وكالات..

تحت المجهر: أكثر من حالة وفاة خلال أسبوع.. قاتل جديد يهدّد حياة العراقيين

"أرشيفية"

النمسا

تضجّ مواقع التواصل الاجتماعي في العراق بين الحين والآخر بوقائع تدفع روادها إلى التضامن مع ضحايا الإهمال الطبي، وتعيد فتح ملف الأخطاء الطبية التي يتعرض لها المرضى في المؤسسات الصحية، التي لا تقتصر نتائجها على العاهات المستديمة، بل إن حالات كثيرة تنتهي بالموت.

وجديدها هذه المرة، وفاة امرأة منذ أسابيع تبلغ من العمر 28 عامًا إثر خطأ طبي أثناء إجراء عملية شفط داخل أحد المستشفيات وسط بغداد، وسبقتها حالة وفاة من الأسبوع نفسه، لفتاة تبلغ من العمر 22 عامًا لنفس السبب وأثناء إجراء نفس العملية وبالعاصمة أيضًا، وهو ما دفع وزارة الصحة إلى الإعلان عن إجراء تحقيق عاجل جرّاء وفاة الفتيات، و"إرسال النتائج إلى القضاء بعد تشريح الجثث لمعرفة الأسباب الحقيقية وراء الوفاة".

ومع عدم وجود إحصائية رسمية لأعداد الأخطاء الطبية في العراق، تتصاعد الدعوات من قبل المواطنين للارتقاء بالقطاع الصحي المتهالك، وبتشديد العقوبات على مرتكبي الأخطاء الطبية، وتشديد الرقابة على المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية والخاصة، وبخاصة فيما يتعلق بجراحات التجميل والتنحيف.

فوضى عارمة

وفي تصريح لافت، وصف رئيس لجنة الصحة بالبرلمان العراقي ماجد شنكالي النظام الصحي العراقي "بالمتهالك والمتخلف، كونه نظام اشتراكي يقوم على تحمل الدولة للرعاية الصحية، ولا يمكن لأي دولة أن تتحمل فاتورة الرعاية الصحية لنحو 42 مليون مواطن".

وحمل رئيس لجنة الصحة "الحكومة ووزارة الصحة العراقية، لا سيما دائرة المشاريع فيها، المسؤولية عن التأخّر في إعادة ترميم وبناء المستشفيات في محافظة نينوى وتردي الخدمات الطبية فيها".

وفي هذا الإطار، يقول مصدر لـ "جسور" فضّل عدم الكشف عن هويته إنّ أسباب الأخطاء الطبية في العراق تعود لكون القطاع الصحي من بين أكبر مصادر الفساد لما يوفره من عقود ومناقصات حكومية، وبالتالي يفتح شهية القوى السياسية الحاكمة إلى التدافع للسيطرة على وزارة الصحة، بهدف الحصول على الصفقات وغيرها مما توفره الوزارة من عقود مالية، مشيرا إلى أنّ المستشفيات الأهلية والحكومية على وجه الخصوص في العراق تعاني من نقص كبير في المستلزمات الطبية والأدوية والكوادر العاملة فيها وقلّة النظافة، مما تسبّب بزيادة المشكلات للمرضى.

ويوضح أن "الجهات المسيطرة على الوزارة من أحزاب وقوى سياسية متنفذة أثّرت على تراخيص المراكز الصحية والمستشفيات الخاصة، وحتى مراكز التجميل، والتي باتت تمنح من دون الخضوع للمعايير القانونية والصحية، الأمر الذي نتج عنه ضعف البنية التحتية الصحية وتزايد الأخطاء الطبية".

ويبيّن أنّ "أسباب تكرار الأخطاء الطبية في البلاد يعود لما يشهده من فوضى على كافة المستويات، فضلًا عن ضعف الدور الرقابي على عمل الأطباء والكوادر الطبية والصحية وحتى الإدارية وعدم الجدية في محاسبة العديد من المقصرين من قبل الجهات المعنية (الحكومية)، أو نقابة الأطباء أو نقابة الصيادلة أو النقابات الأخرى ذات العلاقة، ومن الأسباب الأخرى، عدم ردع القضاء لمثل هذه الحالات بمستوى يليق بها، فكل ما قد تم ذكره وأكثر قد يحدث في العالم، لكن يحدث بنسبة أكبر في العراق."

توافقية حزبية

في المقابل، يقول المحلل السياسي العراقي، الدكتور عمار البهادلي، إن "وزارة الصحة طالما هي إحدى الوزارات المشمولة أيضا بالتوافقية الحزبية، فهي عانت ما عانته من إهمال وتقصير مالي أو إداري وفساد مستشر وسوء تقديم الخدمات."

هذا الموضوع، تتحمّله أكثر من جهة، "فرئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني يجب أن يلتفت وبشكل مكثّف وفق البهادلي إلى هذه الوزارة التي تُعنى بحياة الإنسان وتُقدّم خدمة إنسانية، لذلك التخصيصات ضمن الموازنة لا ترتقي إلى طموحات المواطنين أولا، وإلى طموحات وزير الصحة من أجل النهوض بعبء هذه الوزارة ثانيا."

ويشير البهادلي  ل"جسور" إلى أنّ "تشكيلات هذه الوزارة ربما من الجانب الإداري كانت هي إحدى مسببات تراجع وتدهور الجانب الصحي فيها، وفي داخل الوزارة أيضا هناك التوافقية الحزبية وانتشارها إلى أدنى مفاصلها، مؤكدا أنّ الأحزاب السياسية هي مسؤولة وبشكل تضامني عن سوء تقديم الخدمات سواء في وزارة الصحة أو في باقي الوزارات الأخرى."

وشدّد المحلل السياسي على "ضرورة أن توضع مسألة الأخطاء الطبية أمام أعين السلطة التشريعية باعتبارها الجهة الرقابية التي تُعنى بالرقابة والتدقيق والمحاسبة والنزاهة، فضلا عن إصدار التشريعات الملائمة للجانب الصحي"، موضحا أنه "سيتم العمل وفق ما صرّحت وزارة الصحة بقانون الضمان الصحي الذي سيُطبّق على مراحل بعد الاتفاق مع شركات متخصصة في "الأتمتة الإلكترونية" من أجل استهداف أكبر فئة من المواطنين عبر قاعدة بيانات تتجنّب الفساد والتكرار."

"ويبدو أن جانب القصور والإهمال لا زال واضحا للعيان بسحب البهادلي، خصوصا في المحافظات العراقية باعتبار أن العاصمة بغداد هي أمام أعين الجهات الرقابية لكن ربما هناك تدهور أكثر وأشد وطأة في المحافظات الجنوبية والفرات الأوسط، وذلك لبعدها عن الرقابة المركزية للدولة ولوجود مستويات أعلى من الفساد مستشرية في هذا القطاع، بخاصة أنّ بيانات هيئة النزاهة تؤشر دوما إلى وجود اختلاسات أو سرقات وهناك أسماء متورطة ومشبوهة في مسألة استراد العلاجات أو في الجوانب اللوجستية الأخرى. "

"فالعملية تحتاج إلى تدقيق ورقابة أكثر مركزية وصرامة لإعادة النظر في هيكلية القطاع الصحي"، يختم البهادلي.

عقوبات الأخطاء الطبية

"الأخطاء الطبية تتمثل وفق القانون العراقي في الإهمال والرعونة أو عدم اهتمام أو عدم أخذ الحيطة والحذر، وعدم الالتزام بالقانون، وفق المادة 35 من قانون العقوبات العراقي"، كما يشرح الخبير القانوني، علي التميمي.

ويضيف التميمي لـ "جسور"، إن "قانون حماية الأطباء 26 لسنة 2013 أوجب عند حصول خطأ طبي أو شكوى أمام المحاكم وقبل اتخاذ أي إجراء قانوني تشكيل لجنة مختصة من وزارة الصحة لبيان الخطأ من قبل أهل الاختصاص إن كان متعمداً من عدمه، وإن كان بسبب المخدر أو الأجهزة أو الطبيب الجراح".

ويبيّن أنه "بموجب ذلك قد يحال الملف إلى محكمة التحقيق ربما وفق المادة 411 القتل الخطأ أو 410 أحداث عاهة في حالة عدم الوفاة أو 340 الإهمال المتعمّد كل هذه المواد من قانون العقوبات العراقي وإذا كان قضاء وقدر يغلق التحقيق".

ويوضح التميمي أن "ما يكشف كل ذلك هو التحقيق من إفادات وشهود وتقارير طبية وأقراص إجراء العمليات"، مبيناً أن "الإقبال الشديد على مثل هذه العمليات يحتاج إلى دقة وخبرة من الطبيب وتأكد من عدم حصول مضاعفات خطرة يسبق اجراءها".

مبالغة وتهويل؟

وكان المتحدث باسم وزارة الصحة، سيف البدر، رأى في وقت سابق أن "هناك مبالغة وتهويلاً في قضية الأخطاء الطبية في العراق، في حين أن الخطأ الطبي أمر وارد دائماً، وقد يحدث في أكبر المؤسسات الطبية حول العالم". ويقول إن "الوزارة لديها قسم للمسؤولية الطبية، تقع على عاتقه مسؤولية متابعة الأخطاء الطبية بالتعاون مع الجهات الأمنية والقضائية، وأي مواطن لديه الحق في تقديم شكوى ضد أي جهة صحية يعتقد أنها ارتكبت أخطاء طبية، وفي حال ثبت وجود الخطأ فإن الوزارة لديها إجراءات عديدة لمحاسبة المقصرين".