القانون يزيل البعد السياسي عن انتقاد الأسرة المالكة ويدخله في باب الجنح

المصادقة على قانون الجرائم الإلكترونية غلق لملف فوضى قضية الأمير حمزة

هل يبدد القانون قلق الأسرة الهاشمية

عمان

أصدر العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني السبت مرسوما بالموافقة على مشروع قانون الجرائم الإلكترونية الذي أثار جدلا واسعا في البلاد مؤخرا، وكان نشطاء يراهنون على أن الملك عبدالله الثاني لن يوقع على المرسوم لما فيه من مسّ بحرية التعبير.

ويظهر إصدار المرسوم أن القانون منذ البداية كان برغبة من جهات عليا في المملكة، وأن المصادقة عليه تهدف إلى غلق ملف فوضى قضية الأمير حمزة التي جعلت الحديث عن أخبار الأسرة الحاكمة ومشاكلها أمرا مشاعا، وحوّلتها إلى قضية رأي عام، بينما هي خليط بين الخاص والسري والمواقف داخل الأسرة.

وفتح الجدل حول قضية “الفتنة” المجال لآخرين لتبني مواقف الدفاع عن “مشاركين” في المؤامرة مما شكل ضغطا على العرش لكي يغلق الملفات الجانبية ويركز على متهم واحد أو متهمين.

لكن الأمر الآن سيكون مختلفا، فوجود قانون الجرائم الإلكترونية يعني أن الحديث في القضايا التي تتعلق بالأسرة المالكة سيترك من أول لحظة بيد سلطة إنفاذ القوانين، وهو ما يزيل عنها البعد السياسي ويدخلها في باب الجنح، ويجعل من الصعب على أيّ كان انتقادها.

ومقاربة العاهل الأردني لقانون الجرائم الإلكترونية مختلفة عن مقاربة الآخرين، فمن من وجهة نظر الملك هذا القانون تمت المصادقة عليه حماية للأسرة المالكة وللناس من الانسياق في ما لا يعنيهم باسم حرية الرأي، فيما يعتبر من وجهة نظر الآخرين ضغوطا لمنع الناس من الحديث في الشأن العام.

وبعد قضية “الفتنة” والصدى الإعلامي والشعبي الواسع الذي قوبلت به، باتت الأسرة الحاكمة تشعر بأنها عاجزة عن وقف التسريبات حول أخبارها على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة ما يخص الخلافات. ويأتي إقرار قانون الجرائم الإلكترونية كمحاولة للسيطرة على هذه التسريبات، وإفهام الناس أن الأسرة محمية بالقانون.

ويعاقب القانون بعض المنشورات على الإنترنت بالسجن لمدة أشهر وغرامات مالية. ويشمل ذلك التعليقات التي تروّج أو تحضّ أو تساعد على الفجور أو تظهر “ازدراء الدين” أو “تقوض الوحدة الوطنية”.

ولا يخفي وجود هذه الصيغ العامة والفضفاضة للتهم أن الهدف منها هو تمرير فكرة “تقويض” الوحدة الوطنية، التي يرتبط تفسيرها القانوني بفكرة التعريض بالأسرة المالكة أو تناقل أخبار الخلافات، وإعطاء الحرية للأجهزة الأمنية لمتابعة المغردين الذين لا يلتزمون بضوابط القانون.

ويعاقب القانون النشطاء الذين ينشرون أسماء أو صور ضباط الشرطة على الإنترنت، ويحظر طرقًا معينة للحفاظ على إخفاء الهوية عبر الإنترنت.

وتنص عقوبة المادة 15 بالحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر، وبغرامة تتراوح بين 5 آلاف (نحو 7 آلاف دولار أميركي) إلى 20 ألف دينار (نحو 28 ألف دولار) عقب تخفيضها من 40 ألف دينار (نحو 56 ألف دولار).

وسعت حكومة بشر الخصاونة إلى التهوين من استهداف القانون لحرية التعبير. وقالت إنه “لا يهدف إلى الحد من الحريات”، وإنما إلى معالجة “المعلومات المضللة” و”خطاب الكراهية” و”التشهير عبر الإنترنت”.

وقال الخصاونة إن القانون لا يتعارض مع الدستور الأردني “الواضح والمتوازن”.

واعتبر وزير الاقتصاد الرقمي والريادة أحمد الهناندة أنّ الغرامات المالية والعقوبات في مشروع قانون الجرائم الإلكترونية “تتناسب مع الضرر الواقع جراء الجرائم الإلكترونية”.

ودعا رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي إلى التفريق بين الحرية المسؤولة وبين الإساءة والتشهير وتبني الإشاعة الهدامة، معتبرا أن “مسألة العقوبة والغرامات باتت ضرورية بحق المسيئين والممارسين للابتزاز واستهداف المجتمع وسلامته”.

وأثار القانون انزعاج الصحافيين ونشطاء حقوق الإنسان والجماعات المؤيدة للديمقراطية الذين أبدوا قلقهم من أن صياغته الغامضة ستحدّ من حرية التعبير، وأن تجريم المحادثات عبر الإنترنت سيسمح بالمزيد من قمع المعارضين.

وقال صالح العرموطي عضو البرلمان ونائب زعيم المعارضة إن الأردن سيتحول إلى “سجن كبير”.

ورأى العرموطي أن القانون “توسّع” في تجريم الأفعال في النشر الإلكتروني دون تمييز النشر في وسائل الإعلام عن منصات التواصل الاجتماعي، حتى وإن “اشتمل النشر على أخطاء بسيطة وضئيلة”، عدا عن تحميل المواقع الإلكترونية والناشر المسؤولية القانونية عن التعليقات.

وانتقدت واشنطن، المانح الرئيسي للأردن، الإجراء قائلة إنه قد يؤثر على حرية التعبير. وتعتبر واشنطن الأردن حليفا رئيسيا في منطقة الشرق الأوسط.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيدانت باتيل “مثل هذا القانون، بما يحتوي عليه من تعريفات ومفاهيم غامضة، يمكن أن يقوّض جهود الإصلاح الاقتصادي والسياسي في الأردن ويقلص بصورة أكبر الحيز المدني الذي يعمل فيه الصحافيون والمدونون وغيرهم من أعضاء المجتمع المدني في الأردن”.

ولم يكن القانون وليد اللحظة، فقد عملت السلطات على تمريره في السابق، لكن الظروف لم تكن ملائمة.

وعام 2018 قررت الحكومة الأردنية السابقة، برئاسة عمر الرزاز، الموافقة على مشروع قانون معدل لقانون الجرائم الإلكترونية، وإرساله إلى مجلس النواب للمضي قدما في إجراءات إقراره وفق القنوات الدستورية.

لكن حكومة الرزاز اضطرت آنذاك إلى سحبه بناء على طلب المجلس، بعدما أثار انتقادا واسعا في البلاد، بسبب ما يحتويه من عقوبات مغلّظة على مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي اعتُبِرت تقييدًا للحريات.