نقاشات وحوارات لبنانية: كيف نعيد الروح لدور لبنان الجديد؟

"أرشيفية"

بيروت

بعيدا من الإعلام تجري نقاشات وحوارات تجمع شخصيات لبنانية متنوعة للبحث في الواقع السياسي اليوم وكيفية الخروج من المأزق الحالي وللبحث عن أفكار جديدة تكون قادرة على استعادة الروح لدور لبنان الجديد في ظل انسداد الأفق في الواقع الحالي.

فمنذ عدة أشهر تحاول بعض الشخصيات الفكرية والأكاديمية والإعلامية إطلاق حوارات عميقة حول الأزمة اللبنانية وتندرج هذه المحاولات على قاعدة حماية الوحدة الوطنية والتأكيد على دور لبنان الحضاري والرسالي وفي الوقت نفسه تقديم أجوبة وحلول للأزمة الحالية التي يواجهها لبنان بسبب الأزمة السياسية والاقتصادية والمالية، كما تحاول هذه الشخصيات الرد على الطروحات التقسيمية أو الفيدرالية أو العودة الى لبنان الصغير (ما قبل العام 1920) وتقديم أفكار جديدة بشأن التعاطي مع سلاح حزب الله أو المقاومة وكيفية الوصول إلى استراتيجية دفاعية جديدة تجمع بين الاستفادة من قوة المقاومة لمواجهة الاحتلال الصهيوني وبين التأكيد على سيادة الدولة ودورها داخليا وخارجيا.

وقد جرت عدة محاولات لإطلاق حوارات وطنية في هذا المجال، ومنها الحوارات التي رعتها ولا تزال البطريركية المارونية أن من خلال منتدى التفكير الوطني أو عبر لقاءات وورش حوارية غير معلنة عقدت في الأشهر الأخيرة، لكن هذه الحوارات لم تصل إلى نتائج حاسمة رغم أنها حققت تقدما مهما في إطار تقديم مقاربة جديدة لمفهوم الحياد وتبني مصطلح التحييد بدل منه وكذلك أهمية إعادة بناء الدولة اللبنانية انطلاقا من اتفاق الطائف وتبني اللامركزية الإدارية ورفض الفيدرالية، والنقاشات مستمرة ولو ببطء من قبل الدوائر القريبة من البطريركية المارونية ولكنها تحتاج لمتابعة وتفعيل.

والورشة الحوارية الثانية أطلقها منذ سنة تقريبا "منتدى التكامل الإقليمي" حول مفهوم الهوية الوطنية وقد وضع المنتدى وثيقة متكاملة صالحة للنقاش وعقد سلسلة لقاءات حوارية مع العديد من الأطراف السياسية والحزبية والنخب الفكرية، لكن المشروع لم يستكمل رغم أهمية الطروحات التي أطلقها وإن كانت النقاشات بين أعضاء المنتدى وبعض الجهات الحزبية مستمرة وإن كانت لم تصل إلى نتائج عملية حتى الآن.

والتجربة الحوارية الثالثة تمت تحت عنوان "لقاء من أجل لبنان" وبالتعاون مع مجموعات فكرية ومؤسسات ثقافية وحوارية مختلفة وأقيمت ورش حوارية في العديد من المناطق اللبنانية لكن هذه التجربة توقفت حاليا رغم أهمية الورش التي عقدت والتي كشفت عن أولويات اللبنانيين بعيدا عن الشعارات السياسية والتي تركز على الهموم المعيشية والاجتماعية والاقتصادية.

كما أطلقت عدة ورش ولقاءات حوارية من قبل ملتقى الأديان والثقافات للتنمية والحوار والمنسقية العامة لشبكة الأمان للسلم الأهلي ومركز تموز للدراسات والتكوين على المواطنة والمجمع الثقافي الجعفري للبحوث والدراسات الإسلامية وحوار الأديان ومجموعة حل النزاعات ونادي الشرق لحوار الحضارات وحركة السلام الدائم والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ومركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي والرابطة الثقافية في طرابلس ومنتدى التنمية للثقافة والحوار ومؤسسة أديان وبعض المراكز والمؤسسات الثقافية المتنوعة، لكن معظم هذه الورش لم تقدم برامج عمل متكاملة رغم أهمية الموضوعات التي أثارتها وناقشتها في ندواتها وحواراتها المناطقية والمركزية، وإن كانت الخلاصة الأساسية من وراء هذه النقاشات أن هناك استعدادا لبنانيا للحوار والنقاش حول كل الموضوعات دون شروط مسبقة، وأن حجم الأزمات والمخاوف والهواجس بين اللبنانيين كبير جدا، لكن الحوار المباشر واللقاء الذي يجمع الشخصيات المتنوعة هو أقصر الطرق للوصول إلى حلول عملية.

ومن يشارك في كل هذه الورش والنقاشات الحوارية يكتشف أن النخب الفكرية والثقافية والحزبية اللبنانية تنقصها اليوم الرؤية المشتركة لدور لبنان الجديد وكيفية مواكبة المتغيرات التي حصلت في السنوات الأخيرة، وأن معظم الطروحات التي تقدم هي ردود فعل سلبية على الواقع القائم اليوم ولا تنطلق من أسس متينة فكرية وسياسية، وأن هناك حاجة لما يمكن تسميته " الفكر اللبناني الجديد " الذي يستفيد من كل التجارب السابقة وفشل الأحزاب اللبنانية والمأزق الذي يواجهه النظام اللبناني اليوم.

ويشير بعض المشاركين في هذه اللقاءات والنقاشات الى مسألة خطيرة وهي ان معظم من يتحكمون في السياسة اللبنانية اليوم هم من الذين امضوا أكثر من ثلاثين سنة في العمل السياسي والحزبي ولم يعد بمقدورهم تقديم أفكار جديدة، أما الجيل السياسي الجديد فهو لا يمتلك العمق الفكري للتجربة اللبنانية ولذلك يطلق مواقف وتصريحات ارتجالية ولا تتناسب مع دور لبنان ورسالته.

وعلى ضوء كل ذلك يؤكد المشاركون في هذه الحوارات والنقاشات اهمية إطلاق حوار وطني شامل ينطلق من المصلحة اللبنانية الحقيقية ويقدم إجابات واقعية وعملية لمختلف الإشكالات والهواجس ويأخذ بالاعتبار كل الوقائع الجديدة خلال الثلاثين سنة الاخيرة ولا يدفع البلاد نحو حرب اهلية جديدة لن تؤدي إلى أية نتيجة.

فهل من يستجيب لهذه الدعوات؟ أو سنظل ندور في حالة من المراوحة بانتظار الحلول من الخارج؟