداني من “ميليشيا” مسلحة تنشط في إقليم دارفور إلى قوات عسكرية منضبطة تعمل وفقا لقوانين الدولة وتحمي حدودها المتشابكة، وتدعم التحول الديمقراطي فيها، ما طمأن حميدتي وجعله يملك شرعية قوية في الشارع على حساب البرهان.

وعقد قائد الدعم السريع اجتماعاً مشتركاً عبر الهاتف مع المبعوث الأميركي لشؤون شرق أفريقيا والسودان وجنوب السودان بيتر لورد، والمبعوث الخاص للمملكة المتحدة إلى السودان وجنوب السودان روبرت فيرويذر، والمبعوث النرويجي الخاص للسودان وجنوب السودان جون أنطون، مساء الخميس.

وبحث الاجتماع المشترك التطورات السياسية والجهود المبذولة لاستكمال العملية السياسية وتشكيل حكومة مدنية، وصولاً إلى تحول ديمقراطي بإجراء الانتخابات.

وقدم حميدتي للمبعوثين شرحا حول الأوضاع في البلاد، ومساعي الأطراف للوصول بالعملية السياسية إلى نهاياتها، مؤكداً التزامه التام بما تم التوقيع عليه في الاتفاق الإطاري من قبل، وضرورة خروج المؤسسة العسكرية من العمل السياسي، وحرصه على تعزيز الاستقرار، والعمل على دعم مسيرة التحول الديمقراطي بالبلاد.

وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم صلاح الدين الدومة إن السر وراء اقتراب قائد الدعم السريع من المزاج الشعبي والمدني في السودان يرجع إلى ما يتمتع به من ذكاء سياسي يطغى على كونه لديه خلفية عسكرية ويجعل فئات عديدة من المواطنين تقتنع بأنه يملك رؤية تساهم في نجاح التحول الديمقراطي، إلى جانب وجود العديد من المستشارين السياسيين حوله وإنصاته لهم، ما مكنه من تحقيق مكاسب.

وأضاف الدومة في تصريح لـ”العرب” أن الآلية الثلاثية، المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد)، واللجنة الرباعية المشكلة من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والسعودية والإمارات، ستمارس ضغوطاً على البرهان الفترة المقبلة لدفعه إلى تمرير الاتفاق الإطاري والتوقيع على الاتفاق السياسي النهائي والوثيقة الدستورية.

وذكر أن هذه الأطراف ترتبط بمصالح دول لن تتحقق في السودان والمنطقة بوجه عام إلا من خلال تحقيق الحرية والسلام والاستقرار في السودان، وهي أهداف تتوافق مع مساعي المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير وقائد الدعم السريع.

ويقول مراقبون إن الأزمة بين الجيش والدعم السريع يمكن تسويتها على قاعدة المصالح الوطنية، غير أن الخوف من حدوث تدخلات خارجية من خلال بوادر لدعم البرهان عسكريا، وهو ما يفاقم حدة الأزمة ويجهض تحركات تسويتها، ويمنح فرصة لفلول البشير لاستثمار أي خلط يحدث في الأوراق.

وتعد الخلافات القائمة مفتعلة ولا يوجد مبرر لها من جانب فلول البشير والإسلاميين الداعمين للبرهان، وذلك أحد أشكال التسويف والهروب من الاستحقاقات المفروضة عبر اتفاقيات جرت تحت إشراف الآلية الثلاثية واللجنة الرباعية.

ويشير هؤلاء المراقبون إلى أن حميدتي أوصل هذه الرسالة بوضوح إلى من هاتفهم أو التقاهم من مسؤولين في دول غربية مؤخرا، وحثهم على التدخل في هذا الإطار إذا كانوا حريصين على أمن السودان واستقراره وعدم السماح للأزمة بالمزيد من الانفلات.

وأعرب مبعوثون وممثلون خاصون من فرنسا وألمانيا والنرويج وبريطانيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عن قلقهم العميق إزاء تقارير تحدثت عن اتساع نطاق التوترات في السودان وخطر التصعيد بين الجيش وقوات الدعم السريع.

وأكدوا أن الإجراءات التصعيدية تهدد بعرقلة المفاوضات نحو تشكيل حكومة انتقالية بقيادة مدنية، وطالبوا بضرورة أن يقوم البرهان وحميدتي باتخاذ خطوات فعالة للحد من التوترات، والانخراط بشكل بناء لحل القضايا العالقة بشأن إصلاح قطاع الأمن لإنشاء مستقبل عسكري موحد ومهني وخاضع للمساءلة أمام حكومة مدنية.

وترى دوائر غربية عدة أن إنشاء حكومة انتقالية بقيادة مدنية عملية ضرورية لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية والإنسانية الملحة في السودان.

وكشفت قوى إعلان الحرية والتغيير السودانية الجمعة أن الخروج من الأزمة الحالية يكمن في استكمال العملية السياسية، متهمة فلول نظام الرئيس السابق عمر البشير بتأجيج الخلاف بين الجيش وقوات الدعم السريع، ما يقوّض الانتقال إلى حكومة مدنية.

وعقد المجلس المركزي بقوى الحرية والتغيير سلسلة اجتماعات مع المكون العسكري حول العملية السياسية، آخرها كان في الثامن من أبريل الجاري، حضره البرهان وحميدتي، وتوصل إلى نتائج لم تنفّذ على الأرض.

واجتمع رؤساء ثلاث حركات سودانية الجمعة مع قائد قوات الدعم السريع وبحثوا سبل حل الأزمة الحالية في البلاد، ومواصلة الجهود الرامية لنزع فتيل الأزمة الأمنية.

وتعهد حميدتي لهم بالالتزام التام بعدم التصعيد، واستعداده للجلوس مع البرهان، وقيادة القوات المسلحة في أيّ وقت ومن غير قيد أو شرط للتوصل إلى حل جذري للأزمة.

وشدد الدبلوماسي السابق بوزارة الخارجية السودانية السفير علي يوسف على أن ما يحدث من تصعيد هو ضد مصالح السودان ومواطنيه، والحكمة تتطلب مراجعة التطورات والأحداث والمواقف التي قادت لما يحدث الآن، وأن الواقع يشير إلى أن بذور الخلافات أخذت تتنامى منذ التوقيع على الاتفاق الإطاري، وهو ما أدّى إلى تباين بين الجيش والدعم السريع، والأخيرة انحازت بقوة لمجموعة المجلس المركزي للحرية والتغيير الذي قامت بالتوقيع أيضا على الاتفاق.

ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن قوات الدعم السريع تواجدت كقوة منفصلة بالقطاع الأمني أو العسكري للقوات النظامية ولم تخضع مباشرة للنظم العسكرية المتبعة في الجيش، وتم تجاوز الإشكاليات من خلال التفاهم بين البرهان وحميدتي كجزء من المكون العسكري في المعادلة الحالية.

ويحتاج احتواء الموقف إلى الركون على معالجة جذرية لقضية دمج الدعم السريع في القوات المسلحة وأن تكون مقبولة لدى الطرفين بحيث لا يتم الانقضاض على أيّ تفاهمات يتم الوصول إليها مستقبلاً، على أن يكون ذلك بوساطة دولية.