"الاختفاء القسري في البلدان العربية".. مأساة لا تعرف حدوداً!

"أرشيفية"
يحيي المجتمع الحقوقي في 30 أغسطس/ آب من كل عام اليوم العالمي لمكافحة جريمة الاختفاء القسري. وهو اليوم الذي حددته الأمم المتحدة استجابة لمبادرة جهة غير حكومية تأسست في كوستاريكا عام 1981 وأطلقها "اتحاد روابط أقرباء المعتقلين المختفين قسرياً في أميركا اللاتينية".
تُثابر الأسر في سوريا والعراق ولبنان واليمن على كفاحها في سبيل الكشف عن الحقيقة وتحقيق العدالة لأحبائها المخفيين والحصول على تعويض عما قاسته من جراء اختفائهم فبالنسبة لمعظم أقارب المختفين، فإن فقدان الأحباب لا يزال شعور قائم، حتى عندما يخبرهم المنطق أن الشخص على الأرجح أنه قد توفي. طالما هناك عدم يقين، سيكون هناك أمل. طالما هناك أمل، فإنهم يظلون محاصرين في جحيم من العذاب، لا قادرين على الحداد ولا بإمكانهم المضي في حياتهم. لاسيما بالنسبة للوالدين، يبدو التخلي عن الأمل بمثابة خيانة، كما لو كانوا يقتلون أطفالهم.
العائلات ومنظمات حقوق الإنسان، وهيئات الأمم المتحدة نشرت تقديرات لعدد الأشخاص المختطفين والمخفيين في كل بلد. ففي العراق، تتراوح أعداد المخفيين بين 250,000 ومليون شخص. وفي لبنان، يُقدّر العدد الرسمي بحوالي 17,415. وفي سوريا، فتُقدِّر منظمات حقوق الإنسان عدد المخفيين بأكثر من 100,000. وفي اليمن، وثّقت منظمات حقوق الإنسان 1,547 حالة اختفاء. وعند ضرب هذه الأرقام بتقدير متحفظ لعدد السنوات التي كان خلالها ولا يزال هؤلاء الأشخاص في عداد المفقودين، تظهر صورة مأساوية لعدد السنوات الموجع الذي أمضته العائلات في انتظار الأجوبة – وهو عدد يزيد على مليون سنة.
ملاحقة العائلات الساعية إلى معرفة الحقيقة
أدرجت مقررة الأمم المتحدة الراحلة المعنية بحقوق الإنسان في إيران، أسماء جهانجير، في تقريرها شكاوى الأسر من مذبحة عام 1988 التي شملت 30000 سجين سياسي ومنذاك الحين عاشت العديد من الأسر الإيرانية عالقين في هذا الجحيم .
العوائل والأقارب ليسوا قادرين على معرفة الحقيقة والسعي لتحقيق العدالة طالما أن العديد من مرتكبي هذه الجرائم البشعة يشغلون مناصب حكومية عليا. وأولئك الذين تجرأوا على القيام بذلك واجهوا عواقب. بما في ذلك:
مريم أكبري منفرد التي اعتُقلت في ديسمبر 2009، وحُكم عليها فيما بعد بالسجن 15 عامًا. أخبرها القاضي أنها ستضطر لدفع ثمن أخيها وأختها اللذين أُعدما في عام 1988 من قبل النظام بسبب معارضتهما.
في فبراير / شباط 2017 أثناء وجودها رهن الاعتقال، تقدمت مريم أكبري منفرد بشكوى إلى الأمم المتحدة، حثت فيها على معرفة الحقيقة حول مصير شقيقها وشقيقتها، عبد الرضا ورقيه اللذين أُعدما في موجة القتل في عام 1988. أبلغ النظام الإيراني شفهياً عائلة أكبري منفرد إعدام أبنائها، لكنها لم تكشف عن أماكن دفنهما.
جرائم متعددة في سوريا
أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، تقريرها السنوي الثاني عشر عن الاختفاء القسري في سوريا، وفيه إن ما لا يقل عن 112713 شخصاً، بينهم 3105 أطفال و6698 سيدة لا يزالون قيد الاختفاء القسري في سوريا منذ آذار/ 2011.
وأكدت التقرير أن عمليات الاختفاء القسري التي نُفذت من قبل أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا شكلت أحد أكثر الانتهاكات تعقيداً ووحشيةً والتي عانى منها المجتمع السوري على مدى الاثني عشر عاما الماضية.
واستعرض التقرير حصيلة ضحايا الاختفاء القسري منذ اندلاع الحراك الشعبي نحو الديمقراطية في سوريا آذار 2011 حتى آب/ 2023 ، كما عرضَ أبرز أسماء قيادات الأجهزة الأمنية واللجان الأمنية/العسكرية وقوات الجيش التابعة للنظام السوري المتورطين في جريمة الإخفاء القسري لعشرات آلاف المواطنين السوريين.
وأوضح التقرير، أن إنشاء الآلية الأممية للمفقودين في سوريا سوف يساهم من دون شك في حشد الجهود الحقوقية السورية والدولية لدعم ملف المفقودين، وربما تتمكن هذه الآلية من بناء قاعدة بيانات مركزية، وسوف تشكل منصة يمكن لعشرات الآلاف من أهالي المفقودين التواصل معها.
مجرد أرقام
وفي العراق، وثق تقرير حقوقي، شهادات نساء فقدن أولادهن خلال السبع سنوات الماضية ولم يعرفن مصيرهم حتى الآن، سيما في محافظتي نينوى والأنبار، كما رصد رقماً تقريبياً لأعداد العوائل التي بلغت عن ذويها المفقودين خلال السنوات الست الماضية، وتناول الإجراءات التي اتبعتها الحكومات العراقية في هذا الملف.
وقال المرصد العراقي لحقوق الإنسان، في تقرير إن المختفين قسراً والمفقودين في العراق، باتوا في طي النسيان وصاروا مجرد أرقام تُذكر في وسائل الإعلام وفي المناسبات فقط، من دون تحركات لمعرفة مصيرهم. وأشار إلى أن جهود الحكومات العراقية غير واضحة بشأن هذا الملف، وربما لم تكن هناك جهوداً في الأساس، خاصة مع اتساع رقعة اليأس لدى عوائل المختفين قسراً والمفقودين، وهذا بحد ذاته يعطي مؤشرات سلبية على ضياع الأمل وفقدان مصيرهم.