نصرالله..

صحيفة: تهديد ساقط في خطاب فارغ

أرشيفية

القاهرة

طالعنا الأمين العام لمنظمة حزب الله بخطاب، أقلّ ما يُقال فيه تهديديّ للداخل والخارج على السواء، وبالطبع هذا الأمر ليس جديدًا على اللبنانيّين. والأكثر لم يعد قادرًا بتهديداته هذه إخافة أحد. فالمواجهة مع مشروع منظّمته فُتِحَت على مصراعيها. وهي باتت تتّخذ الأشكال كافّةً. لا بل أكثر من ذلك كلّه، نتيجة لاعتداءاته المتكرّرة، بات من الصعب في مكان على الأحزاب السياسيّة المواجِهَة لهذا المشروع، إقناع مناصريها بضرورة التحلّي برباطة الجأش وضبط النّفس وما لفّ لفيف هذه المصطلحات. فالنّاس ضاقت ذرعًا، ولم تعد تحتمل الفوقيّة والعنجهيّة التي يخاطبونهم بها.
 
فيما رأى الأمين العام أنّ حادثة الكحّالة طبيعيّة، إنّما الحقيقة تكمن في كونها قمّة في غير طبيعيّتها؛ إذ كيف يمكن لشاحنة نقل بهذا الحجم، قد لا تكون معدّة إلا لنقل الخضار والبضائع الخفيفة، أن تنقل سلاحًا بوزن يفوق سعة حمولتها، وتمرّ بين البيوت وتكون هذه الحادثة طبيعيّة؟ هذا الاستخفاف بالعقول لم يعد مقبولاً. ومحاولة حرف أنظار النّاس نحو محطّة تلفيزيونيّة، واتّهامها بالتّحريض لن ينفع شيئًا. فالنّاس أساسًا معبّأة وليست بحاجة إلى تحريض من أحد، لأنّهم يعلمون مَن هو الذي يعرقل مشروع بناء الدّولة، ومَن يغطّي منظومة الفساد التي تجلّت أسماؤها في تقرير ألفاريس أند مارشل الأخير.
 
والمضحك المبكي في ما أتحفنا به هو تلك العودة إلى القضاء. هذا القضاء الذي بات غبّ الطلب عنده متى كان القاضي يدور في فلكه، وإذا خرج أيّ قاضٍ من تحت عباءته يصبح عميلاً ومتأمركًا ومتأسرلاً وحكمه يكون مشروع فتنة وحرب أهليّة. ولا يألو أيّ جهد لعرقلة عمله. عن أيّ قضاء يتحدّث وهو ومسؤوله الأمني يهدّدان القضاة في العدليّة؟ وحديثه عن الجيش اللبناني كضامن للأمن والسلم والاستقرار يفيض بالاستخفاف. فلماذا لا يسلّم الجيش سلاحه إن كان ضنينًا لهذه الدّرجة على الأمن والاستقرار؟


يخيف اللبنانيين عمومًا والمسيحيّين خصوصًا من الحرب الأهليّة إذ يتّهم بعض القادة بالتحريض عليها. لكأنّ لبنان كلّه اليوم ليس في حرب كونيّة بسبب أجندات منظّمته هذه! لقد ضاق اللبنانيّون ذرعًا بمشاريعه الساقطة التي دفعوا وما زالوا يدفعون أثمانها الباهظة. ولم تعد تخيفهم أيّ مواجهة مع منظّمته من بيروت إلى الجبل فشويا وخلدة وعين الرّمانة وقمّة الشهداء في بشرّي وعين إبل وصولاً حتّى كوع الكحّالة. فالرأي العام اللبناني ليس بحاجة لأيّ تسعير لا من قبل العدوّ، ولا من قبل أيّ دولة أخرى، لأنّ الدّافع هذه المرّة هو إرادة الحياة.
 
ويذكّرنا بالتقسيم؛ وهو يدرك أنّنا لا نخافه بل خضنا هذه التّجربة وبنجاح. وإن استمرّ بتنفيذ أجندته الإيديولوجيّة هذه، يكون هو نفسه مَن يدفع إلى التقسيم، وهو نفسه مَن يعزل بيئته بالكامل. فهل يستطيع هو وبيئته أن يتحمّلا هذه التّبعات؟ فمجرّد قانون لامركزيّة إداريّة يعرقلون إقراره منذ أكثر من ثلاثة عقود! ويخيفنا بالتقسيم! يا أهلاً ومرحبًا بالتقسيم إن هو استمرّ بذلك. أمّا عن حواره مع التيّار الذي صنعه في العام 2006، فلا يعنينا كلبنانيّين إطلاقًا لأنّه يقوم على تقاسم قالب الجبنة بينهما؛ وهذا لن يكون، لأنّ مشروعهما التحاصصي قد سقط على كوع الكحّالة بالتّحديد.
 
وهل يدرك أنّ تهديداته للعدوّ الاسرائيلي سيدفع ثمنها الشعب اللبناني بالكامل؟ نحتكم إلى الدّستور الذي ينصّ على اتّفاق الهدنة مع العدوّ، إضافةً إلى القرارات الدّوليّة ذات الصلة بهذه القضيّة. وما نفع لبنان إن دمّر إسرائيل بالكامل وتدمّر هو أيضًا؟ فليخفّف من سورّيّاليّته الاستراتيجيّة وليحتفظ بتهديداته لنفسه. وشؤونهم الدّاخليّة لا تعنينا لا من قريب ولا من بعيد. فليتركونا بسلام لأنّنا نريد الحياة.


وهل يدرك هذا الأمين العام أنّ أبواب اللبنانيّين قد أوصدت بوجهه؟ فما كان صالحًا في العام 2006 هو نفسه أسقطه بتصرّفاته وبتوجيه سلاحه إلى الدّاخل اللبناني. وإن كان يعوّل على أيّ مساعدة عربيّة من جديد لإعادة البناء، فهو واهم بعدما عاث فسادًا ودمارًا في شؤون الدّول العربيّة هو ومحوره. عن أيّ مبادرة يمسك بزمامها يحدّثنا؟ يستطيع أن يضحك على مَن يراهن على سلاحه وينسب انتصارات الترسيم له قدر ما يشاء، لكن لا يستطيع الضحك والاستخفاف بعقول الذين يقرؤون المصالح الدّوليّة التي هي وحدها فرضت اتّفاق الترسيم.
 
وحديثه عن الصندوق السيادي يوحي بشكل أو بآخر برغبته في السيطرة عليه. هذه المرّة لن يكون له ولحليفه البرتقالي ما يريدان. زمن تقاسم الحصص واعتبارها غنائم حرب قد تمّ إسقاطه على كوع مار أنطونيوس في الكحّالة. لذلك كلّه، عليه أن يعيد حساباته الاستراتيجيّة لأنّ زمن التغيير الحقيقي قد آن أوانه. وساعة الحقيقة قد دقّت. فتهديداته كلّها ساقطة أبريوريًّا، وخطابه فارغ استراتيجيًّا، ولم يعد يصرَف في مكان. قليل من التواضع ،والنقد الذاتي، وإعادة القراءة الاستراتيجيّة، ربّما قد تنفعه وتقيه عمل الشرّ الرّابض في قلبه على لبنان !