اندفاع إيران إلى زيادة إنتاج النفط يصطدم بآفاق متقلبة
يستبعد الخبراء تحقيق إيران مبتغاها من زيادة إنتاج النفط في ظل المؤشرات العالمية المتقلبة التي تحذر من نذر عودة تخمة المعروض في الأسواق بسبب هدوء المبيعات وعدم تعافي الأسعار كما يتمناه أكبر منتجين في تحالف أوبك+، السعودية وروسيا.
تضع مسألة زيادة إنتاج النفط إيران أمام تحدي استثمار فرصة نهم الأسواق علها تبتعد عن فلك الأزمات المالية، التي تعاني منها لسنوات جراء سوء إدارة دفة الاقتصاد، لكن آمالها تصطدم بآفاق قاتمة للطلب قد تحبط جني المزيد من الدولارات.
ونقلت وكالة تسنيم الإيرانية شبه الرسمية للأنباء الأربعاء عن محسن خجسته مهر رئيس الشركة الوطنية للنفط (نيوك) قوله إن بلاده “ستنتج 250 ألف برميل نفط إضافي يوميا بنهاية الصيف” الحالي.
ولا تكشف الحكومة عن أرقام محددة تتعلق بالصادرات النفطية للبلاد، لكن مهر العضو المنتدب للشركة أكد أن “إنتاج النفط سيبلغ 3.5 مليون برميل يوميا في نهاية الصيف”.
ويأتي القرار في ظل خفض أوبك+، وهو تحالف بين أوبك وروسيا ودول أخرى، الإنتاج لدعم سوق النفط التي تتعرض الأسعار فيها لضغوط بفعل توقعات تفيد بأن ضعف الاقتصاد سيقلص حجم الطلب.
وتُصدر إيران، وهي خامس منتج في أوبك بعد السعودية والعراق والإمارات والكويت، كميات محدودة من النفط منذ أن انسحب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في 2018 من اتفاق نووي يعود إلى عام 2015 وأعاد فرض عقوبات تهدف إلى تقليص صادراتها.
وبلغت صادرات النفط الإيرانية قبل انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، منذ خمسة أعوام، حوالي 2.5 مليون برميل يوميا.
ويؤكد مسؤولون على دراية بما يستجد ضمن دوائر الحكم في إيران أن صناع القرار ليسوا في عجلة من أمرهم لإحياء الاتفاق النووي مع القوى العالمية لتخفيف العقوبات المفروضة على اقتصاد البلاد المعتمد على الطاقة، بعد أن ارتفعت أسعار النفط منذ أن غزت روسيا أوكرانيا.
وكانت طهران قد دخلت خلال 2021 في محادثات غير مباشرة مع الولايات المتحدة كسبيل لإنهاء العقوبات الأميركية، التي خفضت الإيرادات كثيرا وزادت في حدة الصعوبات الاقتصادية على الإيرانيين مما أثار حالة من الاستياء العام.
ويبدو أن طموح زيادة إنتاج النفط في إيران تلقّى دعما من الصفقة الموقّعة العام الماضي مع شركة غازبروم الروسية باستثمارات تصل إلى 40 مليار دولار.
كما تعوّل طهران على الآبار غير النشطة لتعزيز مستويات إنتاجها، فقد أصبحت تنظر إلى هذا الإجراء على أنه حلّ قصير الأجل لجني المزيد من العوائد.
وكان مهر قد أكد قد قبل أشهر أن نيوك تعمل على تطوير مشاريع عديدة تمهيدا لزيادة إنتاج النفط والغاز بحلول العام المقبل.
وسجلت صادرات إيران وإنتاجها من الخام مستويات مرتفعة جديدة هذا العام رغم العقوبات الأميركية، وذلك بحسب شركات استشارية وبيانات شحن، وهو ما يعزز الإمدادات العالمية في وقت تقلص فيه دول أخرى إنتاجها.
وأظهرت بيانات كبلر، وهي شركة مزودة لبيانات تدفق شحنات النفط، أن صادرات الخام الإيرانية تجاوزت 1.5 مليون برميل يوميا في مايو الماضي، وهو أعلى مستوى شهري منذ 2018.
وتتدفق معظم شحنات الخام الإيراني إلى السوق الصينية، حيث تقتنص بكين، أكبر مستورد في العالم، البراميل مخفضة السعر.
ويعد انتعاش المبيعات أكثر علامة ملموسة إلى حد الآن على أنَّ إيران تعيد فرض نفسها على الساحة، بينما لا تزال تعاني مالياً جراء سنوات الحصار.
وربط البعض من المتابعين هذه العودة بشروع طهران في إصلاح العلاقات مع المنافسين الإقليميين، وفي مقدمتهم السعودية، وتعزيز شراكاتها مع القوى البارزة في آسيا وأيضا روسيا إلى درجة أنَّها بدأت بالانخراط في مفاوضات دبلوماسية مع الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من ذلك فإنَ الإمدادات الإضافية تضعف الثقة في سوق النفط التي تدهورت بسبب النمو الاقتصادي المتعثر وشحنات التصدير الروسية الرخيصة، مما يفسد جهود شركاء إيران في تحالف أوبك+ لمنع أسعار النفط الخام من الهبوط دون مستوى معين.
وأوضح هومايون فلكشاهي، كبير محللي كبلر، في تصريح لوكالة بلومبرغ أن صادرات إيران من الخام تخيم على التوقّعات حيث تجذب بشدة من لديهم الاستعداد لتحمل مخاطرة الشراء.
وتشير بعض التحليلات إلى أنه في ضوء “سيناريو واقعي” تستطيع طهران الاعتماد على سعر نفط أقلّ من 80 دولارا للبرميل خلال هذا العام، في ظل تضاؤل فرص حصول زيادة كبيرة في أسعار النفط العالمية.
وصعدت العقود الآجلة لخام برنت الأربعاء 22 سنتا بما يعادل 0.3 في المئة إلى 86.39 دولار للبرميل، بينما ارتفع خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 19 سنتا أو 0.2 في المئة إلى 83.11 دولار للبرميل.
ويقدر مركز البحوث التابع للبرلمان الإيراني أن يصل إجمالي إيرادات الخام للبلاد إلى حوالي 27.3 مليار دولار بنهاية العام الجاري.
ومع أن الرقم أقل من إيرادات العام الماضي البالغة 54 مليار دولار مازال للعقوبات تأثير كبير على الحياة اليومية في إيران حيث يواجه قطاع الأعمال والأسر الأقل دخلا ارتفاعا في معدلات التضخم وتراجعا في قيمة العملة وزيادة في نسبة البطالة.
ويؤكد مسؤولون حكوميون سابقون ومهتمون بالشأن الإيراني أن الشعور بمزايا ارتفاع عائدات النفط ليس محسوسا بين الكثير من الناس.
وسبق أن أكد المحلل الإيراني سعيد ليلاز أن مشكلات إيران الاقتصادية الداخلية، ومنها سوء الإدارة والفساد اللذان يبددان العائدات المطلوبة للاستثمار والتنمية وتوفير فرص العمل، تشكل للمؤسسة تحديا أكبر من العقوبات.
ويبلغ معدل التضخم الرسمي أكثر من 45 في المئة في حين يقدره البعض بأكثر من 70 في المئة، كما أن حوالي نصف سكان إيران البالغ عددهم نحو 82 مليون نسمة يعيشون تحت خط الفقر.
وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن نسبة البطالة أعلى بكثير من النسبة الرسمية البالغة 11 في المئة. وكثيرا ما تعلن وسائل الإعلام الرسمية عن تسريح عمالة وعن إضرابات عمال لم يتقاضوا أجورهم منذ أشهر ومنهم من يعملون في مصانع حكومية.