تفكيك كارتلات الإدارة مهمة معقدة في تونس

قيس سعيد يطمئن التونسيين

تونس

أظهر الرئيس التونسي قيس سعيد حرصا شديدا على مواجهة ما يسميه بالكارتلات التي تسيطر على الإدارة وتقف وراء أزمة توزيع الخبر وندرة المواد الاستهلاكية الضرورية فضلا عن زيادة الأسعار.

يأتي هذا فيما تقول أوساط سياسية تونسية إن تفكيك الكارتلات مهمة معقدة؛ وذلك لعدة اعتبارات، من بينها أنها كيانات غير معروفة وتتخفى وراء أبعاد سياسية واقتصادية ومناطقية وأمنية بشكل يجعل مصالحها محمية من عدة أطراف ويعيق عملية الاقتراب منها مِن قِبَل أي مسؤول يريد تتبع نشاطها ومحاصرتها كما يطالب الرئيس سعيد ذلك من الوزراء ووزراء الشؤون أو المدراء العامين.

ومن المبكر الربط بين إقالات مسؤولين في المفاصل الحيوية في الشأن الاقتصادي، مثل إقالة رئيس ديوان الحبوب أو المدير العام لديوان السياحة بسبب الإخفاقات، والحرب التي قرر الرئيس شنها على الكارتلات.

وما يزيد من صعوبة مواجهة هذه اللوبيات أن عملها قانوني، فهي تقوم بأنشطتها عبر هياكل مختلف المؤسسات، وتحصل على الصفقات والقرارات والامتيازات عبر المسالك العادية وتحوز توقيع المسؤول المعني دون إثارة أي شبهات، وتشغّل معها سلسلة من الشبكات والموظفين وتمنحهم مزايا مغرية تجعل من الصعب على أي موظف أن يقف في وجهها، ومن يعترض تقدر على استبداله بيسر دون أن يسمع صوته أحد.

ولا يمكن اتهامها بالفساد بالمعنى الحرفي للكلمة، مثل اتهامها باستلام رشاوى وعمولات، ولكنها أكثر تأثيرا ونفوذا واتساعا داخل الإدارة، ولهذا يحتاج قيس سعيد إلى طرق مبتكرة ونفس طويل للوصول إلى هذه الشبكات وكبار المؤثرين فيها.

وهناك عنصر مهم آخر، وهو أن إدارة المؤسسات الحكومية تحتاج إلى أبناء الإدارة لكونهم عارفين بتفاصيلها ومزاج أهلها وطرق تطويق التجاوزات، وليس من السهل تنحية هؤلاء والتفكير في جلب آخرين من خارج الإدارة.

وأصدر الرئيس التونسي قرارا الاثنين يقضي بإقالة المدير العام لديوان الحبوب بشير الكثيري، وعين عوضا عنه سلوى بن حديد في وقت تشهد فيه البلاد نقصا كبيرا في هذه المادة ما أدى أساسا إلى حدوث اضطراب في إنتاج الخبز.

وفي بيان صادر عن الرئاسة التونسية طالب قيس سعيد وزيرة العدل ليلى جفال بإصدار ملاحقات قضائية ضد من اتهمهم بالاحتكار في مجال توزيع الحبوب وباقي المواد الاستهلاكية الأخرى التي شهدت زيادة غير مسبوقة في الأسعار.

ورغم استنجاد الرئيس سعيد في أكثر من مرة بالقضاء والأمن والجيش وحث مختلف الأجهزة على التحرك، لم يحصل إلى حد الآن شيء ذو بال بسبب التعقيدات التي ارتبطت بالإدارة منذ تأسيسها ولا يمكن السيطرة عليها بقرار، وهي موجودة في أغلب إدارات العالم.

ويرى مراقبون أن تمسك قيس سعيد بتفكيك الكارتلات وتأكيده المستمر على أهمية هذه المعركة يؤكدان امتلاكه تقاريرَ دقيقة حول نفوذ المحتكرين والمعرقلين في مختلف الإدارات، وخاصة في ارتباطها بتوزيع الخبز وغلاء الأسعار وندرة المواد الاستهلاكية بالرغم من أن الحكومة تبذل كل ما في وسعها لتوريد مختلف تلك المواد.

ولا ينكر الرئيس سعيد وجود أزمة تمويلات، لكنه يعتقد أن أزمة الخبز والكهرباء والماء التي هزت الشارع التونسي قبل أسبوعين لا تتعلق بأزمة التمويلات ولا بالعملة الصعبة ولا بندرة السلع، وإنما بوجود أياد خفية تتلاعب بهذه المواد الحساسة لإرباك السلطة وتحريك الشارع ضدها بعد أن فشلت تلك الأيادي ضِمْن تحركات سابقة في لفت نظر الناس أو كسب تعاطفهم.

وما يؤكد أهمية المعركة ضد الكارتلات أن قيس سعيد عين رئيسا جديدا للحكومة بمهمة واضحة، هي مواجهة “إرهاب الكارتلات”، مثلما جاء في كلمة الرئيس سعيد في موكب تعيين أحمد الحشاني.

وقال قيس سعيد “ما يعيشه الشعب اليوم هو محاولة لتأجيج الأوضاع الاجتماعية من ترتيب هذه اللوبيات”.

وأضاف “لا مجال للتسامح مع هؤلاء أبدا ولا بد من محاسبتهم. من يتلاعب بقوت الشعب وبالسلم الأهلي الداخلي لتونس سيدفع الثمن باهظا بناء على القانون وفي ظل محاكمة عادلة”.

وتواجه تونس نقصا في إمدادات الحبوب بسبب الحرب التي شنتها روسيا على أوكرانيا، إلى جانب تراجع الإنتاج الوطني بنحو 60 في المئة هذا العام -مقارنة بالعام السابق- تحت وطأة الجفاف.

وتسبب هذا النقص في ندرة مواد الدقيق والسميد في الأسواق واضطراب إنتاج الخبز الذي يستهلك على نطاق واسع، حيث شهدت المخابز طوابير يومية منذ أشهر قبل أن تنفرج الأمور نسبيا في الأيام الأخيرة.