"السمراء" قارة الانقلابات.. لماذا؟

"أرشيفية"
رغم ثراء القارة الأفريقية بمواردها الطبيعية الضخمة، والتي تمثل عمادا للصناعات المُهمة في أوروبا والولايات المتحدة والصين، فإن سكان القارة البالغ عددهم نحو 1.4 مليار نسمة، لم يعرفوا أي استقرار سياسي أو أمني أو اقتصادي. وفق مُعظَم الإحصاءات، يعيش أكثر من 55% من سكان القارة الأفريقية، تحت خط الفقر.
شهدت الأشهر العشرة الأخيرة 5 محاولات انقلاب، منها في مالي بقيادة غوتا في مايو\أيار 2021، وأخرى في غينيا كوناكري في سبتمبر\ أيلول 2021 بقيادة العقيد مامادي دومبويا والأسبوع الأخير من يناير 2022 في بوركينا فاسو بقيادة العقيد بول هنري زامبيا وبعدها في النيجر والغابون.
في العقد الأخير كانت عودة قوية لظاهرة الانقلابات في أفريقيا. ويعتبر مراقبون أن عودة الانقلابات إلى أفريقيا تطرح معضلة "فشل القارة" في وقف هذه الظاهرة التي وصل عدد محاولاتها الفاشلة والناجحة إلى حوالي 205 محاولات انقلاب، منذ بدء استقلال البلدان الأفريقية، عن الاستعمار الأوروبي، نهاية خمسينيات القرن الماضي.
لماذا تستمر الانقلاب في افريقيا؟
جواب هذا السؤال له 3 أجزاء:
الجزء الأول، مرتبط بشخصية كبار المتنفذين من أجانب في هذه القارة. STATUS QUO عدم الاستقرار يصب في مصلحة النظام الاقتصادي الذي يملكه كبار رجال الأعمال العالميين ممن يملكون علاقات شخصية ومصالح شخصية داخل دول هذه القارة. هؤلاء يعتبرون أكثر نفوذا وقوة من الرؤساء نفسهم في هذه البلدان. يملكون مصانع ومناجم وغيرها من الصناعات والتجارات ولهم علاقة مباشرة بالأشخاص في الحكم. يؤثرون هنا على فلان وهنا على معارضه ويحدثون قلاقل في سبيل تسيير أعمالهم.
أما الجزء الثاني فمرتبط بالصراعات بين الدول العالمية التي تستفيد من هذه القارة الغنية بمواردها ويعيش سكانها في فقر مدقع. فالسباق السياسي – الاقتصادي العالمي ينعكس صراحة على الاستقرار في هذه القارة. على سبيل المثال لا الحصر ما حصل في النيجر، والانقلاب الذي رفع علم روسيا بدلا عن العلم الفرنسي. وفي دول أخرى سباقات يتدخل فيها الأميركيون (الدولة العميقة) وروسيا والصين وأوروبا وإسرائيل وإيران (عبر حزب الله ورجال أعمال تابعين لهذا المحور ومتنفذين في أفريقيا).
يردّ مراقبون استمرارَ ظاهرة الانقلابات العسكرية في أفريقيا، إلى عدم قدرة المجتمع الدولي، على اتخاذ موقف موحد في مواجهة تلك الانقلابات، إذ في الوقت الذي تنبري فيه دول غربية، على رأسها الولايات المتحدة، إلى رفض تلك الانقلابات والسعي إلى استصدار قرارات لمواجهتها عبر مجلس الأمن، تقف روسيا والصين في العادة، في مواجهة تلك القرارات، وهو ما يُشعر قادة الانقلابات، بأنهم محصنون، ومن ثم، يؤدي ذلك إلى توالي الظاهرة.
فيما الجزء الثالث فهو وجود حالة من انعدام الاستقرار السياسي، وضعف اقتصادي وتردٍ في الأحوال المعيشية، وعدم استقرار أمني، وانسداد في مناخ الحريات - وكلها ظروف، تمثل وقودا لعدم الاستقرار السياسي، الذي ربما يؤدي بدوره إلى وقوع الانقلابات، في ظل غياب مؤسسات راسخة للحكم المدني.
ويعتبر العديد من المراقبين أن ظاهرة الانقلابات في أفريقيا، مرشَّحة للاستمرار في ظل اقتصاداتٍ متدهورة، تؤدي بدورها إلى حالة من الضعف الأمني، وإلى تفشي الحروب الأهلية، والتي تعاني منها العديد من بلدان القارة منذ عقود.
فتوالي الانقلابات، والبقاء في ظل حكم عسكري دائم، يعيق الانتقال إلى مؤسَّسات حكم ديمقراطي قوية، يمكنها صياغة طريقة جديدة، للتعامل مع مشكلات البلاد، فيما يتعلق بالاقتصاد والحريات، وهو ما سينعكس بشكل إيجابي على أشكال، من التنمية المستقرة والمستدامة.
كما أنّ مسألة الانقلابات العسكرية في أفريقيا مرتبطة بعوامل هيكلية ووظيفية، جعلت هذه القارة مهيأة دائماً لهذا النوع أو النمط من الحكم، وأحدثت الحقب الاستعمارية إشكاليات في هيكلة دول القارة، لا سيما خلق بنية ذات طبيعة عسكرية، وتجييش الإنسان الأفريقي، وجعلت من الآخر الأفريقي خاضعاً، بمعنى أن تكون الكلمة للقوة العسكرية، كما أن الإرث الاستعماري الذي حكم القارة هو إرث سلطوي قائم على البطش والسيطرة بالقوة العسكرية، فضلاً عن أن النظم السياسية التي حكمت القارة بعد الاستعمار جاءت عبر كفاح مسلح بمسمى حركات التحرر المناهضة للاستعمار، وهي أشبه بالنظم العسكرية، وبالتالي، لم تعد النظم المدنية محل ثقة، وسرعان ما تجهض بانقلابات عسكرية.
بالخلاصة يمكن القول إنّ الأسباب المباشرة للانقلابات هي ذات طابع داخلي وخارجي في آن.
الداخلي ناتج عن الصراع حول السلطة بدوافع الأحقية والجدارة، والصراع حول الموارد بخاصة النفيسة، ما يزيد من أطماع القادة العسكريين لا سيما في غرب ووسط أفريقيا للسيطرة على عائدات هذه الموارد، فضلاً عن الصراعات الأيديولوجية، والعرقية، والمناطقية، كما حدث في إثيوبيا مطلع تسعينيات القرن الـ20 بسيطرة قومية تيغراي. أما الأسباب الخارجية فهي تتمثل في رغبة دول أجنبية في حدوث تغيير لنظام سياسي قائم في دولة أفريقية ما، وهذا نجده بكثرة عند الدول التي كانت تحت الاستعمار الفرنسي، بخاصة في غرب القارة، من أجل التنافس على السلطة.
لم تقدم النظم العسكرية الشمولية النموذج الأفضل للحكم، بل أحدثت إشكاليات كبيرة أثرت سلباً على تطور الدولة ونهضتها، لأنها لم تكن تتبع العدالة وبسط الحريات، إضافة إلى أن غالبية هذه النظم العسكرية تعمل على تغييب الوعي السياسي وتطوره. معظم هذه الأنظمة ارتبط بالفساد وتعطيل مبادئ المشاركة السياسية. نرى مثلا دول التي نهضت في ظل الحكم الديمقراطي مثل كينيا ورواندا وجنوب أفريقيا وتنزانيا، بينما ظلت الدول التي تحكم عسكرياً ترزح في التخلف والانهيار.