رؤية جديدة لتسوية ملف سد النهضة بين مصر وإثيوبيا

تدخل الأطراف المتنازعة بشأن سد النهضة قريبا في مفاوضات عاجلة للتوصل إلى اتفاق بين مصر وإثيوبيا والسودان بشأن ملء السد وقواعد تشغيله. وتحيي المفاوضات الآمال بالحسم في ملف النزاع.

كر وفر إثيوبيان بمواقيت سياسية

القاهرة

بدأت إثيوبيا، الجمعة، بشكل فعلي تدشين الملء الرابع لسد النهضة حتى منتصف سبتمبر المقبل عقب الإعلان عن بدء جولة جديدة من المباحثات مع مصر لصياغة اتفاق جديد بشأن السد في غضون أربعة أشهر.

وأوحى تدشين إثيوبيا للملء الرابع بأنها متمسكة بجداولها الزمنية بلا تغيير، ما أثار شكوكا في القاهرة حول جديتها في تقديم تنازلات حقيقية بعد أن مررت مخططها لملء وتشييد السد على مدار عشر سنوات، وسط شد وجذب بينها ومصر والسودان.

ورصدت صور الأقمار الاصطناعية، الخميس، ارتفاع مستوى بحيرة سد النهضة إلى منسوب يقترب كثيرا من المنسوب الذي وصلت إليه عند انتهاء التخزين العام الماضي، وهو 600 متر فوق سطح البحر، ما يعني أن التخزين الرابع بدأ صباح الجمعة.

ورحب الاتحاد الأوروبي، الجمعة، بقرار البدء في مفاوضات عاجلة للتوصل إلى اتفاق بين مصر وإثيوبيا والسودان بشأن ملء سد النهضة وقواعد تشغيله.

وأكد ممثل الشؤون الخارجية والسياسة الأمنية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل على “توتير” أن الاتحاد لا يزال مستعدا لدعم هذه الجهود التي تفيد الملايين من الأشخاص.

واتفق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد على الانتهاء خلال أربعة أشهر من صياغة اتفاق حول ملء وتشغيل السد. وأفاد بيان مشترك للبلدين بأن إثيوبيا أكدت التزامها بعدم إلحاق ضرر “ذي شأن بمصر والسودان خلال الملء الرابع بما يوفر الاحتياجات المائية لكلا البلدين”.

والتقى السيسي آبي أحمد، الأربعاء، قبل يوم واحد على انعقاد قمة دول جوار السودان في القاهرة، وكسر اللقاء وما تمخض عنه البرود الذي ساد العلاقات الفترة الماضية.

وينطلق التفاوض هذه المرة وفق قواعد جديدة، لأن أديس أبابا على قناعة بعدم وجود ما تخسره، وعملية الملء مستمرة بعد أن تحكمت في كميات مياه الفيضان المخزنة.

وترمي المباحثات المنتظرة إلى تحقيق قدر من التعاون والتنسيق يصبان في صالح أديس أبابا، لمنع حدوث أزمات هيكلية مع القاهرة التي أعادت صياغة رؤيتها في التعامل مع الأزمة باللجوء مباشرة إلى قوى إقليمية ودولية مؤثرة في مشروع السد.

وتدخل مصر المباحثات المتوقعة بشكل ثنائي، فلم يتضمن البيان المشترك إشارة إلى السودان الذي دخل صراعا داخليا عاصفا، وخرج من معادلة الأزمة مؤقتا.

وتبحث القاهرة عن تحقيق أكبر استفادة تخدمها، وسوف تكون في صالح الخرطوم بالتبعية، من دون استغراق في تفاصيل الموقف السوداني خاصة مع حاجة مصر إلى الوصول إلى اتفاق قانوني ونهائي سريع يضمن حقوقها أثناء تشغيل السد.

وكتب مبارك أردول، وهو قائد سابق لإحدى مجموعات التمرد في السودان، ومن المقربين من الجيش، عبر حسابه على موقع تويتر “على الرغم من غيابنا، ولكننا ندعم بالكامل هذا البيان الثنائي بشأن سد النهضة.. سينضم السودان قريبا بالتأكيد لجعل الاتفاق ثلاثيا، دون وسطاء خارجيين”.

ويشير التخلي عن التصعيد في تصريحات القاهرة وأديس أبابا إلى وجود تفاهمات غير معلنة بينهما يمكن البناء عليها لنجاح المباحثات المقبلة، وأن زيارة آبي أحمد للقاهرة والإشارات التي بعثتها تخطت حضور قمة دول جوار السودان، وتشي بأن قواعد التعامل مع القاهرة تغيرت ولا حاجة الآن إلى اتخاذ مواقف عدائية.

وما يدعم هذا التوجه أن القاهرة قدمت ما يثبت رغبتها في حق إثيوبيا بالتنمية دون أن يكون ذلك على حساب شعبها، وأدرك آبي أحمد أن الدبلوماسية الناعمة في مصلحة بلاده مع مساعي الاستفادة من تخزين المياه واستخدامها في توليد الطاقة الكهربائية.

وقال أستاذ الموارد المائية بكلية الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة عباس شراقي إن البيان المصري – الإثيوبي لم يدخل في التفاصيل التي تعرقل دائما المباحثات، متوقعا اتخاذ الطرفين مواقف أكثر مرونة، ما يجعل هناك أسسا جديدة للتفاوض تسهم في الوصول إلى حل وسط بناء على تنازلات متبادلة.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن القاهرة تعول على الوصول إلى اتفاق يضمن تدفق كميات أكبر من المياه خلال فترة الملء الرابع، لأن إجمالي ما قد يصل إلى مصر من المياه خلال اليوم الواحد لن يتجاوز 60 مليون متر مكعب، بينما من المفترض أن يصل إليها 600 مليون متر مكعب في اليوم مع إتاحة بوابتين فقط لتمرير المياه، وأن المباحثات المنتظرة قد تتضمن دفع إثيوبيا إلى تركيب توربينات إضافية.

ومن المتوقع أن تخسر العام الجاري 25 مليار متر مكعب من المياه، تمثل نحو 45 في المئة من حصتها السنوية (55.5 مليار متر مكعب) وتسعى لتخفيف الأضرار.

وأكد شراقي لـ”العرب” أن أهمية المفاوضات تنبع من هذا السبب، لكن إثيوبيا ليس بإمكانها التحكم بشكل كبير في كميات المياه الواردة إلى مصر أثناء فترة الفيضان، لأنه يتم حجزها بشكل مباشر في خزان السد، وتركيب التوربينات قد يستغرق عاما إذا كانت أديس أبابا جادة في عملية عدم الإضرار بدولتي المصب.

وتحاول القاهرة الابتعاد عن تقسيم مياه النيل الأزرق بما يقود إلى الاعتراف بالحصة الإثيوبية من المياه، وليس لديها مانع في دخول مباحثات وفقا لأسس جديدة لملء وتشغيل السد دون اللجوء إلى هذا الخيار بما يضمن الحفاظ على حصتها التاريخية من المياه، وهو ما يفرز تحديات أمام المباحثات التي قد يطول أمدها عن الأربعة أشهر التي أشار إليها البيان المشترك، مثلما الحال في مفاوضات سابقة.

وقلل عباس شراقي من إمكانية تقديم إثيوبيا تنازلات حقيقية، مشيرا إلى حالة الترحيب المبالغ فيها من دوائر مصرية، لأن أديس أبابا لم تقدم تنازلات ودعمت العودة إلى نقطة الصفر بحديثها عن استئناف المفاوضات، وتحديد جدول زمني ليس مؤشرا على حتمية الالتزام به عقب التفاوض السابق لأكثر من عشر سنوات.

وقد تشهد الأيام المقبلة لقاءات بين مسؤولين في البلدين للتباحث حول التفاصيل عبر اتصالات مشتركة بين وزراء الخارجية والري والمخابرات، وتحديد الجهات الراعية وبحث إمكانية الاستعانة بخبراء من الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي للعمل كمسهّلين للتفاوض بعد رفض إثيوبي تكرر لهذا المطلب، والتعرف على كيفية تعامل الاتحاد الأفريقي مع المباحثات في ظل تجميد عضوية السودان.

وتمسكت القاهرة والخرطوم بضرورة الوصول إلى اتفاق ملزم مع إثيوبيا بشأن ملء السد وتشغيله لضمان استمرار تدفق حصّتيهما المائية التاريخية، بينما أصرت أديس أبابا على رفض هذا الطرح، مؤكدة أن مشروعها لا يستهدف الإضرار بأيّ دولة.

واستمر الموقف متراوحا بين صعود وهبوط إلى أن تجمدت المفاوضات في العاميين الماضيين، وتحولت أزمة سد النهضة إلى أزمة موسمية بين الدول الثلاث ويتردد صداها كلما حدث تطور من جانب أيّ منهم أو شرعت إثيوبيا في ملء خزان السد.

وتجمدت غالبية المواقف الإقليمية والدولية، وبدأت كل دولة تعتمد على علاقاتها الثنائية بالقوى الحليفة لها أو القريبة منها لأجل دعم رؤيتها الفنية والسياسية.