الأزمة الاقتصاديّة في العراق لن تنتهي على خير

"أرشيفية"
بعد انشغال الساحة العراقيّة بموضوع إحراق القرآن الكريم في السويد والتداعيات التي نجمت عن هذا الموضوع من رحيل بعض البعثات الدبلوماسيّة من بغداد وما قد تتركه من تأثيرات في مجال العلاقات الدّوليّة، شهد الاقتصاد العراقي صدمة كبيرة نتيجة العقوبات الأميركيّة التي فرضتها وزارة الخزانة على 14 مصرفًا بحسب ما كشفت عنه صحيفة "وول ستريت جورنال " الأسبوع الماضي، ليصبح مجموع المصارف العراقيّة المعاقبة بتهمة غسل الأموال 18 مصرفًا.
وهذا ما أدّى بدوره إلى ارتفاع سعر الصرف الموازي للسعر الرّسمي إلى أكثر من 1500 دينارًا للدولار. ولم تفلح حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في تقريب سعر الصرف الموازي من السعر الرسمي الذي ناهز ال 1300 ونيّف. وتعلّل الخزانة الأميركيّة قراراتها هذه بسبب تحويل هذه المصارف العملة الأميركيّة إلى الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران المعاقبة أميركيًّا.
سيطرة البنك الفدرالي
وفي حديث خاص لـ "جسور" مع الدكتور عباس الجبوري، مدير مركز الرفد للإعلام والدراسات الاستراتيجية شدد على أنّ "موضوع العقوبات الأميركيّة ليس جديدًا على العراق، فلقد سبقت هذه العقوبات عقوبات على شخصيّات وبنوك. فالاشكاليّة في هذا الموضوع تكمن في سيطرة البنك الفدرالي في العراق على الأموال منذ الاحتلال الأميركي حتّى الآن وهذا ما انعكس حقيقة على الواقع الخدماتي. "
فبحسب الجبوري "حكومة محمد شياع السوداني عندما سيطرت على السلطة، قامت وبشكل غير قانوني بوضع أشخاص غير كفوئين في مواقع القرار الاقتصادي. " وهذا برأيه قد انعكس بطريقة سلبيّة جدًّا أدّت إلى تجاوز الهدر 350 مليار دولار أميركي. ونحن نتحدّث هنا عن إغلاق 14 مصرفًا بعدما تمّ سابقًا إغلاق ثمانية مصارف، ويكشف الجبوري في حديثه عن أنّ "هنالك معلومات عن التوجّه إلى إغلاق ستّة مصارف أخرى وذلك بسبب مزاد العملة."
ويشرح أساس الاشكاليّة الاقتصاديّة في العراق ففي حين تدير البورصات أسواق النقد في العالم، في العراق يوجد ما اصطلح على تسميته " مزاد العملة" وتسيطر عليه المصارف التي تتبع للجهات الحكومية الحزبية، وهي " المستفيد الأوّل والأخير من ارتفاع سعر الصرف مع العلم أنّ الحكومة حاولت تقليص سعر الدّولار بجعله أقلّ من 130 ألف دينار عراقي للمئة دولار لكن يوم أمس وصل إلى 159. " بحسب ما يفيد الجبّوري.
المحاصصة الحكومية هي السبب
ويتابع في حديثه لـ "جسور" كاشفًا عن أنّ "هنالك عشرة مصارف من تلك التي تمّ إقفالها لا تعتبر بمثابة مصارف، بل هي لا تعدو كونها دكاكين مصرفيّة تتبع لجهات حزبيّة وجهات نافذة. فهذه المصارف التي تمّ إقفالها كانت مستفيدة من الفارق حيث كانت تشتري الدولارات من السوق بـ 130 وتبيعه ب 150 أو ربّما اكثر. " وبالتالي هذه الأموال كانت تذهب إلى جيوب الفاسدين الذين هم معروفون بالهدر المالي وعليهم مؤشرات فساد في مؤسّسات الدّولة. كما يوضح الجبّوري أنّ "الحكومة هي حكومة محاصصة بغضّ النّظر عن وجود انتخابات إلا أنّ هذه الانتخابات لم تغيّر سوى 20 % من المشاركين في السلطة بينما بقي 80 % ولم يخرجوا من الحكم وهذه النسب الحاكمة تتبع الأحزاب التي تستولي على السلطة في العراق."
ويتطرق الجبّوري الى مسألة تهريب العملة كاشفاً عن "وجود الكثيرمن المسؤولين الذين يقومون بتهريب أموالهم واستثمارها في مختلف القطاعات في الخارج." ويعيد السبب الى "الهروب من المساءلة." كما يقول :"نعلم جميعنا أنّ هنالك مسؤولين وصلوا إلى سدّة الحكم لا يمتلكون أيّ شيء فيما اليوم باتوا يملكون مقاطعات داخل العاصمة وغيرها من المحافظات. " لذلك، هذه العقوبات التي اتّخذتها الولايات المتّحدة ضدّ هذه البنوك "أتت لإيقاف تدهور العملة لأنّ هؤلاء الذين يحرّكونها هم سبّبوا الانهيار الاقتصادي." ويختم حديثه بالقول إنّ " هذه البنوك تتبع لجهات معروفة وقد نكون في نهاية الشهر العاشر أمام عقوبات أميركيّة جديدة من الممكن أن تفرَض على البنك المركزي العراقي فأموال العراقيّين أصبحت تحت الوصاية الأميركيّة بشكل كامل نتيجة الفساد المستشري داخل هيكل الدّولة."
ودائع العراقيين محفوظة
أمّا الدكتور همام الشماع، الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد المالي في جامعة بغداد فيفيد في حديثه لـ "جسور" بأنّه "للوهلة الأولى قد يظنّ بعضهم أنّ العراق يسير في هدى خطوات الاقتصاد اللبناني، وبالتّالي صعود ورمي للدينار العراقي؛ لكن في الواقع لا يوجد تشابه بين البلدين من الناحية الاقتصاديّة." ويتابع الشمّاع "صحيح أنّ التشابه في الشكل غير موجود، مع فارق بين البلدين وهو أنّ الرقابة ما زالت موجودة على المصارف،وبالتالي ودائع المودعين العراقيّين محفوظة مع العلم أنّ غالبيّة ودائع النّاس موجودة خارج الجهاز المصرفي بشكل إمّا دولاري وإمّا ديناري."
ويكشف الشمّاع أنّ " والي 80% من العملة المصدّرة موجود لدى الأفراد وبعض المؤسسات. أمّا الأرصدة الدولاريّة فلا أحد يستطيع أن يقدّر قيمتها. "وهذا ما يدفعه إلى التأكيد أنّ "الاقتصاد العراقي يسير نحو مشكلة كبيرة من حيث ارتفاع الأسعار لأنّه يعتمد كلّيًّا على البضائع المستوردة. وبالتالي أي ارتفاع في سعر الدولار يعني ارتفاعًا في الأسعار" ويعيد الشمّاع ذلك "لكون معظم السلع مستوردة بشكل مباشر أو ربّما قد تكون محليّة لكنّها ستتأثّر حتمًا بارتفاع الأسعار."
ويختم محذّرًا من أنّ" التضخّم سيصبح كبيرًا في الاقتصاد العراقي وستصاحبه فوضى اجتماعيّة وسياسية تتفاقم مع شحّ المياه وتراجع الانتاج الزّراعي وهذا القطاع الذي يشغّل نسبة عالية من السكان سوف يعاني من مشاكل كبيرة ربّما لن تنتهي بخير!"
في المحصلة، يُجمِعُ المحلّلون الاقتصاديّون العراقيّون على أنّ هذه الأزمة لن تنتهي بخير حيث يرى معظمهم أنّها ستنعكس فوضى متنوّعة في الشارع العراقي وهذا ما قد يدفع العراقي إلى سيناريو من اثنين: إمّا أن تزيد حكومة السوداني من قبضتها الأمنيّة ما قد يدفعها إلى التّعاون أكثر فأكثر مع مراجعها الأمنيّة في إيران وإمّا أن يتفلّت الشارع العراقي كلّيًّا ما قد يؤدّي إلى فوضى قد لا تكون منظّمة. ولعلّ هذا ما قد يسقط النّظام ويعيد الخارج من بوّابة الدّاخل. فهل قدر العراقيّين سيبقى مرتبطًا بالصفقات التي يبرمها الخارج في تسويات سياسيّة لتأمين مصالحه، ولا سيّما النفطيّة منها؟