لوقف موجات الغرق..
الاتحاد الأوروبي يبحث عن اتفاق مع تونس لمكافحة الهجرة

"أرشيفية"
يدرس قادة دول الاتحاد الأوروبي في بروكسل، الخميس، إنجاز اتفاق مع تونس يهدف بشكل رئيسي إلى مكافحة الهجرة وضبط شبكات المهرّبين، بعد أسبوعين على إحدى أسوأ كوارث غرق قوارب المهاجرين في البحر المتوسط.
وكانت المفوضية الأوروبية تأمل في أن تنجز قبل موعد القمة القارية، بروتوكول تعاون مع تونس من أجل "شراكة شاملة" تتضمن شقا متعلقا بالهجرة.
وتأمل بروكسل في توسيع هذا النمط من التعاون في مرحلة لاحقة ليشمل دولا أخرى من حوض المتوسط، بحسب ما ذكرت وكالة فرانس برس.
لكن المباحثات الحساسة مع تونس طالت أكثر من المتوقع، ومن المقرر أن تستكمل الاثنين بعد عطلة الأضحى.
والشراكة التي تشمل تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والتعاون في مجال الطاقة النظيفة، تلحظ مساعدة مالية تتجاوز قيمتها مليار يورو.
وجاء الإعلان عن العرض في 11 يونيو خلال زيارة إلى تونس قامت بها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون در لايين ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني ونظيرها الهولندي مارك روته.
إلا أن هذا الدعم المالي يثير حفيظة بعض أعضاء التكتل القاري على خلفية النزعة التسلطية للرئيس التونسي قيس سعيّد الذي بات يحتكر السلطات منذ 2021، ووضع حقوق الإنسان في بلاد تعاني أزمة اقتصادية واجتماعية حادة.
وترتبط المساعدة الأوروبية في جزء منها بالمفاوضات المستمرة بين صندوق النقد الدولي وتونس لمنح الأخيرة قرضا مشروطا بقيمة ملياري دولار.
لكن منذ زيارة المسؤولين الثلاثة، يكرر الرئيس سعيّد بأن تونس لن تكون "حرس حدود" لأوروبا ولن تنصاع إلى "إملاءات" صندوق النقد الدولي.
ويرفض الرئيس التونسي إصلاحات يطالب بها صندوق النقد تشمل على وجه الخصوص إعادة هيكلة أكثر من 100 مؤسسة عامة مثقلة بالديون، ورفع الدعم الحكومي عن بعض المنتجات الأساسية.
قوارب ورادارات وكاميرات
ويشمل الاقتراح الأوروبي مساعدة مالية طويلة الأمد بقيمة 900 مليون يورو ومساعدة بقيمة 150 مليون يتم صرفها "فورا" في الميزانية، وحزمة بقيمة 105 ملايين لإدارة الهجرة في 2023.
ويعتزم الاتحاد الأوروبي منح تونس بحلول أواخر الصيف، قوارب ورادارات نقّالة وكاميرات وعربات لمساعدتها في تعزيز ضبط حدودها البرية والبحرية، كما يلحظ اقتراحه تعزيز التعاون في مجالَي الشرطة والقضاء لمكافحة شبكات المهرّبين.
ويهدف إلى تسهيل إعادة التونسيين المقيمين بشكل غير قانوني في أوروبا إلى بلادهم.
ويتولى الاتحاد الأوروبي تمويل العودة "الطوعية" للمهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء عبر تونس إلى بلادهم، ووفق المفوضية الأوروبية، موّل التكتل 407 عملية كهذه إلى الآن هذا العام.
وغالبا ما تسجّل تونس محاولات هجرة لأشخاص يتحدرون بغالبيتهم من دول إفريقيا جنوب الصحراء في اتجاه أوروبا.
ويستخدم معظم هؤلاء الممر البحري من الشواطئ التونسية نحو القارة، مستغلين قرب المسافة التي لا تتجاوز في بعض النقاط 150 كلم بين تونس وجزيرة لامبيدوسا الإيطالية.
زيادة أعداد المهاجرين
وسجّل الجانب الإيطالي زيادة ملحوظة في أعداد المهاجرين غير القانونيين الواصلين إلى شواطئه، إذ تجاوز عددهم 60 ألف شخص منذ مطلع هذا العام، بزيادة قدرها 133 بالمئة مقارنة بالفترة نفسها في 2022، وفق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
ويعدّ وسط البحر المتوسط، أي المياه الفاصلة بين إيطاليا وشمال إفريقيا، ممر الهجرة الأخطر في العالم، حيث لقي أكثر من 20 ألف شخص حتفهم أثناء محاولتهم عبوره منذ عام 2014، وفق المنظمة الدولية للهجرة.
وخلال الشهر الحالي، سجّلت كارثتان لدى محاولة قوارب مهاجرين عبور المتوسط.
ففي 14 يونيو، انتشل خفر السواحل عشرات الجثث غداة غرق مركب يقل مهاجرين قبالة شبه جزيرة بيلوبونيز اليونانية، وأحصت السلطات 82 جثة على الأقل، بينما لا يزال المئات في عداد المفقودين.
وبعد أسبوع، أعلنت مفوضية اللاجئين أن نحو 40 شخصا باتوا في عداد المفقودين بعد غرق قارب مهاجرين قبالة جزيرة لامبيدوسا، كان قد أبحر من صفاقس التونسية.
وأعاد الحادثان تسليط الضوء على انتقادات المنظمات غير الحكومية لسياسة الهجرة الأوروبية على خلفية تزايد القيود المفروضة على المهاجرين وانعدام أي "مسارات قانونية للهجرة".
واعتبرت مديرة المكتب الأوروبي لمنظمة "أوكسفام" إيفلين فان رامبورغ أن الشراكة مع تونس هي فكرة غير ناجعة، منتقدة "محاولات أوروبا تصدير مسؤولياتها في مجال إدارة الهجرات".
وأضافت "التجربة أظهرت أن اتفاقات كهذه لا تجدي نفعا".
وأبرم الاتحاد الأوروبي في 2016 اتفاقا مثيرا للجدل مع تركيا بشأن الهجرة، في أعقاب أزمة النزوح الواسعة النطاق التي شهدتها القارة في العام السابق.
ويتعاون الاتحاد الأوروبي مع خفر السواحل الليبيين، ما يلاقي انتقادات متكررة من المنظمات غير الحكومية والأمم المتحدة على خلفية سوء معاملة المهاجرين الذين يتم اعتراضهم في البحر وإعادتهم بالقوة إلى ليبيا.
الهجرة غير الشرعية
وتعد قضية الهجرة غير الشرعية واحدة من أبرز القضايا التي تؤرق المجتمع الدولي بشكل عام والأوروبيين بشكل خاص، وتعد اليونان وإيطاليا وإسبانيا من نقاط الدخول الرئيسية إلى دول الاتحاد الأوروبي للمهاجرين الذين ينطلقون من دول شمال إفريقيا، وخاصة من المغرب والجزائر وتونس وليبيا والقادمين من جنوب الصحراء، حيث ارتفع عدد المغادرين بشكل كبير مقارنة بالسنوات الماضية.
وتتوقع دول البحر المتوسط الواقعة على الطرق الرئيسية للهجرة إلى أوروبا، زيادة عدد المهاجرين إليها بالتزامن مع أزمات الاقتصاد والطاقة والأمن الغذائي الناجمة عن حرب أوكرانيا بموجة هجرة جديدة، خاصة من إفريقيا والشرق الأوسط، بخلاف تداعيات التغيرات المناخية.
وارتفعت حالات دخول المهاجرين بشكل غير شرعي إلى الاتحاد الأوروبي في 2022 بنسبة 64 بالمئة على ما كانت عليه قبل عام، وبلغت أعلى مستوى منذ 2016، حسب أحدث بيانات نشرتها وكالة الحدود الأوروبية (فرونتكس).
وقالت الوكالة في بيان، إنه تم تسجيل 330 ألف دخول غير شرعي في 2022 مقابل 123318 في عام 2021، جاء 45 منها من طريق البلقان، وتضاعف عدد المواطنين السوريين الذين تشملهم هذه الحالات ليبلغ 94 ألف شخص.
وأوضحت فرونتكس أن "هذه هي السنة الثانية على التوالي التي تشهد زيادة حادة في حالات الدخول غير الشرعي"، مضيفة أن السوريين والأفغان والتونسيين شكلوا معا 47 بالمئة من هذه الحالات في 2022.