الأزمة السياسية في لبنان تراوح مكانها

ما زال الفاعلون الدوليون يسعون إلى تحقيق اختراق في الأزمة السياسية اللبنانية من خلال البحث عن توافقات صعبة. وأمام استعصاء المخارج تستعد هذه القوى لممارسة ضغوط أكبر، منها فرض عقوبات على معرقلي مسار التسوية.

لا اختراق

بيروت

لا يعلق اللبنانيون آمالا كبيرة على الزيارة الثانية المرتقبة التي سيؤديها المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت لبحث الأزمة السياسية، إذ إن بيان اللجنة الخماسية التي أنهت أعمالها في الدوحة الاثنين لا يحمل جديدا.

ومع الحديث عن تباين بين أركان اللجنة الخماسية (الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية ومصر وقطر) حول سبل مقاربة الوضع اللبناني وعلى رأسه الملف الرئاسي، يبقى السؤال عما إذا ستكون زيارة لودريان الثانية محكومة بأجواء المداولات في الدوحة.

ودعت المجموعة الدولية الخماسية بشأن أزمة لبنان السياسية إلى انتخاب رئيس للبلاد “يجسد النزاهة ويوحّد الأمة” من أجل تنفيذ إصلاحات اقتصادية “ضرورية”.

وقال البيان إن “ممثلين عن مصر وفرنسا وقطر والسعودية والولايات المتحدة اجتمعوا بالدوحة للتعجيل بإجراء الانتخابات الرئاسية وتنفيذ إصلاحات اقتصادية ضرورية”.

ولفتت المجموعة إلى أن “إنقاذ الاقتصاد اللبناني يعتمد على ما ستقوم به القيادة اللبنانية”، مؤكدة “الالتزام بسيادة لبنان واستقلاله”.

وأضافت “قلقون بشأن عدم انتخاب رئيس للبنان بعد 9 أشهر تقريبا على انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون”، الذي انتهت ولايته في الحادي والثلاثين من أكتوبر 2022.

ولفتت إلى “ضرورة التزام أعضاء البرلمان اللبناني بمسؤولياتهم الدستورية وأن يشرعوا في انتخاب رئيس للبلاد”. وأشارت إلى أنه “لا بد من أن ينتخب لبنان رئيسا للبلاد يجسّد النزاهة ويوحّد الأمة ويضع مصالح البلاد في المقام الأول”.

وذكرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية “واس” الثلاثاء أن الاجتماع “ناقش الحاجة الملحة للقيادة اللبنانية إلى التعجيل في إجراء الانتخابات الرئاسية، كما ناقشت الدول خيارات محددة (لم تذكرها) في ما يتعلق باتخاذ إجراءات ضد أولئك الذين يعرقلون إحراز تقدم في هذا المجال (لم تشر لهويتهم).

وأشارت إلى أن المجموعة الخماسية “شددت على الحاجة الماسة إلى الإصلاح القضائي وتطبيق سيادة القانون، لاسيما في ما يتعلق بالتحقيق في انفجار مرفأ بيروت عام 2020، مع حث كافة الأطراف اللبنانية على اتخاذ إجراءات فورية للتغلب على المأزق السياسي الحالي”.

وهذا هو الاجتماع الثاني للمجموعة الدولية بشأن لبنان، حيث كان الاجتماع الأول في فبراير الماضي بالعاصمة الفرنسية باريس، لإيجاد مخرج للأزمة السياسية في لبنان عقب فشل مجلس النواب اللبناني خلال 12 جلسة برلمانية في انتخاب رئيس للبلاد، في ظل انقسام سياسي حاد.

ويقول مراقبون إن أقصى ما يمكن لزيارة لودريان الجديدة أن تسعى له هو أن تبحث عن منتصف الطريق بين أطراف الأزمة، سواء لجهة اسم الرئيس أو لجهة الإصلاحات المطلوب تنفيذها. وتقول أوساط المعارضة اللبنانية، ومن بينها “قوى الإجماع المسيحي” ضد سليمان فرنجية زعيم تيار المردة ومرشح حزب الله للرئاسة، إن لودريان لا يحمل جديدا.

ومن المتوقع أن يبقى لودريان نحو أسبوع في بيروت من أجل الإشراف على حوار لا يزال من غير المعروف من سيقبل المشاركة فيه أو ما هو جدول أعماله.

ويتمسك حزب الله بوجوب أن يقتصر الحوار على الملف الرئاسي. وهي إشارة إلى أنه لا يريد أن يخرج من هذا الموضوع إلى الإصلاحات التي يتعين على الرئيس ورئيس الحكومة المقبلين أن ينهضا بها. وانطلاقا من هذا المعطى سيكون التحاور على “الاسم” وليس على “الموضوع”. وإذا انتهى الأمر بالاسم أن يستقر على مرشح ثالث، فإن الضمانة التي يوفرها “الاسم” هي أنه يجب أن يكون مقبولا من حزب الله ولا يتعدى على امتيازاته ولا على سلاحه، ولا على سلطته في مؤسسات الدولة، ومنها حقه في إبطال أي توجه يضر بمصالحه الخاصة.

وأما التحاور على “الموضوع” فإنه شائك، لأنه يتطلب تحديد مسار واضح للإصلاحات المالية والهيكلية. وفي هذا الكثير مما يمكن أن يضر بحزب الله.

ويقول مراقبون إن لودريان لا يحمل حلولا، لا من ناحية “الاسم” ولا من ناحية “الموضوع”. ولكنه يأمل في أن يؤدي اشتداد الأزمة إلى إقناع مختلف الأطراف بوجوب إيجاد حلول جزئية تبدأ من مرشح ثالث يعطي لحزب الله ما يريد، ويقدّم للمعارضين بعض ما يريدونه من إصلاحات. ويتهم كل فريق الفريق الآخر بمحاولة فرض مرشحه وبتعطيل انتخاب رئيس، فيما تغرق البلاد في أزمة اقتصادية.

وتعتبر مصادر سياسية أنه من الممكن الحديث عن أن باريس، بوصفها الأكثر قدرة على التحاور مع مختلف الأفرقاء، نظراً إلى أنها الدولة الغربية الوحيدة التي لديها قنوات اتصال مباشرة مع حزب الله، يمكن لها أن تلعب دور المسهّل، لكن في المقابل نجاحها يتطلب تعاون مختلف الأفرقاء معها، سواء كانوا محليين أو خارجيين، الأمر الذي لا يزال يحتاج إلى المزيد من البحث، طالما لم تظهر أيّ مؤشرات على اقتناعهم بالذهاب إلى تقديم تنازلات نوعية.

ويقول محللون إن الدور الفرنسي هو الدور الوحيد الذي بقي فاعلا، بينما تنسحب الأطراف الأخرى مثل الولايات المتحدة والسعودية إلى خلفية المسرح، لأن كلا منها يعرف سلفا أن الشروخ بين الأطراف المتصارعة أكبر من أن تردم.

وتريد الولايات المتحدة إبعاد حزب الله عن دائرة صنع القرار الاقتصادي على الأقل، وتعرف أنها لا تستطيع ذلك. والسعودية تريد أن تنأى بنفسها عن الخوض في مواجهة تؤدي إلى تجديد الصدام مع حزب الله، ما قد يؤثر على التطبيع الناشئ مع إيران.

ولا يخفي السعوديون اقتناعهم بأن ملف لبنان لم يعد يعنيهم، خاصة في ظل تطبيع مختلف القوى اللبنانية مع سيطرة حزب الله على الوضع الداخلي، وصمتهم على تزايد النفوذ الإيراني وتحكّمه في مستقبل البلد منذ التسوية التي أدت إلى صعود ميشال عون إلى سدة الحكم، وبعد أن تبيّن أن وصول عون إلى الرئاسة بدعم حزب الله لم يكن تسوية مرحلية، بل حصة سياسية لإيران، إذ صارت منذ ذلك الحين تتصرف على أساس أن الرئاسة لها ولحلفائها.

ومنذ أشهر، تدير البلاد حكومة تصريف أعمال عاجزة عن اتخاذ قرارات ضرورية، في وقت يشهد فيه لبنان منذ 2019 انهيارا اقتصاديا صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ 1850، ويشترط المجتمع الدولي إصلاحات ملحة من أجل تقديم دعم مالي.