في دعوى مداعاة الدولة من قبل رياض سلامة: تحليل قانوني أولي

"أرشيفية"

لندن

ملاحظات قانونية أولية على مضمون دعوى مداعاة الدولة المقدّمة من المدعى عليه رياض سلامة ضد الدولة بخصوص إجراء قضائي صادر عن القضاة العدليين في الهيئة الاتهامية في بيروت لعلّة اقترافها الخطأ الجسيم

بعد الاطلاع على عريضة دعوى مخاصمة الدولة عن أعمال القضاة العدليين والمقدَّمة من المدعى عليه رياض سلامة ضد الدولة بخصوص اجراء قضائي صادر بحقه عن الهيئة الاتهامية في بيروت والتي تم تعميمها عبر غروبات محامين  -ورغم تسليمنا بعدم صحة قرار الهيئة الاتهامية  -التي حدَّدت بمقتضاه موعد جلسة لاستجوابه بنتيجة الطعن المقدم من الدولة ضد قرار تركه والذي من خلاله تسللت الهيئة الاتهامية لأساس الملف بغية التصدي له- وفقاً للأسباب القانونية المنوَّه عنها في مقالة سابقة لنا ومنشورة في هذا الخصوص والذي يستند المدعي (حرفياً) على جزء كبير منها في دعواه وخاصةً في شرحه للخطأ الثاني والثالث والرابع والخامس، دونَ حفظ بتاتاً ملكيتنا الفكرية في هذا الشأن وهو ما نتحفّظ قانوناً عليه- نبدي مع ذلك نفعاً للقانون الملاحظات التالية:

أوّلا، تضمنت دعوى المداعاة تفسير خاطئ جداً للقانون من أجل القول (بالخطأ الجسيم للهيئة الاتهامية لقبولها شكلاً للاستحضار الاستئنافي) المقدَّم من رئيس هيئة القضايا في وزارة العدل ضد قرار تركه من قاضي التحقيق، بذريعة انَّ رئيسة هيئة القضايا التي وقّعت على الطعن الاستئنافي ليست بمحامٍ ومستنداً في ذلك على أحكام المادة 137 أصول جزائية والتي تنص على وجوب ان يكون الاستئناف موقعاً من محامٍ بالاستئناف حصراً.

ولكن غاب عن بال المدعي انَّ الدولة هي خصم أساسي في الدعوى العمومية الملاحق بها وأنَّ قانون تنظيم وزارة العدل يَعتَبِر رئيس هيئة القضايا في وزارة العدل وكيل قانوني للدولة بمثابة محامٍ حكمي لها وبالتالي يكون الإستئناف الموقَّع من رئيس هيئة القضايا في وزارة العدل طعناً بالقرار المستأنَف الصادر عن قاضي التحقيق الأول مقبولاً حُكماً من حيثُ الشكل في هذا الخصوص.

وذلكَ لأنَّ المادة 16 من القانون المشار اليه تنص صراحةً على أنّ: هيئة القضايا يتولّى تمثيل الدولة في لبنان والخارج امام جميع المحاكم العدلية) أو الادارية أو التحكيمية( على اختلاف انواعها ودرجاتها) وسائر الهيئات ذات الصفة القضائية وذلك امَّا شخصياً وامَّا بواسطة احد معاونيه من قضاة الهيئة أو احد محامي الدولة"; وكذلك تنص في هذا الصدد المادة 18 منه على أنَّ:"تتولى هيئة القضايا اقامة الدعاوى باسم الدولة والدفاع عنها في الدعاوى المقامة عليها في الداخل والخارج واعداد الاستحضارات واللوائح والمذكرات (وتوقيعها)...المثول امام جميع المحاكم العدلية والادارية...القيام بجميع الاعمال التي يتطلبها الدفاع عن مصالح الدولة امام المحاكم، سواء كانت مدعية او مدعى عليها".

ثانيًا، يشكِّك المدعي في دعوى المداعاة بحيدة قضاة الهيئة الاتهامية التي أصدرت القرار المطعون به ويثير بهم الريبة في اجرائهم المذكور وذلكَ انطلاقاً من توقيت صدوره عنها والحاصل عند الساعة السادسة مساءً، ولكن غابَ عن بال المدعي أنَّ القانون الناظم لأصول المحاكمات الجزائية لا يتضمن أي نص يفيد أو يدلل على وجوب صدور القرار القضائي عن الهيئة الاتهامية الناظرة في الاستئناف خلال ساعة معينة من التئامها أصولاً وخاصةً أنَّ مفهوم الارتياب وعدم الحيدة لا يرتبط قانوناً بتوقيت حصول الاجراء القضائي، (بل بتصرفات القاضي التي يُستشف منها الشك والريبة وعدم الموضوعية) وهي بشكلٍ عام كل الأقوال أو المواقف أو الإجراءات الخاطئة التي تصدر عنه عمداً والتي تشكِّل بحد ذاتها من حيثُ طبيعتها وأهميتها وخطورتها ما يوحي بأنَّه متّخذ مسبقاً موقفاً منحازاً أو غير حيادي تجاه أحد الخصوم والتي تدلِّل أيضاً على مظهرٍ من المظاهر التي يفترض ألاَّ يقع فيها القاضي المتعقِّل عندما يقوم بمهمته بصورة عادية.

ثالثًا، اختصم المدعي في دعوى المداعاة أشخاص الهيئة الاتهامية اللاحقة التي حلّت محل الهيئة السابقة التي أصدرت القرار الأساسي المطعون فيه والمتمخِّض عنه الخطأ الجسيم، دونَ أن يخصتم معها في دعواه المذكورة تلك الهيئة السابقة، في حين أنّهُ لا يمكن وفق المنطق القانوني اختصام الهيئة اللاحقة إلاَّ بصورة تبعية مع الهيئة السابقة التي أصدرت القرار المشكو منه والمطلوب إبطاله بدعوى المداعاة، لعلّة الخطأ الجسيم.