تحركات نيودلهي تتكامل مع إستراتيجية واشنطن لاحتواء بكين

الهند قوة عظمى صاعدة في جنوب شرق آسيا

توسع الهند علاقاتها مع دول جنوب شرق آسيا محاولة تعزيز كل الشراكات الاقتصادية والعسكرية، وهو ما يمنحها نفوذا وقوة تفرضهما في الصراع على عالم متعدد الأقطاب، ورغم أنها تقوم بتحركات تثير قلق الولايات المتحدة إلا أن هذه التحركات يمكن أن تعضد واشنطن في مواجهة نفوذ الصين ومحاولات الحد منه.

تقارب جيوسياسي واضح بين الهند وفيتنام

واشنطن

في ظل نشاط دبلوماسي إقليمي وقعت الهند صفقة أسلحة مع فيتنام وانحازت إلى جانب الفلبين في نزاعها مع الصين بشأن مناطق السيادة في بحر الصين الجنوبي، وحسنت تعاونها العسكري مع إندونسيا.

أصبح المشهد نموذجا لسياسات توازن القوة، فرغم أن أغلب حكومات جنوب شرق آسيا ترفع شعار تجنب الانحيازات الجيوسياسية، فإن الموقف العدواني للصين داخل وحول بحر الصين الجنوبي، دفع الهند وشركاءها في المنطقة إلى التقارب.

ويرى بعض المحللين أنه رغم أن اللحظة الحاسمة لم تحن بعد، لكن كل المؤشرات تقول إن الهند تتحول إلى لاعب إستراتيجي في جنوب شرق آسيا، لاعب يقدم للولايات المتحدة العديد من الفوائد لمواجهة النفوذ الصيني.

ويقول الخبير الإستراتيجي الأميركي ديريك غروسمان، كبير محللي شؤون الدفاع في مؤسسة البحث والتطوير الأميركية “راند”، إن العلاقات بين الدول لم تصل بعد إلى مستوى التحالف ولا تتضمن نشر عناصر القوة، لكن التقارب الجيوسياسي بينها واضح.

ورغم عدم انخراط الولايات المتحدة وحلفائها الآسيويين في هذه التطورات، فإن تحركات الهند تعزز احتمال تكامل هذه التحركات بشكل متزايد مع الإستراتيجية الأميركية الإقليمية لاحتواء الصين في السنوات المقبلة.

وفي ظل حكم رئيس الوزراء ناريندرا مودي الذي أطلق في البداية “قانون الشرق”، تعزز الهند بشكل مطرد شراكاتها في مختلف أنحاء جنوب شرق آسيا، وبخاصة مع الدول الواقعة في النطاق البحري للمحيطين الهندي والهادئ.

وتستهدف هذه التحركات بوضوح التعاون مع الشركاء الجنوب شرق آسيويين الذين يريدون المحافظة على النظام الدولي القائم على القانون ومعايير السلوك في مواجهة التشدد الصيني المتزايد في المنطقة.

وفي الشهر الماضي، زار وزير الدفاع الفيتنامي بان فان جيانج نظيره الهندي راجنات سينج في نيودلهي، وأعلن موافقة الهند على منح البحرية الفيتنامية طراد صواريخ لتحسين الأمن البحري. كما أعلن الجانبان مناقشة التوسع في تدريب عناصر الجيش الفيتنامي على تشغيل الغواصات والطائرات المقاتلة، إلى جانب التعاون في الأمن السيبراني والحرب الإلكترونية.

وقال غروسمان في تحليل نشرته مؤسسة راند إنه في الوقت نفسه توسع الفلبين المرتبطة باتفاقية دفاعية مع الولايات المتحدة، تعاونها الأمني والعسكري مع الهند.

وفي الشهر الماضي، زار وزير خارجية الفلبين إنريك مانالو نيودلهي والتقى نظيره الهندي إس جايشانكار. ولأول مرة تعترف الهند بشرعية حكم التحكيم الصادر عام 2016 عن المحكمة الدولية الدائمة في لاهاي لصالح الفلبين في نزاعها مع الصين بشأن مناطق السيادة في بحر الصين الجنوبي. وخلال اللقاء كرر جايشانكار دعوته للصين إلى احترام الحكم. كما تعهد الجانبان الهندي والفلبيني بتحسين الشراكة الدفاعية بينهما من خلال زيادة التواصل بين المؤسسات العسكرية وتعيين ملحق دفاع هندي في مانيلا. كما عرضت الهند منح الفلبين قرضا لتمويل مشترياتها من الأسلحة الهندية.

ونقل غروسمان، الأستاذ المساعد في جامعة ساوثرن كاليفورنيا، عن مصدر دبلوماسي قريب من المفاوضات الهندية – الفلبينية القول “نحن دولتان بحريتان، وهناك مجال واسع لتحديد مجالات التعاون في المستقبل، ومنها تشكيل قوة بحرية مشتركة والقيام بدوريات مشتركة وتبادل المعلومات وأي شيء يعزز الحضور البحري للدولتين في المنطقة”.

وفي الوقت نفسه فإن الشراكة الأمنية للهند مع إندونيسيا تتطور بطريقة تدعم أيضا الإستراتيجية الأميركية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

وفي فبراير الماضي، قامت غواصة تقليدية هندية من طراز كيلو بأول زيارة لميناء في إندونيسيا، لتؤكد قدرة الغواصات الهندية على الوصول إلى موانئ إندونيسيا الواقعة على جانبي الممرات المائية الإستراتيجية التي تمتد عبر هذه الدولة الأرخبيلية.

وتواجه بكين بالفعل صداعا إستراتيجيا رئيسيا في صورة ما يعرف باسم معضلة ملقا، التي تجعلها عرضة لخطر قيام الولايات المتحدة وحلفائها بقطع طرق التجارة البحرية الصينية في هذه الممرات الحيوية الضيقة التي تفصل بين سنغافورة وماليزيا، ردا على أي تحرك عسكري صيني ضد تايوان. كما يمكن غلق مضيقي سوندا ولومبوك الإندونيسيين الإستراتيجيين، وهو ما يمكن أن يجبر الصين على إعادة التفكير في عملياتها العسكرية المستقبلية ككل.

كما ترتبط الهند بعلاقات جيدة مع باقي دول المنطقة سواء ماليزيا أو سنغافورة أو حتى لاوس وكمبوديا وفيتنام، وهي الدول المعروفة تقليديا بعلاقاتها الجيدة مع بكين.

ورغم ذلك يرى غروسمان، المسؤول الاستخباراتي السابق في مكتب مساعد وزير الدفاع الأميركي لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ، أنه لا يمكن القول إن كل تحركات الهند في المنطقة إيجابية بالضرورة بالنسبة للولايات المتحدة وإستراتيجيتها الإقليمية.

وأبرز نموذج للتعارض بين نيودلهي وواشنطن، العلاقات القوية للهند مع الطغمة العسكرية الحاكمة في ميانمار والتي تعتزم تحسين علاقاتها مع بكين. ومازالت الهند ترفض إدانة الانقلاب العسكري على الحكومة المدنية في ميانمار عام 2021 وترفض الانضمام إلى واشنطن للضغط على المجلس العسكري الحاكم فيها.

وبالطبع فالهند في موقف صعب لأن أي فوضى في ميانمار تهدد بإثارة اضطرابات عبر الحدود، خاصة وأن ولايات ميزورام ومانيبور وناجالاند الهندية ترتبط بعلاقات عرقية وصلات قرابة مع ميانمار. وتأمل نيودلهي أن يضمن استمرار التعاون مع المجلس العسكري في ميانمار استمرار الاستقرار في المناطق الحدودية.

ليس هذا فحسب، بل إن الهند تنشط في المنطقة عبر المنظمات الإقليمية متعددة الأطراف من خلال إطار العمل بين الهند ورابطة دول آسيان، حيث أجرت الهند ودول آسيان الـ11 تدريبا عسكريا مشتركا عرف باسم “تدريب آسيان – الهند البحري” في بحر الصين الجنوبي. وأثار التدريب انتباه ميليشيا بحرية صينية تعمل داخل المنطقة الاقتصدية الخالصة  لفيتنام واقتربت من المشاركين في التدريب.

وأخيرا يمكن القول إن فوائد سياسة الهند في جنوب شرق آسيا بالنسبة لجهود الولايات المتحدة لمواجهة الصين أكبر من أضرارها. وعلى واشنطن الترحيب بالتحركات الهندية وتشجيعها. على سبيل المثال فإن إطلاق دوريات مشتركة إضافية في بحر الصين الجنوبي بمشاركة الهند والولايات المتحدة ودول أخرى يمكن أن يعزز جهود ردع الصين. كما أن توسع الهند في دعم مشروعات البنية التحتية في دول جنوب شرق آسيا والدخول معها في علاقات تجارية واستثمارية سوف يساعد في احتواء الهيمنة الاقتصادية للصين في جنوب شرق آسيا.