حادث الكحالة يقضي على فرص التسوية لانتخاب رئيس في لبنان

انقلاب شاحنة حزب الله المعبأة بالأسلحة أخرج إلى العلن ما كان الناس يخفونه بشأن كراهية سلاح حزب الله والانزعاج من نفوذه المتزايد.. ويظهر الجدل حول الحادثة أنها ستؤثر بشكل سلبي على فرص التسوية، وخاصة التوافق حول مرشح الحزب للرئاسة سليمان فرنجية.

سلاحنا أهم من الرئيس

بيروت

دفع التوتر الذي صاحب حادث انقلاب شاحنة أسلحة وذخائر تابعة لحزب الله في بلدة الكحالة (قضاء عالية في محافظة جبل لبنان) أطرافا سياسية عدة إلى إعلان مواقف تؤكد القطيعة مع حزب الله في شأن أي تسوية محتملة لحل أزمة الفراغ الرئاسي.

ويقول مراقبون إن الهدوء الأمني الذي ساد محاولات العثور على صيغة ما للخروج من المأزق تبدد الآن ليضع الجميع على صفيح ساخن، إلى حد أن أصبحت المطالبات بالعودة إلى حمل السلاح في مواجهة سلاح حزب الله أمرا شائعا.

وكان مرور الشاحنة في بلدة الكحالة المسيحية يشكل بحد ذاته استفزازا. وزاد الأمر سوءا عندما بدأ عناصر حزب الله المكلفون بحماية الشاحنة بإطلاق النار على الجمهور الذي تجمع من حولها، الأمر الذي انتهى إلى اشتباك أدى إلى مقتل شخصين أحدهما من عناصر حزب الله، والآخر من مواطني الكحالة.

وبينما كانت الأنظار تتجه إلى شهر سبتمبر المقبل، حيث يعود الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان لعرض صياغة للحوار، فإن الأجواء المتلبدة بالتوترات تشير الآن إلى أن هذا الحوار قد لا يبدأ أصلا، وإذا بدأ، فإنه لن يصل إلى النتيجة المرجوة منه.

حادث الكحالة، كما يقول مسؤولون في المعارضة المسيحية، بدّد فرص القبول بمرشح حزب الله سليمان فرنجية كليا، حتى ولو شمل ضمانات بتلبية مطالب سياسية. لأن التغطية على سلاح حزب الله أصبحت من آخر المكروهات التي يمكن قبولها في الوسط المسيحي.

ورفض النائب سامي الجميل رئيس حزب الكتائب أي توجه إلى حمل السلاح. إلا أن مصادر من حزب الكتائب قالت “إن الكتائب تعتبر لبنان مخطوفاً واللبنانيين رهينة بيد حزب الله وكل الاستحقاقات الدستورية أصبحت أيضاً رهينة إرادته، وذلك ما ثبت بالتعطيل ومنطق الفرض".

وأضافت هذه المصادر القول “إننا لم نعد في لحظة سياسية تقليدية، فعلى حزب الله أن يقرر إذا كان يريد العيش مع باقي اللبنانيين تحت سقف الدستور والمساواة أم لا.. أما نحن، فنعتبر أنه لا فائدة من جميع النقاشات السياسية التقليدية التي تحولت إلى ملهاة عن القضية الأم وهي استعادة قرار اللبنانيين ودولتهم، وسنعمل على تجميع القوى للصمود داخلياً والمطالبة دولياً بتطبيق القرارين الدوليين 1559 و1701 وإيجاد حل جذري لمشكلة السلاح مستعملين جميع الأدوات السلمية الموجودة بين أيدينا".

وأكد النائب زياد الحواط عضو تكتل "الجمهورية القوية" الذي يرأسه زعيم حزب القوات اللبنانية سمير جعجع أن "المواجهة مع حزب الله أصبحت علنية، وسنقوم بكل ما يلزم لمنع وصول رئيس للجمهورية من محور الممانعة، وعلى حزب الله أن يفهم أن سلاحه أصبح بلا بيئة حاضنة له، كما أن الحزب لا يمكنه أن يفرض السيطرة والهيمنة بقوة السلاح".

وقال نائب رئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب سليم الصايغ إن “حزب الله بات ضعيفاً ولا قضية له بعد فضيحة ترسيم الحدود البحرية وتهريبه لاتفاقية الغاز والنفط، واعترافه بدولة إسرائيل، ولشدّ العصب يقومون بعراضات وتجميع أوراق”. ولفت إلى أنه “على قوى المعارضة أن تدرك جيدا أنها تواجه حزب الله بكل أبعاده الثقافية، وبالتالي لا مكان للتذاكي عليه والبحث عن تسويات".

وفي إشارة إلى خطط الحوار المزمع، قال عضو كتلة "تجدد" النائب أديب عبدالمسيح "إننا كمعارضة بتنا ندرك طريقة التحضير للخطوات الرئاسية، وطريقة المعارضة المقبلة ستكون بخطاب موّحد وخطي من موضوع الحوار أو لقاء لودريان خلال الأسابيع المقبلة".

وعلى الرغم من أن الأطراف اللبنانية كافة تعرف حجم تسلح حزب الله، إلا أن مرور الشاحنة من البقاع في الطريق إلى بيروت، أظهر أن الحزب لا يراعي الحساسيات السياسية ولا يأبه للذين يعارضون سلاحه، وأنه ماض في السعي إلى فرض المزيد من قوته العسكرية، ويريد أن يتولى الرئاسة مرشح يضمن له تفوق هذا السلاح على الدولة نفسها، وليس فقط على المدن والبلدات التي ترفض امتداد سلاحه إليها.

ويقول مراقبون إن الأجواء الأمنية الملتهبة، سواء بعد حادث الكحالة، أو بعد عملية اغتيال المسؤول السابق في حزب القوات اللبنانية إلياس الحصروني، تشير إلى أن البيئة السياسية تلتهب بدورها إلى درجة تتراجع معها فرص التعايش مع أي من خيارات حزب الله.

وكتب النائب وضاح الصادق عبر منصة “أكس” يقول إن “حادثة الكحالة كان يمكن أن تحصل في أي منطقة أخرى من لبنان، وإن المشكلة جذرية وتهدّد وطنا بكامله. الشراكة مهدّدة وقد نصل إلى ما لا يحمد عقباه".

ومع الأوضاع التي تمضي في ظل انهيار سلطة الدولة، حيث لا قانون ولا قضاء، وحيث ينسحق اللبنانيون في ظل أزمة اقتصادية وانهيار نقدي وتدهور معيشي حاد، فإن الدعوات إلى “حمل السلاح في مواجهة سلاح حزب الله” حتى وإن تبدو خيارا مرفوضا بالنسبة إلى أحزاب المعارضة، إلا أنها تثار في بيئة سياسية تزداد فيها القناعات بأن التعايش مع حزب الله بات عسيرا.

ويقول الكاتب علي حمادة إن حادثة الكحالة كشفت حجم الرفض لسلوك حزب الله ولما يمثله في سياق مشروع غلبة يزحف شيئاً فشيئاً لابتلاع لبنان، مما يدفع إلى أن “المزاج الغالب في جميع البيئات بات أكثر راديكالية تجاه ‘تكتيك’ اللعب تحت الطاولة والتواطؤ مع طرف صارت الهوة بينه وبين غالبية اللبنانيين عميقة إلى أبعد الحدود".