عمالة الأطفال في العراق: مأساة تحت ظلال "الديمقراطية" المزعومة!

"أرشيفية"
بحسب آخر إحصاءات اليونيسيف، فإن ثلث أطفال العراق يمرون بظروف اقتصاديةٍ صعبة تضعهم أمام خيار العمل لإعالة عائلاتهم، تقول هذه الإحصاءات، إن أطفال العراق يواجهون أعلى زيادة في معدلات الفقر، حيث يوجد طفلان فقيران بين كل 5 أطفال.
وبسبب عوامل الفقر والحروب و ترك التعليم، اتجه الكثير من اطفال العراق الى ساحات العمل، لأجل كسب قوت عوائلهم، خاصةً و ان الكثير من هؤلاء الاطفال هم المعيل الأول أو الوحيد لأهليهم، كونهم أيتام بسبب ظروف الحرب أو الاقتتال، او لأنهم نتاج تفسخ العوائل بسبب كثرة حالات الطلاق التي يشهد العراق فيه ارقاماً مخيفة.
قوانين لإنقاذ الطفولة في البرلمان، تحتاج لإنقاذ!
في العام الماضي قام مجلس النواب العراقي، بقراءة قانون "حماية الطفل" والذي لم يُقّر لغاية كتابة هذه السطور.
هذا القانون اعطى للطفل حقه في التعليم والتركيز على مستقبله العلمي فقط، ليواكب حياة الطفولة في العالم المتحضر، وليس أن ينهمك في عملٍ قاس يقتل طفولته من أجل توفير لقمة الخبز.
وينص القانون ايضاً، على رعاية الأيتام منهم بتوفير دور الرعاية لهم، ونقاط اخرى كثيرة تخص الطفولة "وبعضها أثير الجدل حولها" .
نصّ القانون ايضاً على تخصيص أموال لتوفير وجبة غذائية لطلاب المرحلة الابتدائية، كما كان موجوداً في العراق إبان فترة الستينات والسبعينات من القرن الماضي (ولا نعلم لماذا تحتاج تغذية أطفال المدارس الابتدائية لقانون برلماني ؟!)
و يقول الخبير القانوني حسين العطار في حديث لمنصة جسور عن هذا القانون، "إن القانون بحد ذاته هو منقوص الجانب عندما اعطى الحق للطفل بالتعلم، غير أنه بذات الوقت لم يُلزم أهل الطفل او الدولة العراقية بالزامية التعليم للطفل، وهنا الفرق بين الزامية التعليم والحق في التعليم، و بالتالي عندما لم يُلزم الجميع بتعليم الطفل، فمن المؤكد أن بديل التعليم هو العمل".
أعمال شاقة أو مُهينة لكرامة الطفل
قد لا نستغرب إن رأينا ان طفلا لا يتجاوز العاشرة أو الحادية عشرة، يعمل في مهنةً شاقة كميكانيكي السيارات او غير ذلك من الأعمال، في وقتٍ كان من المفترض أن يكون هذا الطفل في مقاعد الدراسة مع أقرانه من الأطفال، كما الحال مع الطفل ( ع.ا ) البالغ من العمر 15 عاماً، والذي تحدث للمنصة، بأنه تسرب من المدرسة وعمل في محل لتصليح الاطارات، بأجرٍ يومي، وبسبب تركه مقاعد الدراسة، هو لا يعرف ابداً، القراءة والكتابة!
كان على ( ع .ا ) ان يكون في مقاعد دراسته مرتدياً لباس المدرسة، بدلاً عن بدلة العمل الملطخة بسواد الاطارات و سواد مستقبله المُبهم، غير أن للفساد الكلمة الأخيرة في هذا الافتراض، ما جعل أمثال هذا المراهق يعمل في مهنةٍ شاقة كهذه.
أنهك هذا الفساد، البنية الاقتصادية والاجتماعية للبلد، هذا الفساد، أجبر مثلاً شبان لا يتجاوزون الثامنة عشرة او حتى أقل من ذلك، على الالتحاق بالتدريب العسكري عام 2014 على أمل الحصول على وظيفة عسكرية، بيدْ ان سكين داعش كانت لهم بالمرصاد في مذبحة سميت بمجزرة سبايكر، هؤلاء الشبان الضحايا، او الاطفال بالاحرى، لو كانت متوفرة لهم سُبل للعيش الكريم، ما كان جازف اهليهم بارسالهم من محافظاتٍ بعيدة من أجل الحصول على وظيفة عسكرية.
مخاطر كبرى بسبب عمالة الأطفال والاتجار بهم
مع مخاطر عمالة الأطفال، واستغلال طفولتهم، هناك مخاطر أخرى جمة تواكب مخاطر العمل، بل هي الأخطر على الإطلاق، وهي مخاطر المخدرات، التي أصبحت منتشرة بشكلٍ كبير في أوساط المراهقين والشبان، خاصةً الفقراء منهم بسبب ضغوطات الحياة اليومية وازدياد معدلات البطالة والفقر، هذه الافة الخطيرة فتحت الباب واسعاً لزيادة معدلات الانتحار بين صفوف المراهقين، أو جرائم القتل والتي وصلت لقتل الام او الاب او الاخت، بعد فقدان الادراك العقلي بسبب هذه المخدرات، التي انتشرت بشكلٍ كبير بعد عام 2003.
الجريمةُ الكبرى التي تتعرض لها الطفولة في العراق، هي ظاهرة الاتجار بهم، حيث المشهد المؤلم في إشارات المرور والشوارع العامة، عندما نرى اطفالاً لا يتجاوزون الخامسة أو السادسة وحتى العاشرة من العمر، وهم يمارسون مهنة التسول و البعض منهم يتم التسول بهم، كأن يكونوا اطفالاً رُضّع.
هذه الظاهرة الخطيرة تقف خلفها مافيات وعصابات تمارس حتى القتل في حالات تعارض المصالح في ما بينها، فهنالك مناطق نفوذ لهذه العصابات تمارس أعمالها بواسطة هؤلاء الأطفال، ولا يخلو الامر كذلك من ظاهرة بيع الأطفال والاتجار بهم في هذا الجانب المظلم جداً في قضية استغلال الطفولة في العمل.
غياب الحل
تتشدق الطبقة السياسية العراقية، بأن العراق يعيش في ظل أرقى الديمقراطيات في العالم، رغم الخطأ في التطبيق لهذه الديمقراطية، وهذا ما تعترف به هذه الطبقة السياسية وان وجدت الذرائع لتبرير أخطاء التطبيق.
غير أن من "المعيب" على دولةً ما، أن تتشدق بديمقراطيتها، و بذات الوقت هي لا تستطيع تطبيق أبسط مقوماتها، ومنها حماية الطفولة من الاستغلال.
فعندما نقارن بين العراق ودولًا ديمقراطيةٍ (حقيقية)، نجد أن هذه الدول التي من المفترض أن العراق شبيهٍ بها، من حيث تركيبة النظام على الأقل، نرى أن هذه الدول تُجرم عمالة الأطفال في سنٍ صغيرة، إلا بعد عبوره مرحلة الدراسة الاعدادية، ويسمح لهم فقط بالعمل أثناء العطلة الصيفية لتقوية مهاراتهم لا اكثر.
وبرغم إن قوانين وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في العراق، تنص على معاقبة المتسبب في تشغيل الأطفال بعقوبة تتراوح بين "الغرامة المالية وإيقاف التصريح لرب العمل"، أو حتى إيقاف النشاط، و كذلك في قانون الاتجار بالبشر، "يعاقَب بالسجن أو الغرامة المالية، كُلاً من يستغل شخص لا يعي حقه، كالأطفال مثلاً، غير أن الحقيقة تقول، أن هذه القوانين هي فقط حبرٌ على ورق في بلدٍ زادت فيه ظواهر "التنظير والتخطيط على الورق، دون وجود عمل حقيقي على أرض الواقع"!