"شاي مع خبز الأمباشا"..

مشروع لاجئ إثيوبي ترك وطنه بحثاً عن الأمان

"أرشيفية"

برلين

في كل صباح على مدار الشهرين الماضيين، يبدأ محمد علي يومه بإشعال نار صغيرة أمام مسكنه المتواضع، استعدادًا لروتين يومي يجلب إحساسًا مريحًا بالحياة الطبيعية لسكان لادان، وهي مستوطنة غير رسمية كبيرة في بلدة دولو الحدودية الصومالية.

بلفتة لطيفة، يسكب علي الماء والسكر في إناء، ثم يضيف الزنجبيل الطازج المقشر ويخلطه مع الشاي الأسود.. لقد تحول هذا العمل البسيط والمباشر، إلى أكثر من مجرد طقوس صباحية، فقد أصبحت شريان حياة لعائلة "علي"، التي اعتمدت على المساعدات الإنسانية لأكثر من عام.

يقول علي أثناء تقديم أكواب الشاي وخبز الأمباشا للعملاء: "يجذب متجر الشاي الخاص بنا العديد من الزوار، لا سيما أولئك الذين يشاركون في بناء الملاجئ، الذين يترددون على المتجر لتناول الشاي ووجبة الإفطار".

ينحدر علي من منطقة أورومو في إثيوبيا، وقد انقلبت حياته  بسبب الصراع في وطنه، وبحثًا عن بيئة أكثر أمانًا لتربية أطفاله، وجد نفسه في لادان، منفصلاً عن جذوره وسبل عيشه.

وعلى غرار العديد من المستوطنات غير الرسمية في الصومال، أصبحت لادان ملجأ لمئات الآلاف من العائلات التي فقدت كل شيء وسط الأزمات الإنسانية المستمرة.

تم تشكيل الموقع في البداية في نوفمبر 2021 بسبب الجفاف الشديد، وسرعان ما أصبح الموقع موطنًا للأفراد النازحين من أجزاء مختلفة من البلاد وإثيوبيا المجاورة.

ومع مرور الأشهر، أدى التدفق المستمر للوافدين، بمن في ذلك الفارون من الصراع، إلى الاكتظاظ وعدم كفاية البنية التحتية ومخاوف تتعلق بالسلامة داخل المستوطنة.

وبحلول مارس 2023، تجاوز عدد السكان 15 ألفاً، ويعيش السكان في ظروف محفوفة بالمخاطر وغير آمنة.

يقول علي: "لقد وصلنا إلى هنا قبل عام، في البداية، كنا نعيش في ملاجئ مؤقتة، غير قادرين على تحسين وضعنا.. ومع ذلك، عندما حصلنا على هذه المساحة الجديدة، رأينا فرصة لفتح متجر الشاي هذا".

المساحة التي يشير إليها محمد هي ملجؤه الجديد، والذي يعد جزءًا من خطة مستمرة لإعادة تشكيل المساكن وتخفيف الازدحام بقيادة المنظمة الدولية للهجرة (IOM).

تهدف هذه الخطة إلى تحسين الظروف المعيشية في مواقع النزوح مع منح السكان فرصة لإعادة بناء حياتهم بكرامة.

ويوضح رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة في الصومال، فرانتز سيليستين: “بينما توفر أماكن مثل لادان راحة مؤقتة للأفراد النازحين، إلا أنها تفشل في معالجة الأسباب الكامنة وراء النزوح.. السكان يكافحون من أجل الاندماج الكامل ويمكن أن يصبحوا محاصرين في دائرة الاعتماد على المساعدات”.

وأضاف: "نحن نسعى جاهدين لإيجاد حلول مستدامة، لا سيما أن العديد من النازحين لن يتمكنوا من العودة إلى مواطنهم الأصلية".

تم تطوير الخطة بالتشاور مع المجتمع والشركاء الإنسانيين الآخرين في دولو، وتضمنت الخطة تطهير 22 هكتارًا من الأراضي، وحفر 18 كيلومترًا من أنظمة الصرف الصحي، وتركيب 570 مترًا من القنوات المقواة، وبناء 460 مرحاضًا جديدًا، وترسيم 1500 قطعة أرض لتسهيل نقل العائلات.

يقول "سيليستين": "جذبت هذه التحسينات الشركاء والخدمات لبناء مدرسة جديدة وإنشاء مركز تغذية وعيادة طبية وإنشاء مساحة آمنة مخصصة للنساء".

ومن خلال التعلم من التجارب السابقة، بدأت المنظمة الدولية للهجرة أيضًا في بناء ملاجئ معززة لـ1500 أسرة كانت تقيم سابقًا في هياكل مؤقتة.

من جانبها، تشرح مهندسة المنظمة الدولية للهجرة التي أشرفت على المشروع، بشرى خوشنيفيس: "صممت الفرق الفنية في المنظمة الدولية للهجرة نموذجًا جديدًا للمأوى يتضمن تحسينات أساسية مثل أساس أقوى، وصف رئيسي مرتفع، وزيادة الارتفاع، وتحسين الأسقف".

وأضافت: "تعمل هذه الميزات على إطالة عمر المأوى مع تمكين العائلات من ترقيتها بسهولة لأنها تكتسب المزيد من الموارد.. فهي لا تحمي من العوامل الجوية فحسب، بل توفر أيضًا الخصوصية والأمن والكرامة وتحسين الصحة لشاغليها".

وتابعت: "علاوة على ذلك، يسمح التصميم بالترقية التدريجية إلى ملاجئ أكثر متانة بجدران من الطوب اللبن، وهي تقنية فعالة من حيث التكلفة ومستدامة وصديقة للبيئة، لا تتطلب عملية إنشاء الطوب الطيني مهارات أو آلات متقدمة، ما يمكّن المجتمع من المشاركة وتعلم كيفية تحسين منازلهم".

ولتنفيذ أعمال البناء، أشركت المنظمة الدولية للهجرة 200 مقيم من لادان، بمن في ذلك 120 عاملاً غير ماهر، تلقوا تدريباً تحت إشراف المنظمة الدولية للهجرة.

وشارك 300 ساكن في أعمال الحفر لشبكات الصرف، ونسق 15 فردًا ترسيم حدود الأرض وتطهير الأدغال.

لا تساعد هذه المبادرات سكان لادان على تلبية احتياجاتهم الأساسية فحسب، بل تقلل اعتمادهم تدريجياً على المساعدات الإنسانية، ما يعزز الشعور بالتمكين والاكتفاء الذاتي داخل المجتمع.

مع انتهاء اليوم، يودع علي بعض العملاء بابتسامة على وجهه.. يقول وهو يغلق أبواب متجر الشاي الخاص به: "لا يتعلق الأمر فقط بتدبير لقمة العيش، ولكن أيضًا الشعور بأنك تفعل شيئًا لمجتمعك".

مهدت هذه الجهود التعاونية بين المنظمة الدولية للهجرة والمجتمع ومختلف أصحاب المصلحة لإعادة تكوين وتحسين الظروف المعيشية في لادان الطريق لبيئة أكثر شمولاً وتكاملاً، وتعزيز الرفاهية والاكتفاء الذاتي لكل من الأفراد النازحين والمجتمع المضيف في دولو.

وتسعى المنظمة الدولية للهجرة حاليًا للحصول على تمويل إضافي لمواصلة دعم هذه الأنشطة والوصول إلى الأسر الأكثر ضعفًا.