الاقتصاد الصيني يقع في فخ أزمة انكماش الأسعار

ينظر المحللون بعين القلق للأعراض السلبية التي قد تبرز مع مرور الوقت على الاقتصاد الصيني مع تدحرج الأسعار نحو قاع الانكماش، وسط مخاوف من أن تنعكس هذه الحالة على بقية دول العالم التي تحاول أصلا كسر جدران المشكلات التي تعترضها.

كم يبلغ سعر البطيخ في بلدانكم؟

بكين

دخل قطاع المستهلكين في الصين مرحلة انكماش للأسعار وواصلت أسعار المنتجين تراجعها في يوليو في الوقت الذي يكافح فيه ثاني أكبر اقتصاد في العالم لإنعاش الطلب، ومع تزايد الضغط على بكين لاتخاذ المزيد من إجراءات التحفيز المباشرة.

وإن كان تراجع الأسعار يبدو من حيث المبدأ مفيدا للقدرة الشرائية، إلا أنه يشكل في الواقع خطرا على الاقتصاد ككل حيث يحمّل المستهلكين على إرجاء مشترياتهم بدل الإنفاق، على أمل الاستفادة من تراجع إضافي في الأسعار.

ومع تراجع الطلب، تضطر الشركات إلى خفض إنتاجها وتجميد عمليات التوظيف أو حتّى تسريح موظفين، وتقر تخفيضات جديدة لتصريف مخزونها، ما يؤثر على مردوديتها مع بقاء تكاليفها بمستواها.

ويتصاعد القلق من أن تكون الصين بصدد مرحلة من التباطؤ الشديد في النمو تشبه ما تسمى بفترة “العقود الضائعة” في اليابان التي شهدت ركودا في أسعار المستهلكين والأجور على مدى جيل كامل، ما سيتناقض بوضوح مع التضخم السريع في باقي دول العالم.

وتباطأ تعافي الصين بعد الجائحة عقب بداية سريعة في الربع الأول مع ضعف الطلب الداخلي والخارجي وفشل حزمة من السياسات الهادفة لتحفيز الاقتصاد في دعم النشاط.

وقال المكتب الوطني للإحصاء الأربعاء إن مؤشر أسعار المستهلكين انخفض 0.3 في المئة على أساس سنوي في يوليو مقارنة مع متوسط تقديرات بانخفاضه 0.4 في المئة في استطلاع أجرته رويترز. وهذا هو أول انخفاض للمؤشر منذ فبراير 2021.

وبعدما كان التضخم بنسبة الصفر قبل شهر، توقع محللون استطلعت وكالة بلومبرغ آراءهم انكفاء الأسعار، إنما بنسبة أكبر قدرها 0.4 في المئة.

وعلى سبيل المقارنة، بلغت نسبة التضخم في السوق الفرنسية خلال يونيو الماضي حوالي 4.5 في المئة وفي الولايات بلغت 3 في المئة خلال الشهر ذاته.

ورأى المحلل كين تشونغ من مصرف ميزوهو الياباني في تعليق لوكالة فرانس براس أن "الانكماش المالي يعكس واقع تباطؤ الانتعاش في الصين وضرورة اعتماد خطة نهوض قوية لتحفيز طلب غير كاف".

ويوصي الكثير من الخبراء الاقتصاديين بمثل هذه الخطة لدعم النشاط الاقتصادي. غير أن السلطات تكتفي حاليا بتدابير محدودة وإعلان نوايا تجاه القطاع الخاص دون تحقيق نتائج مقنعة.

ورأى الخبير الاقتصادي تشيوي تشان من شركة بينبوينت أسيت ماناجمنت أن الأرقام الاقتصادية الجديدة قد تضع الحكومة “تحت الضغط” وتحضّها على مراجعة موقفها.

في المقابل، اعتبر المحلل تيم واترير من دار الوساطة في البورصة كاي سي.أم ترايد أن “هذه الأرقام سيئة، لكن هل هي سيئة إلى حد يدفع بكين إلى اتخاذ تدابير جديدة على الفور؟”.

وشهدت الصين فترة قصيرة من انكماش الأسعار في نهاية 2020 ومطلع 2021، نجم عن انهيار أسعار لحوم الخنزير، الأكثر استهلاكا في البلد. وتعود فترة انكماش الأسعار السابقة إلى 2009.

ويخشى الكثير من المحللين هذه المرة أن تكون الفترة أطول في ظل تعثر محركات النمو الرئيسية في الصين وارتفاع بطالة الشباب إلى مستوى قياسي تخطى 20 في المئة.

ورأى الخبير الاقتصادي أندرو باتسون من مكتب غافيكال دراغونوميكس أن أزمة القطاع العقاري الذي لطالما مثّل ربع إجمالي الناتج المحلي في الصين، هو السبب “الرئيسي” لهذه “الصدمة الانكماشية”.

والصين هي أول اقتصاد في مجموعة العشرين يسجل انخفاضا على أساس سنوي في أسعار المستهلكين منذ آخر مرة سجلت فيها اليابان قراءة سلبية لمؤشر أسعار المستهلكين العام في أغسطس 2021.

ويزيد هذا المخاوف إزاء تضرر الأعمال بين الشركاء التجاريين الرئيسيين.

وقال جاري نج محلل أول للاقتصاد في ناتيكسيس لمنطقة آسيا والمحيط الهادي “بالنسبة إلى الصين، يبدو الفارق بين قطاعي التصنيع والخدمات واضحا بشكل متزايد مما يعني أن الاقتصاد سينمو بوتيرتين مختلفتين في بقية 2023 خاصة مع تجدد مشكلة العقارات”.

وأضاف لرويترز “كما يظهر ذلك أن تعافي الاقتصاد الصيني الأبطأ من المتوقع ليس قويا بما يكفي لتعويض ضعف الطلب العالمي ويرفع أسعار السلع الأولية”.

وبالتوازي مع انكماش أسعار الاستهلاك هبط مؤشر أسعار المنتجين للشهر العاشر على التوالي بتراجعه 4.4 في المئة وهو ما تجاوز التوقعات بانخفاضه 4.1 في المئة.

ويعكس هذا المؤشر الذي يعتبر مقياسا لكلفة البضائع عند خروجها من المصانع، وضع الاقتصاد بصورة عامة، وسبق أن تراجع بنسبة 5.4 في المئة خلال شهر يونيو الماضي. ويؤدي انكماش أسعار الانتاج إلى تقليص هامش الربح للشركات.

وصدرت هذه الأرقام الجديدة غداة نشر نتائج مخيبة للآمال للصادرات الصينية التي تشكل تقليديا دعامة أساسيّة للنمو، والتي تعتبر الأسوأ منذ أكثر من ثلاث سنوات.

وسجلت الصين الشهر الماضي أكبر تراجع في صادراتها بوتيرة سنوية منذ العام 2020 بلغ 14.2 في المئة تحت وطأة طلب عالمي ضعيف وتباطؤ داخلي.

وينعكس هذا الوضع مباشرة على عشرات الآلاف من الشركات التي باتت تواجه تباطؤا في نشاطها. وتجعل هذه الظروف من الصعب على الصين تحقيق هدف النمو الذي حددته الحكومة بحوالي 5 في المئة لهذه السنة.

ولم يتعدّ النمو الاقتصادي الصيني نحو 0.8 في المئة بين الربعين الأول والثاني من 2023، بحسب الأرقام الرسمية.

وفي هذه الأثناء، أعطت الحكومة الصينية تعليمات لخبراء الاقتصاد بعدم نقل أنباء تثير الهلع وخصوصا بشأن انكماش الأسعار، بحسب ما أوردت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية ووكالة بلومبرغ.