متلازمة "المستشارين": وظيفة شرفيّة تستنزف العراق... إلى أجل غير مسمى

"أرشيفية"
تحت مظلّة الأعراف الهجينة التي تعارض مبادئ الديمقراطية الحقيقية، برزت "متلازمة" تعيين مستشارين للرئاسات العراقية الثلاث، في وظيفة شرفيّة، لا تشير غالبًا إلى مهام محددة لعمل واضح. مستشارون دون أدوار فعليّة إلا تحميل الحكومة أعباء مالية إضافية، إما عن مجاملة لكتل سياسية بعينها، أو نتيجة ضغوط، أو حتى لأسباب عائلية من باب الأقربون أولى بالمعروف!
فكيف تحوّل قانون تقليص عدد المستشارين الذي أُقرّ عام 2017 إلى "حبر على ورق"؟ ومن يراقب ويُحاسب ويُتابع هدايا ومزايا هذه الرتبة الفخرية التي توزّع شمالًا ويمينًا تارّة لأن أحدهم مدح بفلان وتارة أخرى لأن أحدهم قريب علاّن؟ وما مجموع القيم المالية التي تُصرف على مناصب غير انتاجية من جيب المواطن العراقي الكادح؟
نبذ المستشارين
بالرغم من تفشي "بدعة المستشارين" منذ التشكيل الأول لحكومة عراقية بعد الـ2003، وحقيقة أن عدد المستشارين في حكومة السوداني فاق ما كان في حكومة الكاظمي... إلا أن "تريند" نبذهم، بدأ ينتشر فقط في زمن الحكومة السابقة، حين بحث المعارضون للحكومة تلك عن ذريعة لاسقاطها شعبيًا، كونها حكمت رغماً عن رغبة الأحزاب السياسية المتجذّرة.
ومع أن الأحزاب هي ذاتها من جاءت باسم مصطفى الكاظمي لرئاسة الحكومة، إلا أنها عملت في الخفاء على إسقاط حكومته منذ أول يوم لاستلام السلطة وحتى آخر يوم من حكمه. وانطلاقًا من ذلك، إسقاط مشروع الحاكم المدني المستقلّ عن الأحزاب.
وبالتوازي مع ذلك، إعادة إنتاج المنظومة، عبر تنظيم أوراق الأحزاب التقليدية بشكل دقيق تحضيرًا لموعد الانتخابات في الوقت المناسب، ومداواة (جرح تشرين) الذي أصاب تلك الاحزاب بالصميم. بحيث أن إسقاط وتشويه حكومة الثورة، يكون إسقاطًا وتشويهًا لمبدأ الحكومة الإصلاحية المدنية بشكل عام، في إطار جرّ الناخب العراقي، إلى الرضوخ لمبدأ القبول بالأحزاب الإسلامية التقليدية كحاكم أوحد للعملية السياسية في العراق!
ومع أن عدد "الاستشاريين في الحكومة السابقة" لم يتجاوز بالعدد أصابع اليد، إلا أن توجيه أصابع الاتهام لهم كان ساريًا على قدم وساق، ابتداءاً من عدم الكفاءة وانتهاءاً بعدم النزاهة.
وبطبيعة الحال قد تكون بعض هذه الاتهامات واقعية وصحيحة، غير أن الفارق هو أن الحكومات السابقة لم يتهمها أحد بجريرة فساد مستشار هنا ووزير هناك، بعكس حكومة الكاظمي التي وقعت تحت طائلة حملات الاتهام بشكلٍ كامل، لأن فيها مستشار أو مسؤول فاسد او متهم بالفساد على الأقل.
حكومة السوداني والمستشارين
بعد تشكيل الحكومة الجديدة، توقع كثيرون، أن تكون نهاية حقبة المستشارين قد حلّت، وأن رئيس الحكومة سيعتمد بشكل أساسي على وزرائه وفريقه الحكومي، بالإضافة إلى خبراء الجامعات والقانونيين والماليين عند الحاجة والضرورة.
ولكن، ما حدث هو تضخيم أكبر للسيناريو الذي أدانوه، عبر تعيين عشرات المستشارين الفخريين الإضافيين ومن مختلف الأحزاب والقوميات والطوائف والعديد منهم أعضاء في البرلمان العراقي في دورات سابقة... فكان لكل مفصل مستشار او أكثر، وبطريقة تثير علامات الاستفهام والجدل حول مدى كفاءتهم اولاً وتكاليف تعيينهم في بلد يعاني من تخمة توظيف وهدر أموال بلا فائدة على موظفين لا أدوار واضحة لهم: غير منتجين لا فكريًا ولا عملانيًا.
كما أن التحديات التي يواجهها الوضع السياسي في العراق تتضمن تناقضًا واضحًا بين تصريحات المسؤولين والمستشارين والواقع على الأرض. هذا التناقض يظهر بوضوح في القضايا المهمة مثل تحديات سعر الدولار. فمشكلة ارتفاع سعر الدولار، على سبيل المثال، قد شهدت تصريحات متباينة من المستشارين والمسؤولين، مما خلق حالة من عدم الوضوح والارتباك لدى الجمهور.
في سياق تحديد سعر الدولار، قد قام أحد المستشارين في شهر شباط بالتصريح بأن السعر سيعود إلى مستوى 1320 ديناراً (السعر الرسمي) خلال أسبوعين. ولكن بعد مرور ستة أشهر، لا يزال السعر متذبذبًا. بالإضافة إلى ذلك، تصريح آخر من مستشار آخر أشار إلى أن الحكومة تسعى إلى أن يتراوح السعر الموازي للدولار بين 1450 و1500 دينارًا. وهو تصريح ينسف تصريح زميله المستشار الآخر!
وفيما قال أحد المستشارين إن حقوق واشنطن محفوظة ومؤمنة بشكل كامل في ظل حكومة السوداني لأول مرة منذ عام 2003، ظهر مستشار آخر يهدد أمريكا إذا استمر تدفق قواتها العسكرية إلى العراق. تتجلى هذه التناقضات في الكثير من الأمثلة، إذ لا تقتصر على ذلك فحسب، بل تمتد إلى عبارات المسؤولين الكبار أنفسهم. فمثلاً، صرح رئيس الوزراء بعدم الحاجة لاقتناء الدولار وشجّع على استخدام الدينار العراقي نظرًا لقوته. ولكن الواقع الراهن يكشف عن طبيعة مختلفة، حيث يظهر أن السعر الموازي يتفوق على السعر الرسمي بفارق يصل إلى 23 ألف دينار لكل مئة دولار.
وهنا يتساءل مراقبون، هل ان التصريحات غير الواقعية يقف خلفها مستشارون غير أكفاء حتى يخرج المسؤول بهكذا تصريحات غير صحيحة أو غير واقعية او على الأقل غير دقيقة؟
وإن كانت التصريحات هي اجتهاد شخصي، فما الحاجة اذاً لوجود مستشارين إذا كان رئيس الحكومة او رئيس الجمهورية او رئيس البرلمان مكتفياً بأفكاره ولا يحتاج لاستشارة أحد قبل اتخاذ القرارات المصيرية؟
فالمعروف ان المستشار يعطي النصح للحاكم في تصريحٍ ما ، أو قرارٍ ما، وفي الامثلة اعلاه نجد ان المستشارين لم يقدموا شيئاً يذكر عدا تصريحات ووعود غير حقيقية، وهي غيض من فيض!
مفارقة أخرى في قصة المستشارين هذه، نجدها في أن بعض منهم قد خاض المعركة الانتخابية كمرشح عام 2021، وكانوا يمثلون مختلف الكتل السياسية. وشاءت الأقدار ألا يحالفهم الحظ بالفوز في هذه الانتخابات التي كانت تُعتبر بالفعل شفافة ونزيهة.
ومع تشكيل الحكومة الجديدة، تم تعيين العديد منهم في مواقع استشارية، منها ما قد تكون خارج نطاق اختصاصاتهم الفعلية. ويعتبر البعض هذه الخطوة جزءًا من المجاملات السياسية، وربما حتى مجاملات شخصية.
قائمة بأسماء "بعض" المستشارين وليس جميعهم، تداولتها وسائل الإعلام،
المفارقة أن بعضهم كانوا من مستشاري الحكومة السابقة فعلاً:
فادي الشمري
سلام السوداني
هشام الركابي
سامي العسكري
رشيد العزاوي
عبدالكريم السوداني
اياد بنيان
عرفان الحيالي
محمد إقبال
مظهر محمد صالح
حسين علاوي
محمد صاحب الدراجي
رعد العلاق
كاظم الحسني
عدنان السراج
شيخ انور الندى
ضياء الجميلي
عباس البياتي
محمد النجار
يزن مشعان الجبوري
خالد العطية
خالد الملا
الا الطالباني
شهباء العزاوي
سميرة السوداني
خليل العطواني
محمد الحكيم
علي المعموري
عماد العلاق
حامد الموسوي