«قمة الجوار» تُطلق خطة لإيجاد حل للنزاع بين الفرقاء السودانيين

قمة هادئة

القاهرة

تجاوزت قمة القاهرة الكثير من العقبات الإقليمية والدولية التي واجهتها من خلال مشاركة رؤساء دول وحكومات الدول السبع المجاورة للسودان، لكنْ لم تتمخض عنها مخرجات نوعية قادرة على فك ألغاز الأزمة، وهو ما يعطي الانطباع بأن الهدف من القمة تقريب وجهات النظر الإقليمية وليس إيجاد حل للنزاع بين الفرقاء السودانيين.

وقد فهمت القاهرة أن قمة دول جوار السودان مليئة بمطبات كشفها اجتماع الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد) في أديس أبابا الاثنين الماضي، حيث قاطعت الحكومة السودانية الاجتماع اعتراضا على رئاسة كينيا له، وحاولت مصر توفير أرضية للتفاهم الإقليمي يمكن البناء عليها لاحقا دون تصادم مع تحركات تقوم بها جهات إقليمية تنتهج مسارات أخرى.

وتعد القمة التي عقدت الخميس في القاهرة أول مقاربة عملية لانخراط مصر مباشرة في الأزمة السودانية الأخيرة وتخليها عن حذرها، ودُفعت إلى ذلك بموجب التحديات الجسيمة التي يمكن أن ترتدّ على أمنها القومي وعجز عدة مبادرات عن ضمان وقف دائم لإطلاق النار وحث المتصارعيْن على حل الخلافات بينهما.

وقال دبلوماسيون إن أولويات مصر التي حافظت على علاقات وثيقة مع الجيش السوداني تشمل إعادة تأكيد وجودها في ملف تشعر بأن الجهود الإقليمية الأخرى استبعدتها منه، وأيضا منع وصول الدعم عبر الحدود إلى قوات الدعم السريع.

وقال مصدران أمنيان مصريان إن خطة مصر تستهدف تحقيق وقف لإطلاق النار لمدة ثلاثة أشهر وفتح مسارات لنقل المساعدات من خلال عقد اجتماعات مع الجيش وزعماء القبائل، مستندة إلى العلاقات طويلة الأمد.

وتَشكّك مراقبون في مدى تأثير القمة على فرص رعاية حل في السودان في ظل محدودية تأثير الدول المشاركة على طرفي الأزمة، مشيرين إلى أن القمة بدت أقرب إلى تسجيل الحضور منها إلى البحث عن دور لدول الجوار في إيجاد حل للنزاع بين الفرقاء السودانيين، وهو ما يفسر فضفاضيّة البيان الختامي.

واكتفى من شاركوا في القمة بالإعراب عن القلق الشديد إزاء استمرار العمليات العسكرية وتدهور الوضع الأمني والإنساني تدهورا حادا، وناشدوا الأطراف المتحاربة وقف التصعيد والالتزام بالوقف الفوري والمستدام لإطلاق النار بهدف إنهاء الحرب.

وصدر بيان توافقي في ختام قمة دول جوار السودان التي دعا لها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وشارك فيها رؤساء دول وحكومات جمهورية أفريقيا الوسطي وتشاد وإريتريا وإثيوبيا وليبيا ودولة جنوب السودان، بحضور رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي وأمين عام جامعة الدول العربية.

وتجنب المشاركون الخوض في قضايا داخلية يمكن أن تثير بينهم الخلافات، وتطرقوا إلى العناوين التي تبرز الحرص على أمن السودان واستقراره ووحدته وعدم مناقشة التصورات السلبية التي يتبناها كل طرف، ما دلّ على السعي لتحييد الانحيازات التقليدية التي تقود إلى الانقسامات الإقليمية.

وأكد البيان الختامي على الاحترام الكامل لسيادة السودان ووحدته وسلامة أراضيه، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، والتعامل مع النزاع القائم باعتباره شأنا داخليّا، وأهمية الحفاظ على الدولة ومقدراتها ومؤسساتها ومنع تفككها أو تشرذمها.

وأعلن الرئيس المصري إطلاق حوار جامع للأطراف السودانية لبدء عملية سياسية شاملة، وضرورة وضع حلول عملية قابلة للتنفيذ لوقف الاقتتال، مع تكثيف الاتصالات والإجراءات التنفيذية المطلوبة ووضع ضمانات تحد من الآثار السلبية في السودان.

وبدت الإشارة إلى الحديث عن عملية سياسية الآن مسألة صعبة قبل التأكد من تثبيت وقف إطلاق النار ووضع القواعد الحاكمة له والضامنة لعدم النكوص عنه.

واتفقت دول جوار السودان على إنشاء آلية وزارية تعقد اجتماعها الأول في تشاد من أجل وضع خطة عمل تنفيذية لوقف الاقتتال وإيجاد حل شامل للأزمة السودانية، والتنسيق مع المنظمات الدولية لتمكين المساعدات من العبور بأمان.

وقال المحلل السياسي السوداني عادل إبراهيم حمد لـ”العرب” إن “قمة القاهرة خطوة مهمة يمكن البناء عليها، لأنها راعت ضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة، ومنع الدخول في مرحلة متقدمة من الانفلات تقضي على مستقبلها”.

وأضاف أن “القمة استفادت من أخطاء المبادرات السابقة التي أخفقت في تحقيق اختراق في الأزمة، ونجحت القاهرة في توفير صيغة لا تثير حساسيات داخلية أو خارجية، منعا لتفجيرها من خلال تبني مواقف ضمنية متباعدة ممن شاركوا فيها”.

ويشهد السودان منذ منتصف أبريل الماضي اقتتالا في الخرطوم ومدن أخرى بين الجيش بقيادة رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وخلّفت المعارك المتفرقة الآلاف من القتلى والجرحى، ومئات الآلاف من النازح واللاجئين إلى دول الجوار.

ولم تفلح وساطة سعودية – أميركية وجهود أفريقية متباينة في إقناع طرفي النزاع بوقف الاقتتال، وانهارت عدة هدنات جرى تبنيها خلال الفترة الماضية، ما تسبب في أزمة إنسانية بدأت تنعكس تداعياتها على بعض دول المنطقة.

وأوضحت أماني الطويل، الباحثة المصرية المتخصصة في شؤون السودان، أن القمة وضعت خارطة طريق عملية لخروج البلاد من أزمتها الراهنة بالتركيز على المسارات الهامة فيها، وأبرزها وقف إطلاق النار ووضع آليات تنفيذية لاستمرار التهدئة واستئناف العملية السياسية ومنع أي تدخل أجنبي في الأزمة السودانية.

وأشارت لـ”العرب” إلى أن “مخرجات القمة توافقت إلى حد بعيد مع الرؤية السعودية لحل الأزمة، ما يمهد لنجاحها في وضع حد للنزاع القائم في السودان. ودخول الجامعة العربية ومجلس السلم والأمن الأفريقي بقوة في المشهد الراهن وتقريب المسافات بين دول الجوار هما من أبرز العوامل التي تمهد الطريق أمام الأطراف المتنازعة للوصول إلى تفاهمات، شريطة تطبيق ما اتفقت عليه دول الجوار دون إخلال أي طرف به”.

ودعت كلمات رؤساء الدول والحكومات المشاركة بشكل صريح إلى ضرورة وقف الحرب فورا، بما تنطوي عليه من تخوفات دول الجوار ومخاطر الاستخفاف بمآلاتها.

وحذر رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، ضِمن كلمته في القمة، من تداعيات الأزمة الوخيمة على المنطقة، داعيا إلى وقف مستدام لإطلاق النار وحل النزاع في أسرع وقت ممكن.

وقال الرئيس الإريتري أسياس أفورقي “لا مبرر للحرب، ومبادرة دول الجوار لها آليات واضحة لتحقيق الاستقرار، وقمتنا تهدف إلى أن تكون لشعب السودان الكلمة الأخيرة ومنع التدخلات الخارجية”.