وكالات..

لبنان بين بدء التنقيب عن النفط وزعزعة الأمن مع اسرائيل

"أرشيفية"

بيروت

الحديث عن دور مرفأ بيروت كقاعدة تقديم جميع المستلزمات والخدمات اللوجيستية لحفّارات شركة "ترانس أوشن" (المتوقع وصولها لبنان منتصف آب المقبل) لا يمكن اعتباره نهائيا من حيث الوقائع... باعتبار أن للبنى التحتية المهترئة بفعل انفجار الرابع من آب وقعها، وللانهيار الاقتصادي وزنه، وللجيوسياسة دورها بخاصة في فترة الشغور الرئاسي واقتصار دور وزير الطاقة بتصريف الأعمال.

الأمر الذي، -بالإضافة إلى تأخر لبنان عن إنجاز التلزيمات والعقود المطلوبة للبدء بعملية الحفر-، قد يفتح الباب لشركة "توتال" الفرنسية أمام خيار اللجوء لخدمات القاعدة اللوجستية المتمركزة في مرفأ لارنكا في قبرص، البلد التي شكلت بدورها وعلى امتداد الأشهر الأخيرة نقطة تحدّ، إذ لم تتوصل مع لبنان إلى ترسيم نهائي للحدود النفطية بينهما.

حفرًا استكشافيًا

وفي حديث خاص مع "جسور" تقول خبيرة النفط والغاز في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا لوري هايتيان إن "الأسابيع والأشهر المقبلة تحمل تطورات أساسية في قطاع النفط والغاز في لبنان بخاصة في ما يتعلّق بالبلوك 9". وفيما ينتظر لبنان اليوم بدء أعمال التنقيب عن النفط والغاز في مياهه الإقليمية، بعد نحو شهر من وصول "ترانس أوشن" إلى مرفأ بيروت، تُعتبر الحلقة الأولى من عمليات الحفر التي ستتم بفريق عمل نروجي-اسكتلندي: "حفرًا استكشافيًا" لا أكثر... وقد يمتدّ لنحو 100 يوم عمل.

وقد أشارت هايتيان إلى سيناريوهات ثلاث لناحية النتائج، "الأول يتلخّص في ألا يكون هناك من نفط إسوة بما تبيّن في البلوك رقم 4، والثاني بأن يكون هناك من مكامن صغيرة لا تسمح بتطوير هذا الاكتشاف، أما السيناريو الثالث في أن يتم اكتشاف نفط وغاز بشكل قابل للتطوير وبكميات كافية للإنتاج. وفي هذه الحالة، هناك سيناريوين أيضًا، الأول في ما إذا كان المكمن المكتشف في المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان فقط، سيُطبّق عندها العقد المبرم بين الحكومة اللبنانية وشركات الكونسورتيوم. أما السيناريو الثاني فقد يكون المكمن المكتشف واقع ما بين لبنان والمنطقة الاقتصادية الخالصة لاسرائيل، وبهذه الحالة سيتم تطبيق ما جاء في اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل ما يعني أن على شركة "توتال" واسرائيل الاتفاق المالي بينهما على حصة اسرائيل وكيفية الدفع حصة اسرائيل من النفط والغاز المُكتشف، وبعد ذلك الاتفاق فقط يستطيع لبنان من خلال "توتال" و"إيني" و"قطر للطاقة" أن يقوم بتطوير الحقل والإنتاج".

تفاصيل الحفر الاستكشافي

ووفقًا للمعلومات المُتاحة، ستبدأ المرحلة الأولى من العملية بحفر أربع إلى ست آبار استكشافية للتحقق من وجود كميات تجارية كافية من الغاز ولتحديد أبعاد المكمن. إذ تأتي هذه المرحلة ضرورية للتأكد من جدوى العملية وإمكانية استخراج الغاز بطريقة اقتصادية.

وفي المرحلة التالية، إن كانت الكميات المُكتشفة مُبشّرة، ستبدأ عمليات الحفر التطويري لإنشاء الحقول التجارية.

وبعدها تبدأ مرحلة الإنتاج التي تفترض وجود "منصة معالجة الغاز العائمة"، ويعتقد أن بنائها أو نقلها إلى المياه اللبنانية سيستغرق عامين تقريبًا. وتُقدر كلفة المصفاة العائمة بحوالي ملياري دولار.

وإن صعُب على لبنان اتخاذ خيار بناء تلك المنصة، نظرًا لكلفتها المرتفعة، يمكن استبدالها بخيار تمديد أنابيب من الحقل إلى دول قريبة تملك محطات معالجة الغاز على شواطئها، كخيار أسرع، يتيح فرصة للوساطة في عملية نقل الغاز المضغوط إلى الأسواق التي تحتاج إليه.


معضلة "التطوير والإنتاج"

لا شك أن اتفاق الترسيم البحري للحدود بين الدولة اللبنانية واسرائيل لم يصل إلى مسألة "نقاش وتحديد مسار التطوير والأنتاج"، وهو ما يشكّل معضلة حقيقية في حالة اكتشاف غنى نفطي وغازي وكميات تجارية بالمكامن الاحتمالية المتداخلة بين لبنان واسرائيل.

وعليه، هناك تخوّف من تأثيرات ما تشهده الحدود البرية اللبنانية-الاسرائيلية من تصاعد للتوترات الأمنية في الأيام الأخيرة ومن تأثير ذلك على شركات النفط والغاز الكبرى التي تستعد للبدء بأنشطتها في منطقة استكشاف الغاز قبالة السواحل اللبنانية. سواء لجهة التعرّض للنائب قاسم هاشم في الخامس عشر من تموز/يوليو الحالي بينما كان يتجوّل برفقة صحافيين قرب الخط الحدودي لجنوب لبنان، أو إصابة ثلاث عناصر تابعيين لتنظيم حزب الله اللبناني المسلّح بنيران اسرائيلية يوم الأربعاء 12 تموز/يوليو الحالي كذلك. فتشير بعض الأوساط إلى أن هذه الشركات قد تتراجع عن الاستثمار في حال تفاقمت المخاطر. فعملها في بيئة مُسلّحة ومتوترة وخطرة قد يؤدي إلى تعطيل عمليات التنقيب والاستخراج، وتعرض سلامة المنشآت والعاملين للخطر. ناهيك عن تنصّل شركات التأمين من حماية العمل في بيئات مماثلة..

أما الأخطر بين المخاوف المحتملة، هو حقيقة إن أي اكتشاف في حقل قانا الذي يمتد جنوب الخط 23، قد يؤدي إلى استنفار إسرائيلي حتمي، يقابله رد فعلي لبنانية غير رسمية لـ"حزب الله" ما قد يعطل عمليات التطوير والإنتاج. ويأتي ذلك إذا لم تحصل إسرائيل على الحقوق الكاملة التي تدعيها في هذا الحقل، والتي قد تكون موضوع نزاع جديد أو متجدد، بين إسرائيل ولبنان وشركة "توتال" بناءً على اتفاق المبادئ الذي وقع بينهما بعد اتفاق ترسيم الحدود.