وسط تقاذف المسؤوليات..

لبنان: نفايات وروائح كريهة تحاصر "مطار رفيق الحريري الدولي"

"أرشيفية"

فرنسا

يستمر اللبنانيون بإستقبال آلاف السياح والوافدين الى لبنان عبر مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، الذين يعّبرون عن اشمئزازهم من انتشار الروائح الكريهة التي تفوح بالمكان لدى نزولهم من باب الطائرة عند مدرج المطار وداخل قاعاته.

هذه الروائح الكريهة تحولت إلى كابوس يوميّ يزكم أنوف المواطنين ليس فقط في المطار بل تتعداه كذلك في المناطق القريبة وداخل نفق المطار الذي يساعد حركة السيارات بإتجاه منطقة الشوف وجنوب لبنان.  ويحاول هذا التحقيق تسليط الضوء على مصادرُ هذه الروائح ومعرفة مصادرها.

وسط إهمال كبير في معالجتة هذه الظاهرة التي أساءت ولم تزل الى السياحة والصحة في بلاد الأرز ونتيجة تحذيرات صحية ومخاوف من إنتشار الأمراض والأوبئة في المناطق المجاورة للمطار والأماكن الأبعد قليلاً تسعى مجموعات من الناشطين والقيمين على الجمعيات البيئية في لبنان ومنذ أعوام لحل هذه المشكلة البيئية لوقف الروائح الكريهة دون وإبعادها عن المطار خصوصاً وعن بيروت عموماً ولكن دون تحقيق نتيجة ملموسة لحينه  في وقت أصبح من الضروري والملح التصدي لهذه الكارثة البيئية والسياحية والصحية في آن.

ماذا يقول الخبراء؟

يقول خبراء في مجال البيئة لـ"جسور" قد يكون الأهم والأسهل اليوم هو منع مصادر الروائح الكريهة التي يمكنها أن تصيب مطار رفيق الحريري الدولي في المستقبل القريب عبر وقف إنشاء معمل ال"كومبوستينغ"(معالجة النفايات) الذي يشيد في مكان ملاصق لمدرج مطار رفيق الحريري الدولي."

ويرى معظمهم أن" هذا المعمل سوف يزيد الروائح الكريهة على المطار عشرات الأضعاف، ولا يمكن لعاقل القبول بذلك بل يجب نقله إلى مكان بعيد عن المطار وعن البحر وعن المنازل.

7 مصادر مباشرة للتلوث !

أوضح  رئيس جمعية غرين غلوب والعضو المراقب في الأمم المتحدة في البيئة سمير سكاف  في تصريح صحفي أن سبعة مصادر مباشرة على الأقل هي أساس الروائح الكريهة التي تصيب المطار، وصرح  سكاف معدداً هذه المصادرعلى الشكل التالي:

نهر الغدير الذي يصب تحت مطار رفيق الحريري الدولي مباشرة، وقد تحول الى مجرور عملاق. والحل هنا هو في معالجته وإعادة تأهيله، وبتحويل مصبات الصرف الصحي عنه، وبمنع رمي مختلف أنواع النفايات فيه، من نفايات المسالخ والمزارع والنفايات الصناعية والنفايات المنزلية القريبة.

عدم وجود محطة صرف صحي عاملة في بيروت لأن محطة الغدير للصرف الصحي معطلة، ومصبات المجارير ظاهرة للعين في عدة نقاط على شاطئ البحر في بيروت. والحل هو بإنشاء سريع لمحطة صرف صحي في منطقة الغدير تقوم بالتكرير الثالثي Traitement Tertiaire، وليس زيادة طول قساطل المجارير إلى داخل البحر لإبعاد التلوث عن العين ورميه في عمق البحر حيث يقضي على الحياة البحرية فيه وعلى الثروة السمكية .

نفايات منطقتي الليلكي وحي السلم، والحل هو في ايلائها الإهتمام اللازم لإنمائها، وتأهيل شبكات للصرف الصحي فيها.

الأكثر تأثيراً على المطار، الروائح التي تنبعث من حوالى 15 مزرعة و15 مسلخاً (معظمها مشاريع دواجن وأبقار) ويفصل بينها وبين المطار طريق بعرض حوالى 10 أمتار! يمكن رؤية بعض من نفاياتها ومن دماء المسالخ في مجرى نهر الغدير، وتضم هذه المزارع آلاف رؤوس الماشية مع مخلفاتها التي تغطي أرضها،  والحل يمكن أن يتم على مرحلتين، رفع الجدران حول المزارع، ونقلها خلال سنتين من محيط المطار إلى مناطق زراعية بعيدة عن الشاطئ.

مطمر المطار المعروف بالكوستا برافا إذ إن حركة النفايات العضوية فيه وإليه تتسبب بالكثير من الروائح الكريهة. كما ان العمل في الوحدتين الأخيرتين فيه أي الثالثة والرابعة يتم قريباً وهما الأقرب إلى مدرج المطار.

معمل فرز نفايات العمروسية، واستقباله لمعظم نفايات المسالخ القريبة منه، حركة النفايات العضوية منه وفيه واليه تتسبب بروائح كريهة، والحل بتخفيض حجم تدفق النفايات العضوية إليه بشكل جدي.

في المنطقة معملان لتصنيع الزفت قرب المطار اشتكى الكثير من الأهالي من الروائح الكريهة المنبعثة منهما، ومن الغيوم السوداء التي وترتفع بين حين وآخر منهما، في حين قال المشرفان عليهما أنهما مجهزان بالفلاتر، والإتهامات متبادلة بين إدارة المزارع والمسالخ من جهة وبين إدارة المعملين حول الجهة الأكثر إنتاجاً للروائح الكريهة وللتلوث البيئي القاتل.

ويشير سكاف الى أن جميع معامل الفرز والـ"كومبوستينغ" تحتاج إلى وسائل معالجة متطورة للقضاء على الروائح الكريهة الصادرة عنها مثل تركيب "بايوفيلتر"(فلاتر متخصصة ومتطورة) فعالة بشكل أساسي، والى حلول أخرى بإستعمال تقنية الكلس التي تمتص عصارة النفايات وقسماً من الروائح المنبعثة منها...

وزير البيئة

وفي سياق متصل ووسط ورود معلومات عن مشاكل عالقة بين الوزارات المعنية (الصناعة والبيئة والزراعة)  قال وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين ل"جسور" أن أكثر من سبب يقف خلف الروائح المنبعثة في محيط المطار .

ونفى ياسين في حديثه لـ"جسور" أية خلافات مع الوزارات المعنية حول إيجاد حلول للمشكلة المزمنة سيما وزارتي الصناعة والزراعة؟ وقال إنه "سابقاً فرض على المصانع والمزارع في المنطقة تركيب نظام "بايوفيلتر" انما وبفعل الأزمة المالية قد لا يتمكن صاحب المزرعة من تجديد وصيانة نظام المراقبة على هذه التجهيزات".

الحل؟

ورأى الوزير ناصر ياسين أن " الحل الوحيد نقل المزارع الى مناطق مفتوحة خارج نطاق مدينة بيروت بعيداً عن البلدات والسكان والعمران، وكذلك تنظيف نهر الغدير من المرسبات والمخلفات التي تساهم في انبعاث الروائح الكريهة ".

وأكد ياسين أن "حل مشكلة نهر الغدير بيد وزارة الطاقة والمياه."

مطمر الكوستابرافا

وفيما يتعلق بمطمر الـ "كوستا برافا" المحاذي للمطار، شدد ياسين على ضرورة تطبيق خطة وزارة البيئة الهادفة الى نقل مطامرالنفايات لتصبح مطامر مناطقية وعلى تعزيزعملية الفرز شرط إعادة تشغيل المعامل الخاصة بذلك، وهذه تحتاج الى فترة زمنية أقلها 3 سنوات لكون المعامل تحتاج الى مطامر خاصة بها" .

صاحب مزرعة ومسلخ

بعد محاولات حثيثة تواصل "جسور"  مع صاحب إحدى أكبر حظائر المواشي والأبقار الواقعة في محيط المطار، والمعتمدة لتربية وذبح المواشي، نفى صاحب الحظيرة ويدعى زاهر أحمد توفيق سليمان علاقة الحظائر المملوكة منه أو من جيرانه بإصدار الروائح الكريهة في محيط المطار وقال ل"جسور" لا دخل لمزرعتنا باصدار الروائح  الكريهة "

وأضاف سليمان" نحن نستفيد من مخلفاتها ولا نرمي أي جزء منها لأن ذلك يسبب لنا الخسائر، نستفيد من كل مخلفاتها  دون إستثناء في انتاج السماد وبيعه للمزارعين ".

وتابع "نبيع الجلود كذلك لتصنيعها ونبيع اللحوم أما العظام فلدينا تعاقد مع شركات التنظيف والنقل المعروفة للتخلص منها بطريقة سليمة وقانونية".

ونفى سليمان أن يكون ثمة مخلفات وبقايا للحظائر والذبائح، وأشار الى أن منطقة العمروسية  تضم حوالي 6 حظائر ومزارع لتربية المواشي وذبحها 

سبب الروائح

أكد صاحب الحظيرة، سليمان أن سبب الروائح يعود في الدرجة الأولى إلى مجرى نهر الغدير وأضاف " من يدخل على موقع البحث غوغل يرى بأم العين اللون الأسود المتجمع في مجرى النهر خلف حائط طريق نفق المطار بسبب تخزينه لمياه الصرف الصحي الآتية من مناطق كفرشيما والشويفات وعرمون وبشامون ومحيطها".

ورأى سليمان أن الحل بتنظيف مجرى النهر دورياً، لافتا الى أن عمليه تنظيف مجرى نهر الغدير متوقفة حاليا".

نهر الغدير

يعرف بنهر الغدير وهو نهر يجري في قضاء بعبدا- جبل لبنان،تصب فيه عدّة أنهار فرعيّة تتشكّل عند هطول الأمطار.

يعد نهر الغدير أحد مسببَي تلوث بحر بيروت وبيئتها وأحد مصدري الروائح الكريهة في محيط مطار رفيق الحريري الدولي، إضافة إلى مطمر الكوستابرافا.

 يمر النهر في مناطق الشويفات، كفرشيما، حي السلّم، ويصب في البحر الأبيض المتوسّط، جنوب بيروت، في قناة تقع مباشرة تحت مدرج مطار رفيق الحريري الدولي.

 نهر الغدير يجف تماماً في فصل الصيف لذا يتحل الى مجرى صرف صحي كبير يغلب عليه لون مخلفات السوائل السوداء

يجمع نهر الغدير الدّرجة الأولى الأوساخ وتنتشر منها الرّوائح الكريهة في المطار ومحيطه والّتي تسيء الى سمعة لبنان،

ويتسبب كل ذلك في الأخطار على الملاحة الجوية بسبب جذب أعداد كبيرة من الطيور الى حرم المطار، ناهيك عن التلوث الهائل للبحر والبيئة.

وبحسب المصادر الخاصة ل"جسور"، فهو أكثر الأنهر تلوّثاً في لبنان، فحجم مياه المجاري التي تمر به يفوق حجم المياه طوال السنة.

وفي حكومات سابقة دأبت وزارات الطاقة على تنظيفه الا انه ومنذ سنوات لم يجرتنظيف هذا النهر الذي تحول الى مستنقع أسود (مرفق صورة من موقع البحث غوغل)

وما يزيد من تفاقم الأزمة البيئية أن سكان المناطق المجاورة لمجرى الغدير ومسلسل التعديات على حرم المجرى مستمر حيث يضيق المجرى بتراصف الأبنية السكنية العشوائية ما يؤدي إلى فيضان النهر شتاء ودخول مياهه القذرة والملوثة الى هذه المنازل المخالفة وتبدأ الشكاوى من إهمال الدولة والمسؤولين تحت شعار " وينية الدولة".

صحياً ماذا يحدث لجسمك بعد استنشاق رائحة النفايات؟

هل فكرت فيما قبل ماذا يحدث لجسمك نتيجة استنشاق رائحة النفايات، خاصة فى حال تكرار الأمر، وكيف يتأثر جهازك التنفسى بذلك؟ 

الدكتور محمود عبد المجيد، استشارى الأمراض الصدرية، قال فى تصريحات لـ"جسور"، إن النفايات تتفاعل مع بعضها البعض وينتج عنها إصدار غازات وروائح كريهة، التى تسبب تلوث البيئة، مما يسبب أمراضا صدرية مثل الإنسداد الرئوى المزمن، وهو مرض ينتج عن التلوث البيئى أو التدخين ويصاب به الكبار والصغار ".

 أوضح الطبيب، أن أعراض الإصابة بالإنسداد الرئوى المزمن، هو الشعور بضيق فى التنفس، سعال، بلغم، الشعور بالتعب، قشعريرة،  ارتفاع درجة حرارة، صدور صوت أزيز عند التنفس ويمكن أن تتقدم مراحل هذا المرض لتمتد للإصابة بالتهابات الشعب الهوائية مع الشعور بصعوبة فى الحركة، وقد تسبب مضاعفات صحية خطيرة الإصابة بفشل فى التنفس ".

وأشار استشارى الأمراض الصدرية، إلى أن مرض الانسداد الرئوى المزمن يعتبر من الأمراض المزمنة التى ليس لها شفاء، ولكن يتم أستخدام أدوية لتحسين الأعراض، مشيراً إلى أن الأطفال المصابة بمرض الربو أو حساسية الصدر ويعانون من أزمات ربوية متكررة قد تؤدى فيما بعد إلى الإصابة بفشل فى التنفس .