اجتماع سوداني في مصر لدعم فرص الخيار المدني

نجاح القاهرة في تهيئة الأجواء لتوحيد الرؤى
وفرت مصر أجواء مواتية لقوى الحرية والتغيير لعقد اجتماعاتها في القاهرة على مدار يوميْ الاثنين والثلاثاء، في سياق مسعى دعم فرص العودة إلى الخيار المدني في السودان.
ويمثل اجتماع المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير تطورا مهما على صعيد اقتراب القاهرة كثيرا من أزمة بدت بعيدة عنها سابقا، ورغبتها في ممارسة دور مؤثر في وقف الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع وبدْء صفحة جديدة مع المجلس المركزي، حيث رفضت قياداته في فبراير الماضي زيارة القاهرة وحضور اجتماع ضم قوى سياسية متنوعة لإيجاد حل للأزمة قبل تطورها عسكريا.
وحضر إلى القاهرة أعضاء الكتلة الديمقراطية في قوى الحرية والتغيير آنذاك، والمعروفة بأنها داعمة لتصورات المؤسسة العسكرية في السودان، بينما غاب أعضاء المجلس المركزي الذين توجسوا، في ذلك الوقت، من دعم القاهرة للجيش.
ويقول مراقبون إن اجتماع المجلس المركزي في القاهرة الهدف منه إحداث توازن بين البعدين العربي والأفريقي في الأزمة السودانية، إذ قام وفد من قوى الحرية والتغيير بزيارة إلى أديس أبابا مؤخرا، وفهم من الزيارة وتفسيراتها السياسية أن إثيوبيا تدعم الوفد وتؤيد توجهات قائد الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي).
ويضيف المراقبون أن عقد اجتماع في القاهرة يعزز دور قوى الحرية والتغيير في معالجة أزمة تعود جذورها إلى خلافات سياسية قبل أن ينزلق قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان إلى حرب مع حميدتي منذ منتصف أبريل الماضي.
ويهدف المجلس المركزي من خلال اجتماعات القاهرة إلى مناقشة السبل السياسية لإنهاء الحرب الجارية بين الجيش وقوات الدعم السريع، والتي تجاوزت مئة يوم منذ اندلاعها.
وقال بيان صادر عن قوى الحرية والتغيير الأحد إن التحديات والمتغيرات تفرض ضرورة وقف الحرب وقطع الطريق على مخطط النظام السابق لتحويلها إلى حرب أهلية شاملة، واستعادة مسار الانتقال المدني الديمقراطي عبر عملية سياسية تشمل الجميع دون استثناء، عدا حزب النظام المعزول وواجهاته ورموزه.
ويصر المجلس المركزي، الذي يضم أحزابا وكيانات نقابية ومهنية، على عدم السماح بعودة فلول النظام السابق وأتباعه و”إجهاض مخططاتهم الإرهابية واقتلاعهم من أرض السودان اقتلاعًا”.
وذكرت تقارير سودانية أن نائب رئيس مجلس السيادة السوداني مالك عقار أجرى سلسلة من الاجتماعات والمشاورات السياسية في القاهرة والتقى شخصيات من قوى الحرية والتغيير (بجناحيها المجلس المركزي والكتلة الديمقراطية) بغرض خلق توافق وطني بشأن بعض القضايا المطروحة على الساحة.
ويعد اجتماع القاهرة هو الأول لقادة المكتب التنفيذي لقوى الحرية والتغيير منذ اندلاع الحرب، ويعتزمون عبره إجراء مباحثات مع قادة المجتمع السوداني المتواجدين في مصر حول القضايا التي تواجه الشعب في إطار تمسكهم بمبادئ ثورة ديسمبر التي أطاحت بحكم عمر البشير.
ووصل وفد القيادات السياسية والمهنية السودانية إلى القاهرة السبت، بعد جولة في دول الجوار من أجل حشد الدعم لوقف الحرب والعودة إلى عملية سياسية تعيد الحكم المدني للبلاد.
وقالت المحللة السياسية صباح موسى إن “نجاح الاجتماع مرهون بقبول أعضاء المجلس المركزي الجلوس مع الأطراف السودانية التي اختلفوا معها حول الاتفاق الإطاري، ما تسبب بشكل كبير في اندلاع شرارة الحرب في الخرطوم”.
وأضافت لـ”العرب” أن “ما رشح عن الاجتماع يشير إلى وجود رغبة في تشكيل جبهة مدنية عريضة لإنهاء الحرب، تضم كل الأطراف السياسية السودانية، ومن الضروري أن يترك الجميع أجنداتهم الضيقة لوقف إراقة الدماء، وتبتعد الأطراف المدنية عن الاصطفاف مع الجيش أو قوات الدعم السريع، ونسيان فكرة الحواضن السياسية للمكونات العسكرية من أجل ضمان التحول الديمقراطي السليم”.
وذكرت موسى أن الاجتماع يشير إلى نجاح القاهرة في تهيئة الأجواء خلال الفترة الماضية لتوحيد الرؤى من أجل وقف الحرب والعودة إلى عملية سياسية منتجة، فمصر تفهم جيدا تفاصيل الأزمة وتشابكاتها وتقوم بالتنسيق مع الأطراف المعنية في إطار ثوابتها التي تقضي بعدم التدخل في الشؤون الداخلية والحفاظ على السيادة ووحدة الدولة لتتمكن القوى الوطنية من تبني رؤية شاملة تساعد على إنهاء الحرب والعودة إلى العملية السياسية.
وجددت قوى الحرية والتغيير حض طرفيْ الاقتتال على التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في جولة المفاوضات الجارية حاليّا من خلال منبر جدة، بوساطة سعودية – أميركية.
ويسعى الوفد السوداني في القاهرة إلى تنسيق الجهود والمبادرات الإقليمية والدعم الدولي لتوحيد المنبر التفاوضي، وممارسة ضغوط على طرفي الصراع للوصول إلى اتفاق عاجل لوقف إطلاق النار في كل أنحاء السودان.
واستضافت القاهرة قمة لدول جوار السودان السبع في الثالث عشر من يوليو الجاري، شارك فيها رؤساء دول وحكومات أفريقيا الوسطى وتشاد وإريتريا وإثيوبيا وليبيا وجنوب السودان، فضلا عن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.
واعتبرت مصر هذه القمة نواة صلبة لتحركاتها المقبلة الرامية إلى وقف الحرب وتقريب المسافات بين القوى الإقليمية والأطراف المحلية لمنع تزايد الانفلات والفوضى.