معوقات عودة اللاجئين السوريين الى بلدهم.. ماذا يريد بشار الأسد؟

"أرشيفية"
بعد مضي 12 عاماً على بداية الأزمة السورية، واستضافة ملايين النازحين السوريين على الأراضي اللبنانية،بات لبنان رهينة إدارات وإرادات دولية تتحكم بتنظيم وإدارة الأزمة فيه.
الواقع العام وامتناع الجهات الدولية عن تسوية وضع النازحين لا بل أكثر من ذلك الاصرار على بقائهم في لبنان يشرّع الأبواب على أسلة كثيرة : لماذا رفض إعادة اللاجئين السوريين الى بلدهم ؟ وماذا يحضر لكل اللاجئين في لبنان وفي الدول المحيطة به وصولاً الى الأردن وتركيا حيث هم ؟
الأراضي اللبنانية ..مربعات مكشوفة
يقول خبراء واكبوا مراحل عدة تخللتها عمليات التوطين إن الأراضي اللبنانية قد تحوّلت الى مربعات مكشوفة بالكامل لتنفيذ عمليات التوزيع والدمج والاختلاط الدولية، والخرائط العديدة المنشورة حول هذه التوزيعات والعمليات الميدانية تشهد على ذلك، من المدارس التي تستقبل النازحين في مختلف مراحل التعليم، الى توزيع المستشفيات والمراكز الصحية، ودور الرعاية والحضانة التي تتكفّل برعاية أطفال اللاجئين، الى المراكز المخصصة لتقديم الاستشارة والدعم لتسجيل الولادات والحصول على الإقامة، وتأمين فرص العمل.".
ويوضح رئيس مركز السكان والتنمية الدكتور علي فاعور في بحث نشره في صحف لبنانية " الدولة اللبنانية غائبة عن المتابعة والتنسيق، ما عدا بعض المشاركين من قبل منظمات المجتمع المدني ووزارة الشؤون الاجتماعية، ويكفيهم الحصول على الدعم المالي لمتابعة بعض المشاريع الإنسانية في برنامج دعم الأسر الفقيرة." ويضيف" لبنان دخل مرحلة اللجوء الطويل الأمد حيث لا يزال المجتمع الدولي يُعارض عودة النازحين السوريين ويضع العراقيل أمام محاولات العودة الآمنة التي بدأ لبنان بتنفيذها منذ عام 2017".
ويرى فاعور أنه و"منذ أكثر من 5 سنوات يحاول لبنان تنظيم قوافل إعادة النازحين وفق خطة العودة الآمنة والطوعية، التي ينظمها الأمن العام، لكن غالبية الذين شملتهم قوافل العودة، فضلوا الرجوع الى لبنان عبر المعابر غير الشرعية.. وذلك طمعاً بالمساعدات التي توفرها لهم المنظمات الدولية التي لا زالت تعارض محاولات إعادة النازحين باعتبار أن الأوضاع الأمنية والاقتصادية في سوريا لا زالت غير مستقرة."
ويتبيّن على ضوء الواقع القائم، أنه ومنذ بداية العام 2023، قد شهدت موجات كثيفة من المهاجرين السوريين عبر المعابر البرية وبطرق غير شرعية، وغالبية الوافدين من الشباب الباحثين عن فرص عمل وموارد العيش والمأوى، وذلك نتيجة الأزمة الاقتصادية الخانقة والحصار المفروض على سوريا، وبعدما وصلتهم من أقاربهم أخبار المساعدات الممكن الحصول عليها في لبنان.. بينما بالمقابل تتواصل هجرة الشباب اللبناني الى الخارج للبحث عن الجنسية وفرص العمل."
وبالمقابل تتسارع التحوّلات الديموغرافية على الأراضي اللبنانية، بين هجرات وافدة وهجرات مغادرة، والسنوات القليلة المقبلة سوف تغيّر وجه لبنان.. والى الأبد. كما أن هناك محاولات من بعض الدول الكبرى لدمج النازحين بالنسيج الإجتماعي اللبناني والمجتمعات المجاورة بحجج متعددة منها أن هناك صعوبة في إعادتهم الى سوريا حالياً خوفاً على تعرضهم للخطر كمعارضين للنظام .
بشار الأسد يحتاج للدعم المالي!.
وقال قبل أيام، قال الرئيس السوري في مقابلة مع محطة سكاي نيوز عربية انه "يحتاج الى الدعم المالي لإصلاح البنية التحتية حتى يعيد النازحين السوريين الى بلدهم ، وهذا نوع من الضغط على الدول وخصوصاً العربية التي من الممكن أن تقوم بهذه المهمة مستقبلاً" .
وفي المقابل تخشى بعض الدول الأجنبية وفي أوروبا تحديداً على أمنها الإجتماعي والإقتصادي من تزايد عمليات الهجرة غير الشرعية عبر البحر الى قارة اوروبا بشكل عام ، وترى هذه الدول أن من الأفضل ودرءاً للمشاكل ، توطينهم حيث هم مع تقديم مساعدات أممية ودولية تمنكهم من البقاء كلاجئين حيث هم حالياً .
أجندة مشبوهة
ويقول المدير التنفيذي لملتقى التأثير المدني زياد الصائغ لـ "جسور " أولاً من الملح بمكان فهم طبيعة الفرز الديموغرافي الطائفي المذهبي الذي يجري في سوريا بأجندة مشبوهة ، وبهذا المعنى إن عدم تسهيل عودة اللاجئين السوريين تأتي في سياق جيو- سياسي متكامل يهدف الى تغيير طبيعة الهوية السورية انطلاقا من ارتباطها بمحور الممانعة.
وثانياً ما يعنى في مسألة الحديث عن دمج اللاجئين السوريين في المجتمعات المضيفة، وعدم إقرار حق عودتهم والدفع باتجاه اتهام الغرب وتحديداً الاتحاد الأوروبي بربط العودة بعملية الحل السياسي هو سياق مبتور وغير علمي، يعتمد على الديماغوجيا والشعبوية، اذ إن الإتحاد الاوروبي يؤكد عودة اللاجئين السوريين، لكن على أن تكون العودة وثيقة الصلة بالمعايير الدولية للأمم المتحدة ، وتحديداً العودة الطوعية الآمنة والكريمة، وبالحلّ السياسي."
ويضيف الصائغ :"في هذا السياق يأتي السؤال : من المستفيد من عدم عودة اللاجئين السوريين اذا كنا قد اقتنعنا بوجود أجندة تغيير هوية سوريا ربطاً بمسار جيو- سياسي محدد ؟"
أما ثالثاً فيجب بحسب الصائغ فهم طبيعة علاقة تركيا باللاجئين السوريين وهي جنست حوالي مليون لاجىء سوري بشكل مختلف عن الأردن ولبنان اللذين يسعيان لدعم عودة اللاجئين السوريين ، وهناك لجنة اتصال خماسية الآن شكلتها جامعة الدول العربية لبحث مسألتي اللاجئين وتهريب الممنوعات، لكنها ولم تنجح حتى الآن في وضع خطة عملانية متكاملة لعودة اللاجئين السوريين إلى سوريا ولا وقف تهريب الممنوعات، وبهذا المعنى علينا أن نذهب الى فهم طبيعة تعقيدات العودة من باب الأجندة الجيو- سياسية لا من باب الخيار العملاني التبسيطي أي تقديم الضمانات الاقتصادية والاجتماعية والامنية والقانونية فقط، بل رفع مستوى النقاش إلى مجلس الأمن لوقف عرقلة العودة التي تقوم بها قوى الأمر الواقع في سوريا"
ويسأل الصائغ: "من يمنع عودة حوالي 600 ألف لاجئ سوري من لبنان الى مناطق الزبداني والقلمون والقصير؟ ولأية أهداف ؟ وهذه مسألة أساسية جداً ان لم نتنبه لها ستكون عبئاً على الذاكرة اللبنانية-السورية المجروحة أساسا بسب الاحتلال السوري على مدى ثلاثين عاما ، وسوف تخلف آثارا سلبية وجراحا عميقة لا يمكن تدارك خطورة تداعياتها"
أما في ما يتعلق بالكلام عن الدمج أو وضع اللاجئين السوريين في أماكن لجوء حدودية موقتة فيشير الصائغ إلى أنّ "هاتين المسألتين تفترضان من لبنان أن ينطلق بديبلوماسية فاعلة أكثر منها ديبلوماسية الإستجداء والتسوّل والمؤامرة ، في ظل التلكؤ من الحكومات المتعاقبة منذ عام 2012 عن إقرار سياسة عامة تربط بين احترام كرامة اللاجئين السوريين ضمن المعايير الدولية ولو أن لبنان بلد عبور وليس بلد لجوء ، بقرار سياديّ في موازاة ذلك يثبت مسار الدفع بإتجاه عودتهم في ما يحفظ هويتهم ويجنب الكيان اللبناني زلازل ديموغرافية كبيرة تعنى بتغيير هويته ." ويختم الصائغ : " عودة اللاجئين حتمية، لكن ليس على يد هذه المنظومة والمتحكمين بها من قوى الأمر الواقع غير الشرعيّة"
الدمج مرفوض
في هذا السياق، يقول الكاتب والمحلل السياسي اللبناني بشارة خير الله لـ"جسور": "الرئيس السوري يعمل على تنفيذ خطة أطلقت عليها تسمية "سوريا المفيدة" تضم أقل عدد ممكن من السوريين المعارضين (السنة) ، وهذا ما يفسر عدم الرغبة في إعادة النازحين السوريين تحت حجة عدم وجود أموال كافية لإعادة إعمار ما تهدم وإنشاء بنية تحتية وخدمات عامة لإستيعابهم ."
ويضيف خير الله " أما عن قصة دمج النازحين السوريين بالنسيج الإجتماعي اللبناني فهي مرفوضة رفضاً قاطعاً من اللبنانيين ، وهي أصلا مخالفة للدستور اللبناني الذي ينص صراحة على منع التوطين " لكن هذه لا يكفي، بل يجب على جميع القوى الفاعلة مقاومة خطة الدمج الأسدية - الإيرانية محلياً وعربياً ودولياً وأمميا."
تفريغ !
في المقابل قال مصدر خاص في المجتمع المدني فضل عدم كشف اسمه لـ"جسور" فعليا النظام السوري يرفض عودة اللاجئين السوريين الى سوريا لأسباب عدة أهمها :
• هناك مشكلة أمنية تعوق عودتهم فهم بحاجة الى قوى أمنية من شرطة وأمن عام، ومعظمهم - وبخاصة الشباب منهم - مطلوبون لخدمة العلم بعمر ما بين 18 و 40 عاماً "
• وهناك مشكلة أيضاً في إيجاد عمل للملايين من السوريين لأن دورة الإنتاج شبه متوفقة في سوريا، والأهم من ذلك أن النظام أصلا لا يريد إعادة هؤلاء الى سوريا لأنهم يشكلون ثقلا ديموغرافيا لفئة معينة معارضة تم تهجيرها عن قصد "
ويقول المصدر " تتكفل الدولة في سوريا بالتموين والمواد الغذائية عبر بطاقات تموينية وبطاقات محروقات، بينما نسبة النمو السكانية داخلياً تضاعفت من حوالي 33 بالالف الى 66 بالالف ، وبات من الصعوبة بمكان أن تقوم الدولة بمواردها الضعيفة بتوفير المساعدات والتعليم لهذا العدد الهائل من المواطنين ".
ويتابع: "بالنسبة لعملية الدمج في المجتمعات المضيفة، وهل يتقبلها المجتمع اللبناني مثلا ، فهذا المشروع شبه قائم عملياً ويجب العمل بجهد معاكس لمقاومة هذا التوجه، والوقت لا يرحم ، لأن اليد العاملة السورية صارت جزءًا من دورة الإنتاج في لبنان وفي العراق وتركيا والمانيا حتى ، واذا رجع أكثر من 6 ملايين أو أكثر من اليد العاملة الى سوريا ستفرغ دورة الإنتاج في هذه الدول!!"
وأضاف المصدر "حتى اذا استقبلهم النظام السوري سيكونون في معظم الأحوال من العاطلين عن العمل ، والمفترض أن يتم العمل لبنانياً وبقوة على سرعة إعادتهم الى سوريا وخاصة أن قطاع الزراعة في سوريا واسع جدا ويمكن أن يستوعب القسم الأكبر منهم
ماذا بعد معركة دير الزور؟
ويتابع المصدر "لا أعرف إذا كان من الممكن أن تتغير الحسابات والظروف الميدانية على الأرض بعد معركة دير الزور المنتظرة ففي حال إعادة النازحين الى سوريا سيكون هناك توزيع ديموغرافي جديد لأن المتمول والغني من العائدين وحده يستطيع العودة الى بيته الأصلي ، وهذا يفسر إعادة توزيع الغالبية السنية على الأرض السورية من جديد لأن بيوتهم وأملاكهم إما قد تم تهديمها أو استملاكها ، وكذلك تم تجنيس عشرات الآلاف من جنسيات غريبة (دول حليفة للمحور الإيراني)
لعبة خطيرة
ويتابع "ستعمل تركيا كذلك على هذا التغيير الديموغرافي فهي ستعيد ترتيب الوضع عند حدودها مع محافظة إدلب وجوارها، لتجعل منه محيطا عربياً -تركمانياً في المناطق القريبة منها من الشرق الى الغرب ، في محاولة منها لإبعاد الكثافة السكنية الكردية عن حدودها ".
ويختم " التوطين مستحيل في لبنان ولعبة التوطين خطيرة ، وستفتح للبنان معركة شبيهة بالمعركة التي نشبت مع الفلسطينيين في مطلع السبعينيات ، لأن جميع فئات الشعب اللبناني رافضة للتوطين ، وهذا سيخلق للشعب اللبناني مشكلة كبيرة يجب المسارعة الى تداركها قبل وقوعها ".
مصلحة المجتمع الدولي
يقول الصحافي والمحلل السياسي اللبناني أسعد بشارة لـ"جسور" لا شك أن تهجير عشرة ملايين سوري من لون وبيئة محددة هو مكسب ومفيد للنظام السوري ، الذي يعمل على تطهير سوريا من أغلبية السوريين، والرئيس السوري بشار الأسد ليس فقط لا يريد عودة هؤلاء إنما هو يتاجر بهذا الملف ويضعه في خانة الإبتزاز لنيل مكاسب معينة مقابل عودة رمزية وليست فعلية للملايين من السوريين "
يضيف بشارة ل"جسور" المجتمع الدولي له مصلحة بأن يرعى هؤلاء اللاجئين حيث هم أي في دول الجوار خاصة في تركيا ولبنان والعراق الأردن وبعض الدول العربية بانتظار الحل الشامل في سوريا "
ويتابع" الا أن هذا الحل في سوريا يبدو أنه ليس قريباً بدليل أن التقارب السعودي -السوري يكاد ينتهي في أعقاب تملص نظام الأسد من الإيفاء بوعوده بخصوص عودة اللاجئين وبعض الملفات الأساسية الأخرى في وقت تبقى عودة اللاجئين هي ملف أساسي لتطبيع هذه العلاقة "
ويختم بشارة "الواضح أن موضوع اللاجئين السوريين سيبقى موضوعاً معلقاً خلال السنوات المقبلة مع ما يعنيه ذلك من تفاقم المشاكل الإقتصادية والديموغرافية على دول الجوار "