واشنطن تسعى لشراكة أمنية إستراتيجية مع بغداد رغم العقبات السياسية

المحادثات الدفاعية تفتح طريق السوداني إلى الولايات المتحدة

يقول محللون إن ضبط العراق للميليشيات ولحدوده المنفلتة سيفتح الباب واسعاً أمام تعاون إستراتيجي شامل مع الولايات المتحدة يتخطى البعد الأمني ليشمل البعد الاقتصادي والتنموي أيضا، إلا أن الطريق نحو ذلك تعترضه تحديات عراقية داخلية وحسابات سياسية.

المحادثات الدفاعية مدخل لشراكات أوسع

بغداد

كرست المحادثات التي أجراها وزير الدفاع العراقي ثامر العباسي مع نظيره الأميركي لويد أوستن ومسؤولين كبار آخرين في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) تحالفا إستراتيجيا بين البلدين يعزز دور الولايات المتحدة الأمني في العراق، ويسهم في "دعم استقراره" وتوطيد علاقات التعاون الاقتصادي بين البلدين.

وتقول مصادر أميركية رافقت المحادثات إن نتائج المباحثات تجاوزت أغراض التعاون الدفاعي لتشمل تعهدات سياسية وأمنية واقتصادية، من المتوقع أن يتم إقرارها بصفة نهائية عندما يقوم رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بزيارة باتت منتظرة إلى واشنطن.

وتقف الميليشيات الشيعية الولائية ذات الثقل السياسي الأكبر في العراق عقبة أمام رفع مستوى الشراكة الإستراتيجية مع الولايات المتحدة ، إذ لدى الحرس الثوري الإيراني نفوذ كبير في العراق، كما أن إيران تستعمل الأراضي العراقية لمناكفة واشنطن والعبور إلى سوريا.

وكانت الولايات المتحدة تعهدت خلال المباحثات التي أجراها الفريق المرافق للعباسي بتقديم المزيد من الدعم العسكري للعراق، بما في ذلك الأسلحة والمعدات والتدريب. ومواصلة التنسيق الأمني، والعمل المشترك للقضاء على داعش، وكذلك تعزيز الاستقرار في العراق، في إشارة إلى عزم واشنطن على ضمان منع تعرض نظامه السياسي القائم لهزات أمنية، وذلك في مقابل التزام بغداد بإجراء انتخابات حرة ونزيهة.

وتشكل الاتفاقات التي تم التوصل إليها، خطوة أبعد من الاتفاقات الإستراتيجية التي تم التوقيع عليها في 27 يوليو 2022، خلال زيارة رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي إلى واشنطن، والتي شملت تعزيز التعاون في مجال الأمن والدفاع، ودعم العراق في جهوده لمكافحة الإرهاب، ودعم جهوده لبناء الدولة وتحقيق التنمية الاقتصادية وحماية حقوق الإنسان.

وتعد زيارة العباسي رفقة قادة عسكريين كبار إلى واشنطن هي الأرفع التي يقوم بها مسؤولون عراقيون للولايات المتحدة منذ تشكيل حكومة السوداني في أكتوبر من العام الماضي، حيث ضم الوفد قائد جهاز مكافحة الإرهاب الفريق الأول الركن عبدالوهاب الساعدي ورئيس أركان الجيش الفريق أول قوات خاصة الركن عبدالأمير رشيد يارالله، ونائب قائد العمليات المشتركة الفريق الأول الركن قيس المحمداوي ومسؤولين كبارا آخرين.

والتقى العباسي والوفد المرافق له بالعديد من المسؤولين العسكريين الأميركيين، على رأسهم وزير الدفاع لويد أوستن ومساعدته سيليست واندر وممثلين أميركيين عن هيئة الأركان المشتركة ووكالة التعاون الأمني الدفاعي والقيادة المركزية الأميركية ووزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي.

وفي إطار التفاهمات المعلنة الجديدة بين واشنطن وبغداد، اتخذت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الخطوة الأولى لأجل الإجابة على تساؤلات الكونغرس الأميركي حول كيفية تخطيط البنتاغون في التعامل والتعاون مع القوات العراقية لتعمل بمفردها، في ما بعد إلحاق الهزيمة بتنظيم داعش.

وكانت مسؤولة سياسة الشرق الأوسط في البنتاغون دانا سترول أوضحت المعنى من هذا الهدف بالقول “نرغب بشراكة معهم كالشراكة التي لدينا مع الجيوش في بقية أنحاء المنطقة، وبذلك فإن القوات الأميركية لن تكون موجودة في العراق بالشكل الحالي الذي هي عليه الآن".

وتقول تقارير أميركية إن نهج إدارة الرئيس جو بايدن تجاه العراق ركز بدرجة كبيرة على الحملة لإلحاق الهزيمة بداعش، ومع توجه التنظيم الارهابي إلى العمل السري، فإن واشنطن تسعى لجلب استثمارات اقتصادية إلى العراق للمساعدة في استقرار اقتصاده وتحقيق تقارب بينه وبين جيرانه الخليجيين، بما في ذلك الشراكات العسكرية.

ونقل موقع المونيتور عن السفيرة الأميركية في العراق إلينا رومانوفسكي قولها إن "الوقت قد حان الآن من أجل اغتنام هذه الفرصة، ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني منفتح جدا على ذلك". كما نقل عن سترول إشارتها إلى “وجود فرص لتسهيل اندماج العراق مع الشركاء في دول مجلس التعاون الخليجي، وإن ذلك يمكن تحقيقه أيضا من خلال التدريبات العسكرية والانخراط العسكري".

وبحسب مسؤولين أميركيين، فإن شبكات داعش التي تسعى لشنّ هجمات في العراق وسوريا، قد تم تقليصها لتتحول إلى تمرد منخفض المستوى مع قدرة محدودة على تنفيذ عمليات خارجية، مشيرين إلى تراجع بنسبة 64 في المئة في هجمات داعش في العراق خلال العام الماضي. وقال قائد قوات التحالف في العراق الجنرال ماثيو ماكفرلين "نحن نركز الآن على بناء قدراتهم (الجيش العراقي) لتنفيذ أكثر من عملية واحدة في وقت واحد والبناء عليها في كافة أنحاء العراق".

وبحسب المسؤولين الأميركيين، فإن جزءاً من مناقشات العباسي في البنتاغون كان الهدف منها تحديد المعايير المتفق عليها بشكل متبادل للانتقال إلى المرحلة النهائية لمهمة هزيمة داعش. ويرى الصحافي بيبر غانم أن "ضبط العراق لمنظومة القيادة والسيطرة في قواته المسلحة سيفتحان الباب واسعاً أمام تعاون مع الأميركيين، ولو تمكّن أيضاً من ضبط الميليشيات والحدود، سيتمكّن الطرفان من الذهاب بعيداً في علاقة عسكرية بين دولة إقليمية ونفطية ذات وزن، مع دولة لديها قوة عسكرية أكبر من كل دول أوروبا مجتمعة".

ويضيف غانم “ينظر الأميركيون الآن إلى أن القوات العراقية هي قوات على قدرة جيدة في شؤون مكافحة الإرهاب، وسيكون التحدّي الكبير لدى الطرفين هو تحويل هذه القوة العسكرية العراقية إلى جيش يعمل مع الأميركيين في تحقيق أهداف الردع المدمج والأمن الإقليمي".

وفي إشارة إلى سعة المجالات التي تناولتها المحادثات، نقل موقع “صوت أميركا” عن مسؤول في وزارة الخارجية القول إن المحادثات قدمت “إشارة إلى أن العراقيين يريدون منتجات أميركية ويريدون أعمالا تجارية أميركية، ونود أن نواصل توسيع مشاركتنا في مجال الطاقة، لاسيما في مساعدة العراقيين على بناء قدر أكبر من الاكتفاء الذاتي في قطاع الطاقة لديهم".

وكانت سترول قالت إن بلادها مهتمة بإقامة علاقة دفاعية دائمة مع العراق ضمن شراكة إستراتيجية لسنوات عديدة قادمة. وأضافت "هذا هو السبب في أن هذا الحوار بالغ الأهمية.. علينا أن نعمل مع العراقيين على صورة شاملة للاستفادة من تلك الموارد الدفاعية والأمنية".