البرهان يعرقل المبادرات السياسية بخطاب فضفاض

البرهان يصر على مناوراته

الخرطوم

انتهز الفريق أول عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة فرصة حلول الذكرى الـ69 لتأسيس القوات المسلحة السودانية ليُلقي خطابا فضفاضا يوحي فيه بأن الجيش حقق تقدما على قوات الدعم السريع، في خطوة قد تعرقل المبادرات السياسية الساعية لوقف الحرب.

وحاول البرهان في الخطاب الذي ألقاه عبر التلفزيون الرسمي الاثنين أن يشير إلى وجوده على رأس الجيش في الميدان، بينما هو يلقي كلمته من غرفة تحت الأرض.

وبعث البرهان رسالة بشأن تنصله من التعاون مع جهود محلية وإقليمية ودولية لوقف الحرب بشكل سريع وعدم المجازفة بتحريك الجمود الحاصل في مفاوضات جدة التي ترعاها وساطة أميركية – سعودية عندما تطرق إلى ما وصفه بـ”المؤامرة” التي يواجهها السودان، زاعما أن “قوات الدعم السريع متعطشة إلى السلطة”.

ولم يذكر الجنرال، الذي حاول أن يحافظ على هيبة المؤسسة العسكرية بعد ما تعرضت له من انتكاسات عديدة، طبيعة المؤامرة والجهات الضالعة فيها بشكل محدد، وركّز حديثه على تشويه خصمه اللدود قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) والسعي لاستهدافه سياسيا.

 وتعمد البرهان تجاهل الأسباب الحقيقية التي أدت إلى اندلاع الحرب، وفي مقدمتها رفضه تسليم السلطة إلى حكومة مدنية بموجب الاتفاق الإطاري، والنكوص على ما تضمنه من بنود سياسية، وقيامه بمنح فلول النظام السابق فرصة اختراق الجيش والتجهيز لانقلاب عسكري جديد يخلط الأوراق ويجنبه تسليم السلطة.

وفي الوقت الذي تسعى فيه قوى الحرية والتغيير (جناح المجلس المركزي) إلى إيجاد صيغة شاملة للسلام من خلال اجتماع عقدته في أديس أبابا الاثنين، شاركت فيه قيادات وأحزاب متباينة، ظهر حديث البرهان بعيدا عما تقوم به جهات سودانية لوقف الحرب، ملمحا تلميحا طفيفا إلى تغيير قواعد اللعبة.

ورغم أن تصورات الجنرال البرهان المتباينة وتحالفه مع فلول النظام السابق ورضوخه لمطالبهم أدت إلى المأزق الراهن، فإنه عرّج على العملية السياسية بإشارة مبهمة، ويظهر ذلك من خلال عبارة “الوصول إلى صيغة سياسية محكمة وعادلة ومقبولة تصل بالبلاد إلى محطة الانتخابات”.

وقال المحلل السياسي السوداني محمد تورشين إن “الخطاب الذي أدلى به قائد الجيش يصب في اتجاه تصريحاته السابقة منذ اندلاع الحرب التي يحمّل فيها قوات الدعم السريع مسؤولية الانتهاكات التي ترتكب في الخرطوم وبعض المدن السودانية”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “الخطاب رغم أنه استمر في استخدام اللغة التي تشير إلى اقتراب الحسم العسكري، فإنه هذه المرة كان أقل حدة من المرات السابقة، وهو ما يؤشر على إمكانية القبول بتسوية ما من خلال الاتصالات غير المعلنة التي تبحث عن حل”.

ولفت إلى أن البرهان تعمد إيصال رسالة إلى القوى السياسية بشأن إمكانية إيجاد قاعدة تفاوض جديدة معها عقب نهاية الحرب من أجل التوصل إلى صيغة يمكن من خلالها استكمال مسار الفترة الانتقالية حتى الوصول إلى الانتخابات.

وأشار تورشين إلى أن المعنيّ بهذه الرسالة هو تحالف قوى الحرية والتغيير والقوى السياسية المؤثرة، ولذلك يُفْهَم من الخطاب أن هناك رسالة سياسية مقدمة من القوات المسلحة إلى القوى الفاعلة على الساحة التي تشكك في توجه البرهان نحو المسار الديمقراطي، حال انتهت الحرب لصالحه.

لكن متابعين آخرين قالوا لـ”العرب” إن “البرهان مازال خاضعا لرؤية قيادات في المؤتمر الوطني المنحل والحركة الإسلامية، وهما لا تريدان الانخراط في مفاوضات جادة لوقف الحرب، فالعودة إلى العملية السياسية تعني منع مشاركتهم في المشهد العام”.

ويضيف هؤلاء المتابعون أن خطاب البرهان في ذكرى تأسيس الجيش جاء حماسيا لرفع معنويات من تبقى من جنوده في ميدان المعركة، متعمدا الانحياز للمؤسسة العسكرية باعتبارها قادرة على إفشال ما أشار إليه من مؤامرات.

وفسح الخطاب المجال لتأويلات عديدة تتعلق بطبيعة الموقف العسكري على أرض الواقع، على الرغم من أن البرهان أعاد حديثه بشأن احتفال الجيش “قريبا جدا بالنصر المؤزر” على قوات الدعم السريع، دون أن يذكر الأسباب التي يستند إليها هذا النصر، والذي تحدث مرارا عنه منذ نشوب الحرب في منتصف أبريل الماضي.

وتجوب وفود قوى الحرية العديد من الدول لأجل وقف الحرب والعودة إلى العملية السياسية، وأظهر قائد قوات الدعم السريع حميدتي تجاوبا مع غالبية التحركات التي ترمي إلى تحقيق السلام، في حين ظل البرهان مصرا على مناوراته، والتي كشفت عن عدم استعداده للعودة إلى المربع الذي كانت عليه البلاد قبل الحرب، لأن ذلك يعني تسليم السلطة إلى حكومة مدنية.

ولم تسفر اجتماعات قوى الحرية والتغيير، بشقيها المجلس المركزي والكتلة الديمقراطية، عن وضع صيغة شاملة للخروج من المأزق الحالي، حيث لا تزال تلاحق الفريقين اتهامات بانحياز كليهما لأحد الجنرالين المتصارعين، الأمر الذي يثير التساؤل عما يمكن أن تتمخض عنه التحركات السياسية والحرب مستعرة.

ويستلزم وقف الحرب تحقيق أحد الطرفين انتصارا كاسحا على الآخر أو وجود ضغوط كبيرة تجبرهما على التفاوض، وإلى حد الآن لا تظهر في الأفق ملامح التفوق العسكري الحاسم لأحدهما، فالمعارك مازالت تدور في حلقات من الكر والفر.

كما أن ممارسة ضغوط حقيقية مسألة مشكوك فيها، فعدد مهم من القوى الخارجية الفاعلة بدأ يستسلم لخيار الحرب واستمرار عملية كسر العظم الجارية بين الجنرالين، ولم تظهر معالم مبادرة يمكن أن تلتف حولها القوى المعنية بالأزمة السودانية سوى منبر جدة، وكل ما تقوم به قوى الحرية والتغيير لا يتجاوز المساعي الحميدة لعدم فسح المجال أمام خيار الحرب.

وتعبر عرقلة المبادرات من جانب قائد الجيش عن عدم استعداده للدخول في مفاوضات جادة، ووضع العصي بين عجلات قوى الحرية والتغيير التي بدأت تتحرك مؤخرا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فاستمرار الحرب وما تحمله من خسائر بشرية أهون على البرهان من تسليم السلطة إلى حكومة مدنية، وأهون على فلول النظام السابق من العودة إلى الهامش مرة أخرى.