العراق: إغفال السوداني يفاقم المشكلة.. البطالة تفتك والوظيفة تترهّل

"أرشيفية"
رصدت إحصائية أجرتها شركة Statista الالمانية المتخصّصة في بيانات السوق والمستهلكين بالعالم، ونشرتها أخيرا، معدلات البطالة في العراق خلال الأعوام العشرين الماضية، لافتة الى انخفاضه بنسبة 3.71% في العام الماضي 2022 لتصل إلى 15.55%.
وأظهر جدول للشركة، أن معدل البطالة في العراق انخفض بمقدار 0.6 نقطة وبنسبة 3.71 بالمئة في عام 2022 مقارنة بالعام الذي سبقه 2021، مشيرة إلى أن عام 2021 شهد أعلى معدل للبطالة في البلاد خلال العشرين سنة الماضية والتي بلغت 16.23%.
ويشير معدل البطالة إلى نسبة السكان النشطين اقتصاديا العاطلين حاليا من العمل ولكنهم يبحثون عن عمل، ولا يشمل معدل البطالة الأشخاص غير النشطين اقتصاديًا مثل العاطلين من العمل لفترة طويلة أو الأطفال أو المتقاعدين.
وأضافت أن معدل البطالة في عام 2003 بلغ 8.85 % وفي عام 2004 معدل 8.72% ثم استمر بالانخفاض خلال السنوات اللاحقة ليسجل في عام 2012 أقل معدل للبطالة طيلة 20 عاما بمعدل 7.96%، ثم بدأ بالارتفاع مرة أخرى ليسجّل في عام 2018 معدّل 13.02% وفي عام 2020 معدل 15.11%".
فما صحّة ودقّة هذه الأرقام؟ وهل تستطيع حكومة محمد شياع السوداني مكافحة "سرطان" الفقر في العراق؟
مجرّد وعود
تتباين آراء العراقيين بشأن أداء الحكومة، لكن الجميع يطالب بتنفيذ الوعود الانتخابية ومحاربة الفساد ومعالجة البطالة وأزمة ارتفاع قيمة الدولار أمام الدينار، وهنا يرى مصدر متابع لـ "جسور"، أنّ فريق السوداني الحكومي لم يستطيع تنفيذ شيئاً من الوعود التي أغدق بها الشعب العراقي، بل على العكس هناك تراجع في الملف الاقتصادي، فالفساد لا يزال سائداً ولم يُحارب والوضع الاقتصادي لا يزال متردياً ويهوي أكثر.
وأضاف أنّ السوداني "حتى هذه الساعة لم ينفذ أي شيء من وعوده، خصوصاً المتعلقة بقضية إنهاء المظاهر المسلحة والعفو العام وحل هيئة المساءلة والعدالة وتعديل قانون الانتخابات، والحد من نسب البطالة، فكل هذه الوعود ما زالت وعوداً ولا شيء ملموساً منها".
وأضاف: "مرت حوالي 10 أشهر على تشكيل حكومة السوداني، وهذه مدة كانت كافية لتحقيق بعض الوعود التي أطلقها رئيس الوزراء. بعضها لا يحتاج إلا لقرار، ولهذا هناك قلق وشكوك بإمكانية أن يحقّق السوداني وعوده"، معتبراً أن "عدم تحقيق تلك الوعود ربما يكون سببه ضغوطات سياسية تمارسها بعض الأطراف السياسية القريبة من السوداني عليه".
وبيّن المصدر أن "حكومة السوداني وعدت بقضية خفض سعر صرف الدولار وتحسين الواقع المعيشي للمواطنين، وخصوصاً الطبقة الفقيرة، لكن ما حصل هو عكس ذلك تماماً، فسعر صرف الدولار ارتفع بشكل كبير، ما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية وغيرها في السوق، وأثّر بشكل كبير على وضع المواطن المعيشي"، مطالبا بتعزيز اللامركزية الإدارية وإتاحة الفرص والمبادرة أكثر أمام مختلف المحافظات للقيام بالمشاريع التنموية، وجعل الاستثمار الخارجي شريكا للمحلي، لرفع معدلات التشغيل والناتج القومي، وإقرار قوانين صارمة وملزمة لمحاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين وتقديمهم للعدالة، واسترداد الأموال الطائلة المنهوبة، وما ورد في هذه الدراسة الألمانية لا يعني أن معدلات البطالة انخفضت، بل على العكس ارتفعت خلال السنوات الأخيرة بسبب جائحة كورونا التي تمثّلت بتوقف المشاريع الاقتصادية، في الوقت الذي بيّن المصدر أن السبب الرئيس لبطالة النساء يرجع للظروف الاجتماعية التي تعيقها من الحصول على فرص العمل المتاحة أسوة بالرجال.
وشدّد المصدر عبر "جسور" على ضرورة إشراك المنظمات الدولية في مراقبة الأداء العام للشركات المحلية والأجنبية المستثمرة في البلاد، لكبح الفساد والهدر، مع ضرورة إعطاء الأولوية لإصلاح القطاع المصرفي حيث لا توجد رقمنة حقيقية بالعراق، بمعنى أن تعرف من أين تأتي الأموال وأين تذهب وكيف تصرف وتوظّف، بهدف محاصرة الفساد الذي هو السبب الأساسي لتفشي الفقر والبطالة .
مقاطعة المعادلة السياسية
بدوره، رأى رئيس مركز التفكير السياسي العراقي، الدكتور إحسان الشمري، أنّ الوعود التي أطلقتها المعادلة السياسية الحالية المُمَثلة بالحكومة لم تُنفّذ، كما أنّ الاتفاقيات السياسية بين الأطراف التي شَكّلت هذه الخارطة السياسية إلى الأن غير مُنَفّذة وتتصاعد حدّة الإتهامات بين الأطراف السياسية من جانب، ومن جانب آخر هناك من يلوّح بموضوع الانسحاب أو مقاطعة هذه المعادلة السياسية، لذلك يعتقد الشمري أنّ الحكومة هي الحلقة الأضعف على مستوى الاتفاقيات السياسية، لكن هي من تتحمّل المسؤولية الأكبر فيما يرتبط ببعض الجوانب التي تمسّ مستويات الحياة.
وتابع الشمري، أنّ حكومة السوداني فشلت في تطويق أزمة الدولار، وفيما يخصّ أزمة الكهرباء كان هناك فشل ذريع في هذا الملف، تضاف إليه معضلة المياه التي لم تُحلّ قضيتها فالجفاف يفتك ببغداد كما ببعض محافظات وسط وجنوب العراق.
وبعد 10 أشهر على استلام حكومة السوداني مقاليد الوزارات المختلفة، لم نجد من الوعود أي شيء، يقول الشمري لذلك الحكومة وفيما يبدو بأنها وقعت تحت قيد سياسي، وعدم قدرة بعض الوزراء على العمل بشكل صحيح، وهذا بطبيعة الحال ما أشّر إليه رئيس الوزراء لكن مع ذلك حتى مسألة التعديل الوزاري لكي يتنشّط عمل الحكومة تراجع فيه السوداني.
عوامل تفشي الفقر
وتفاقم الوضع في ظل توالي الأزمات الاقتصادية المتلاحقة على مدى السنوات القليلة الماضية، بفعل الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي وما خلفته من دمار وأزمة نازحين، وظهور جائحة كورونا ومن ثم حرب أوكرانيا، فضلا عن آفة الفساد الإداري وهدر المال العام وضعف آليات الشفافية والمحاسبة، وتداعيات ظاهرة التغير المناخي التي تضرب أحد أهم القطاعات الحيوية في البلاد، وهو قطاع الزراعة والثروة الحيوانية والسمكية.
وكانت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية العراقية، قد أعلنت في صيف عام 2022، أن 9 ملايين مواطن، يعيشون تحت مستوى خط الفقر .
وحتى قبل أزمة جائحة كورونا، وتحديدا في عام 2019، أصدرت السلطات العراقية بيانات تفيد بأن نسبة الفقر في البلاد بلغت 22.5 في المئة .
ويرى متابعون لـ "جسور" أن نسبة الفقر في العراق لا تتراجع، بل إنها قد ترتفع أكثر خلال السنوات القليلة المقبلة، في حال عدم معالجة مسبباتها، وفي هذا الإطار، يبيّن الشمري لـ "جسور" أنّ الفقر سببه الفساد الذي ساهم بشكل مباشر في تزايد نسب الفقراء، الذي لم تستطع حكومة السوداني حتى اليوم السيطرة عليه، أضف إليه سوء إدارة الموارد المالية للعراق وعدم وجود تنمية اقتصادية كبيرة وخطط استراتيجية يمكن من خلالها إنقاذ أو الحد من نسب ارتفاع معدلات الفقر، بسبب انعدام فرص العمل، يضاف إليها عدم مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي القومي، لذلك ترتفع معدلات البطالة وفق الشمري بشكل مضطرد وبالتالي دفع هذا الواقع بالعديد من أبناء العراق نحو الهجرة بحثا عن مستقبل أفضل.
وبحسب دراسة أجرتها منظمة الهجرة الدولية، هنالك دوافع رئيسية شجّعت ملايين من العراقيين للبحث عن لجوء في بلدان أوروبية وغربية أخرى خلال السنوات الأخيرة الماضية تمثلت بالبطالة والبحث عن الامن، ويصنّف العراق ضمن الدول الأكثر فساداً في العالم، في مؤشر مدركات الفساد لعام 2022 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، إذ جاء بالمرتبة السابعة عربياً والـ 157 عالمياً من بين 180 دولة مدرجة على قائمة المنظمة. وحافظ العراق على تلك المرتبة لعدة سنوات متتالية.