مرحلة ما بعد بريغوجين.. ما هو مستقبل فاغنر في افريقيا؟

"أرشيفية"

موسكو

العالم يفتش في لغز مقتل بريغوجين، هل سقطت طائرته أم أسقطت، وما مصير فاغنر بعد مقتله، ومن سيتولى القيادة، وهل تبقى في بيلاروسيا أو تتمدد... أسئلة كثيرة تطرح وتحمل في طياتها تفسيرات كثيرة لان الحادثة وقعت في ذروة الحرب الأوكرانية الروسية وبظل محاولة نقل الازمة الى القارة السمراء بعد انطلاق القمة الروسية الأفريقية في سان بطرسبورغ.
 
لقد أصبحت فاغنر ذراع روسيا الذي يؤمن لها النفوذ الخارجي والمصدر الأساسي للحصول على الأموال والعائدات خصوصا من افريقيا التي تساعد الخزينة الروسية بتمويل الحرب في أوكرانيا بظل العقوبات الغربية على روسيا. اذا أهمية فاغنر في أفريقيا تكمن على المستوى الجيوسياسي والجيواستراتيجي
و"الجيو-اقتصادي".

رحيل بريغوجين الحتمي

وهنا نرى بأن بوتين أهمل بريغوجين حوالي شهرين لاستعادة القيادة واستعادة الشركات المالية الخارجية والتي بلغت حوالي 160 شركة. ومن هنا استطاع بوتين السيطرة على المؤسسة وإيجاد قادة موالين له وبديل لبريغوجين .

بريغوجين هو الصندوق الاسود حامل الاسرار الذي ذهب ودفنت الاسرار معه. وربما الايام القادمة سوف تنجلي الصورة وتظهر الكثير من المعلومات المهمة. وبخاصة أن القيادات التي رحلت معه كانت قادمة من افريقيا ، وربما كانت قد رتبت أشياء مهمة لدورها القادم في أفريقيا ولإخراج بريغوجين من روسيا.

ويشير جميع المراقبين والمحللين الى أن فاغنر ضعفت في الفترة الأخيرة في افريقيا وسحبت العديد من القيادات والعناصر الذين دفنوا في أوكرانيا وتحديدا في باخموت مقبرة فاغنر، ما جعلها غير قادرة على الادارة الفاعلة للدول التي استولت عليها روسيا (كحال بوركينا فاسو ومالي وأفريقيا الوسطى والسودان ودول أخرى) حيث كان الانقلاب الأخير في النيجر ينتظر تدخل قوات فاغنر التي رتبتها قبل وصول الدول الافريقية للاستضافة في عاصمة الليالي البيضاء. وقد ظهر بريغوجين في القمة الافريقية الروسية الى جانب العديد من الرؤساء في صور مشتركة أصبحت للذكرى . لكن لم يكن لفاغنر قدرة على التدخل والدخول بصراع مع دول الاكواس التي ترفض الانقلاب وتريد العودة الى الحياة الديمقراطية.

النفوذ الروسي في أفريقيا

لقد استضافت روسيا في 28 في يوليو /تموز الماضي قمة الدول الأفريقية بحضور 49 رئيسا وممثلا عن الدول الافريقية، وكانت مناقشة الرئيس بوتين في كيفية تأمين الحبوب الى الدول الافريقية والمبادرة الافريقية السلمية لحل النزاع بين روسيا وأوكرانيا.

لقد رحل بريغوجين ولكن لم يكمل مهمته في الخارج حيث كان يريد الوصول الى أفريقيا بأي ثمن لكن لم يستطع الخروج من حصاره الذي وضع فيه بعد الاتفاقية بينه وبين الرئيس البيلاروسي اذ أصبح تحركه محصورا ما بين بطرسبورغ ومينسك وبظل هذا الوضع بوتين لن يترك افريقيا وانما رتب وضعه مع القوات الروسية المتواجدة هناك وقد يكون وجد لها قادة بسرعة وسيقوم بتشريعها وتتلقى الأوامر مباشرة من قيادة الجيش والمخابرات كونها قوة روسية يتم تشريعها تحت شعار حماية المصالح الروسية الخارجية. ولابد من التأكيد بأن قادة الانقلابات في هذه الدول باتوا بحاجة لحماية مباشرة من روسيا حيث انهم يستخدمون قوتهم بالاعتماد على الغطاء الشعبي والسياسي لتواجد هذه القوة التي تعتبر قوة روسية ذات غطاء قانوني.

والسؤال ماذا سيحدث في النيجر وكيف ستتعامل القوات الروسية المسماة فاغنر مع الحدث في النيجر.

من المؤكد بأن عيون الصين باتت مفتوحة على هذه الدول الافريقية التي تعاني ازمة مع الغرب وبالتالي باتت مصالحها مهددة بالخطر ما يدفعها للتدخل المباشر لحماية مؤسساتها وتواجدها الاقتصادي من الفوضى ومن الضغط الغربي .

دور الجيش الصيني

لقد تثبت الشركات العسكرية الخاصة لجمهورية الصين الشعبية وجودها في بلدان تتعرض لضغوط من الغرب. هذا وأثارت الأحداث في روسيا القلق في بكين غير أن الرئيس الصيني شي جين بينغ (بعد الانقلاب لفاغنر) لم يتصل بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين على عكس الرئيس التركي رجب طيب اردوغان وعدد من القادة الآخرين، فيما خصصت صحيفة الشعب اليومية الرئيسية للحزب مقالاً صغيراً عن التمرد بتاريخ 24 حزيران /يونيو الماضي .

لكنّ خبراء صينيين يقولون إن قدرة بوتين في السيطرة على الوضع معرضة للخطر، في حين أكدوا أن وسائل الإعلام الغربية أحدثت ضجة بشأن عدم الاستقرار في الاتحاد الروسي في الوقت الذي تتم فيه مناقشة كيفية تأثير إضعاف شركة فاغنر على الوجود العسكري لبكين في إفريقيا.

أما صحيفة "وول ستريت جورنال" فتقول إن تصرفات قوات بريغوجين وجنوده أثارت القلق في بكين، وكانوا يخشون أن يؤدي هذا إلى عدم الاستقرار في البلاد. لكنّ القادة الصينيين استقبلوا النهاية السريعة للتمرد بالارتياح وتلقت شركة فاغنر ردًا من الأفارقة الذين يدرسون الوجود العسكري لروسيا والصين في القارة السوداء حيث نشرت مجلة دبلوماتيك مقالاً بقلم خبيرين يدرسان سياسة الصين في إفريقيا، مفاده بأن
فاغنر أصبحت أشهر شركة عسكرية خاصة في إفريقيا، وأنها تحمي العديد من الزعماء الأفارقة ومقرات وشركات مهمة لهذه الدول، ما سمح لها بتوسيع نفوذ روسيا في القارة.

المصالح الصينية والحماية المطلوبة

يتصرف الصينيون حتى الآن بحذر شديد، نظرًا لأن شركة فاغنر ركزت على الصراع في أوكرانيا وسحبت بعض الموارد من إفريقيا . فمن المرجح أن تتحمل الجهات الصينية الفاعلة عبئًا أكبر في قطاع الأمن، وخصوصا في تلك البلدان التي لديها علاقات متوترة مع الغرب.

وأصبحت الدول الأفريقية ملعبًا مثاليًا للمغامرين الأجانب، كون هذه الدول الضعيفة لم تكن لديها الوسائل لدعم الجيوش. بالإضافة إلى ذلك كانت الثورات تحدث غالبًا هناك. لذا فإن المرتزقة الذين تم تجنيدهم بشكل رئيسي في أوروبا، أو في جنوب إفريقيا شاركوا بنشاط في الإطاحة بالحكومات. لكن في التسعينيات وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي تغيرت الصورة وحان الوقت لكسب المال للمؤسسات العسكرية الخاصة.

ويمكن القول إن شركة فاغنر تتلاءم مع هذه البيئة بشكل جيد. وكانت موجودة في السودان ودول أخرى غنية بالمعادن، بما في ذلك مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى وأصبحت بديلاً للغرب، وبخاصة في مجال الأمن الفرنسي. لكن خسارة فاغنر في أوكرانيا مكنت الشركات العسكرية الخاصة الصينية من توسيع وجودها في القارة الأفريقية على المدى الطويل.

ولقد وصل الصينيون في وقت لاحق، وكان لديهم خبرة أقل لكنهم حافظوا على علاقاتهم مع شركة بلاك ووتر الأمريكية، وهي شركة تعاقدية أمريكية خاصة بالمرتزقة. إلا أن نمو الشركات الصينية، وهي شركات مملوكة من الدولة، تمنعهم من امتلاك أسلحة فتاكة لكن بمقدورهم إتباع مسار الشركات الخاصة الأخرى والعمل تحت راية زائفة. ولا يُستثنى هذا الخيار في حال قيام الصين بهجوم لإعادة توحيد تايوان بوطنها.

وكانت الجهود الرئيسية للشركات الخاصة الصينية تهدف إلى ضمان أمن الشركات الحكومية في جمهورية الصين الشعبية في إفريقيا، لذلك يستخدمون الميليشيات شبه العسكرية المحلية.

وكانت القاعدة الرئيسية لفاغنر هي جمهورية إفريقيا الوسطى من دون أن تعلن عن عملها. لكنها كانت موجودة في مناطق مختلفة في مالي وموزمبيق وجمهورية الكونغو (برازافيل).

إن موظفي شركة فاغنر الذين كانوا في إفريقيا لم يشاركوا في التمرد في روسيا. لكن في المقابل ظهرت تقارير منذ فترة طويلة في الغرب تفيد بأن الصينيين يمكن أن يحلوا محل الشركات العسكرية الأخرى في أفريقيا، فيما الصين ليس لديها شركات عسكرية خاصة بينما تمتلك بكين وحدات أمنية مصممة لحماية موظفي المنظمات الصينية في أفريقيا.

وصحيح أن الصين أقامت تعاونا رسميا مع الدول الأفريقية خصوصًا أنها تمدهم بالأسلحة وتدرب الجنود الأفارقة، ناهيك عن وجودها في أفريقيا حيث تتمركز الشرطة المسلحة الشعبية الصينية التي تتمثل مهمتها في حماية السفارات والمؤسسات الدبلوماسية الأخرى.