وكالات..

رحلة عبر الزمن.. عن ثراء"العلا" الثقافي وإرثها الإنساني

"أرشيفية"

الرياض

في محافظة العلا، أصول ثقافية صاغتها حضارات متعاقبة وكانت مقصدًا لرحلات الرحالة والمستكشفين، ولا تزال حتى اليوم أحد أهم مواقع الاستكشافات التاريخية نظير ما تختزنه من آثار.
وتجسيدًا لما تزخر به من ثراء ثقافي وإرث إنساني، وبهدف أن تصبح منصة عالمية أولى في قطاع التراث الثقافي وعلوم الآثار، عقدت "قمة العلا العالمية للآثار"، من تنظيم الهيئة الملكية لمحافظة العلا.
قمة حضرها 327 مشاركاً من 39 دولة، وأكثر من 80 متحدثاً، و50 وفداً من الشباب المشاركين في منتدى المستقبل

 وتمثيل 167 مؤسسة منها 65 جامعة، وبنسبة جنس بلغت 47% للإناث مقابل 53 % للذكور ومن المسؤولين الحكوميين ورؤساء المنظمات والجمعيات العربية والدولية المعنية بالآثار والتراث الثقافي، وعشرات العلماء والمتخصّصين في المجال من السعودية ومختلف دول العالم، وذلك لمناقشة تحديات القطاع وسبل الإرتقاء به نحو آفاق جديدة تحقيقًا لمستهدفات رؤية العلا المتماشية مع رؤية السعودية 2030 وتضمن اليوم الأخير للقمة الإعلان عم جائزة التميز لقمة العلا العالمية للآثار سيتم منحها في القمم المستقبلية وستعزز علم الآثار.
 
هذه القمة أظهرت مكانة العلا كمركز للنشاط الأثري وذلك بدعم وتوجيهات رئيس مجلس الوزراء السعودي ولي العهد صاحب السمو الملكي الامير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود ومتابعة وزير الثقافة ومحافظ الهيئة الملكية لمحافظة العلا سمو الامير بدر بن عبد الله بن فرحان آل سعود .
 
قمة العلا العالمية للآثار
 
تضمنت القمة، جلسات حوارية ومعرفية، ركزت على مجال تطوير علم الآثار ومناقشة التحديات للتوصل إلى رؤى مشتركة وفتح آفاق التعاون والشراكات وخلق مساحة للحوار في مجالات علم الآثار والتراث الثقافي وتحسين جودة الحياة وتحفيز النمو الاقتصادي والتطوير العمراني ضمن إطار التنمية الشاملة المستدامة التي تنص عليها رؤية العلا.
وركزت "قمة العلا العالمية للآثار" على أربعة محاور، هي "الهوية، ومشهد الآثار، والمرونة، وإمكانية الوصول"، حيث ركزت الجلسات على تطوير علم الآثار، بما يسهم في زيادة الاكتشافات الأثرية وتفعيلها عالميًا.
في خلال 30 جلسة عمل متنوعة، تمت مناقشة بناء الهوية في العصر الحالي وتعظيم الاكتشافات الأثرية، وحفظ وتوثيق القطع الأثرية، وآليات الاستفادة من الذكاء الاصطناعي وتحدياته، وكيف يمكن تعزيز النمو الاقتصادي ونقل المهارات في قطاع الآثار، إضافة إلى حفظ الآثار المرتبطة بقيم المجتمع، ودور وسائل الإعلام في دعم التراث الثقافي وعلم الآثار .
تعمل الهيئة الملكية لمحافظة العلا، على بناء اقتصاد ثقافي معرفي، حيث تحكي معالم العلا تاريخ حضارات إنسانية، وتمتاز بجمال طبيعي وتراث إنساني نوعي، ما يجعلها في مكانة أكبر متحف حي في العالم، فتغدو وجهة ثقافية فريدة.
 
التناغم بين السياحة الأثرية والطبيعية
 
في الهيئة الملكية لمحافظة العلا، يبرز التناغم والانسجام بين الإنسان والطبيعة في كل تفاصيل مشروع تطوير العلا، حيث تتضمن الرؤية المبتكرة والمتكاملة للاستدامة كل الأبعاد البيئية والاقتصادية والاجتماعية.
تأسست الهيئة الملكية لمحافظة العلا بمرسوم ملكي في يوليوز/تموز 2017 للحفاظ على العلا وتطويرها، وهي منطقة بأهمية طبيعية وثقافية بارزة في شمال غرب المملكة العربية السعودية. تتبنى خطة الهيئة الملكية لمحافظة العلا على المدى الطويل نهجًا مسؤولًا ومستدامًا وحساسًا للتنمية الحضرية والاقتصادية

 يحافظ على التراث الطبيعي والتاريخي للمنطقة، ويجعل العلا موقعا مرغوبا فيه للعيش والعمل  والزيارة ويشمل مجموعة واسعة من المبادرات في مجالات الآثار، والسياحة، والثقافة، والتعليم، والفنون، مما يعكس التزامًا بتلبية التنويع الاقتصادي، وتمكين المجتمع المحلي، وأولويات الحفاظ على التراث في برنامج رؤية المملكة العربية السعودية 2030 .
 
تشتهر العلا بجمالها الطبيعي الخلاب وموائلها المتنوعة التي ازدهرت في القِدَم بالتعايش بين الحياة البرية والبشر، واليوم أصبحت حماية هذه الحياة البرية ضرورة وليست مجرد خيار، لترتكز جهود الهيئة الملكية لمحافظة العلا للطبيعة في العلا على استعادة الحياة الفطرية وموائلها والحفاظ عليها بطريقة مستدامة تضمن التنوع الاقتصادي فيها.
 
بالنظر إلى بيئة العلا الطبيعية والتراثية، تأتي التنمية المسؤولة في قلب مخطط "رحلة عبر الزمن"، والتي أعلنت الهيئة الملكية لمحافظة العلا عن إطلاق المخطط الرئيسي الثاني للتطوير الحضري لوسط وجنوب العلا والذي يهدف لتحسين جودة الحياة وتحفيز النمو الاقتصادي والتطور العمراني والتي تحقق أهداف رؤية العلا تماشيا مع رؤية 2030، وتم وضع سياسات تنمية قوية في المناطق التراثية الحساسة، مدعومة بالدراسات المكثفة للأنماط البشرية والتطور البيئي والجيولوجي.
 
تزامنًا مع مبادرة السعودية الخضراء وإحياء وتأهيل واحة العلا الثقافية، تمتد هذه السياسات المرنة من استراتيجية تقليل الإنبعاثات الكربونية إلى تضمين مبادئ الاقتصاد الدائري، وتحسين إدارة المياه، وزراعة الغطاء النباتي، وسياسات القيادة على الطرق الوعرة، فضلاً عن تحسين إدارة الفيضانات والمياه، والإنتاج الزراعي المستدام، وسياسة زيادة الغطاء النباتي.
 
حماية التراث الطبيعي والإنساني
 
تقع العلا على مسافة 300 كيلومترٍ من المدينة المنوّرة، في الشمال الغربي للمملكة العربية السعودية، وتعتبر من الأماكن الاستثنائية الزاخرة بالتراث الطبيعي والإنساني . وفي العلا واد من الواحات الخضراء، وجبال شاهقة من الحجر الرملي، ومواقع أثرية وثقافية قديمة يعود تاريخها إلى آلاف السنين، وإلى حضارات سكنت المنطقة ومنها حضارتا دادان ولحيان .
 
محافظة العُلا، وهي أول مواقع المملكة العربية السعودية المسجّلة في لائحة اليونسكو للتراث العالمي عام 2008 وكانت بمثابة المدينة الجنوبية الرئيسية لمملكة الأنباط، وهي مدينة حجرية تقع فيها "مدائن صالح " وهي من أشهر الآثار التاريخية في المملكة العربية السعودية إذ تشهد على حضارة عريقة ضاربة في جذور القدم. تعود التسمية إلى النبي صالح وقومه ثمود وقد عرفت في القرآن الكريم باسم الحجر حيث جاء وصفها باعتبارها مدينة منحوتة من الجبال والصخور .
 
نقوش وآثار تروي تاريخ الحضارة الإنسانية
 
وتشير الدراسات الحديثة إلى اعتبار الحِجر أقصى المواقع الجنوبية في الإمبراطورية الرومانية وتعتبر العُلا موطنًا لسلسلة من المواقع التاريخية والأثرية الرائعة مثل الخُريّبة (دادان قديمًا)، عاصمة المملكتين الدّيدانيّة واللّحيانيّة، والتي تعتبر اليوم واحدة من أكثر المدن تطورًا خلال الألفية الأولى قبل الميلاد في الجزيرة العربية، وآلاف الأمثلة عن الفنون الصخرية والنقوش القديمة، علاوةً على محطة سكة حديد الحجاز .
وتحتوي العلا على مئات النقوش الأثرية التي يعود تاريخها إلى الحضارات الصفوية والآرامية والثمودية والمعينية والإغريقية واللاتينية أما جبل الأقرع ففيه ما يزيد عن 400 نقشٍ عربي، بينما يُعدُّ جبل عكمة واحدًا من أكبر المكتبات المفتوحة في المملكة العربية السعودية التي تحتوي على كتابات ونقوش أثرية هي الأهم، حيث يوجد به نقوش ورسوم تعود إلى الحضارتين الدّيدانيّة واللّحيانيّة .
 
متحف حي أثري
 
وفي السياق، أوضح الباحث السعودي في الآثار الدكتور عماد الابراهيم في حديث لـ "جسور" أن العلا تتميز بمقوماتها الطبيعية والثقافية الفريدة. وقد شرعت الهيئة في تنفيذ خطة طويلة الأمد لتطوير المحافظة وتحقيق التحول المستدام وتعزيز مكانتها كإحدى الوجهات الأثرية والثقافية المهمة والنهوض بها لاستقبال الزوار من أنحاء العالم كافة.


العلا تُعتبر العاصمة الثانية تاريخيًا لمملكة الأنباط القديمة بعد مدينة البتراء في الأردن. ومؤخراً أصبحت مسرحاً لفعاليات موسم العُلا بأنشطته الموسيقية والترفيهية المتنوعة باعتبارها مَعلم تاريخي في السعودية. وهي من أكثر اثار المملكة العربية السعودية المعروفة والتي تجذب الكثير من الزوار .
 
تراث ثقافي ومعرفي
 
واعتبر الدكتور عماد الابراهيم، أن المخطط  الحالي "رحلة عبر الزمن " خريطة طريق ، طموحة لحماية وإحياء وتأهيل والحفاط على العلا بشكل مستدام انطلاقا من العمود الفقري لأكبر وأقدم البيئات الطبيعية الثقافية في العالم ، والتي تشكلت من الأعمال المشتركة بين الإنسان والطبيعة على مدى آلاف السنين .


وأكدت الرؤية التصميمة لمخطط العلا "رحلة عبر الزمن"، على إثراء تجربة الزيارة والسياحة في أحد أهم مواقع التراث الطبيعي والثقافي في العالم، وعبر ركائز عدة منها المسؤولية والاستدامة في تنفيذه والحفاظ على هوية المكان المستوحاة من إرثها التاريخي والحضاري.


ويتيح المخطط "رحلة عبر الزمن" للزوار تجارب عدة تحتفي بإرث العلا الغني وتراثها وجاذبيتها السياحية لحضارات بقيت شواهدها حية، التي تمتد إلى أكثر من 200 ألف عام من الطبيعة والتاريخ البشري.
وأضاف الدكتور الابراهيم: تم وفق المخطط، إنشاء خمسة مراكز ثقافية، تعد الهيكل الأساس في المخطط ترتبط بينها بمرافق ثقافية نوعية، تجعل من العلا وجهة عالمية رائدة للفنون والتراث والثقافة والطبيعة وقد ساهم المخطط بإعادة إحياء وتأهيل واحة العلا الثقافية، والتي تشكّل قلب العلا الطبيعي والثقافي، وتم ربط المراكز الخمسة عبر وادي الضيافة بطول 20 كم، ليوفّر تجارب ممتعة في الضيافة والاستكشاف، إضافة إلى مرافق ومسارات ثقافية وطبيعية فريدة .
 
خمسة مراكز ثقافية تاريخية
 
وكشف الدكتور الابراهيم عن أن سكان وزوار العلا، على موعد مع تجربة فريدة من خلال "قطار العلا السياحي" الصديق للبيئة، على امتداد 46 كيلومتراً بين المناظر الطبيعية والثقافية في العلا ومراكزها الخمسة التي تمتد من البلدة القديمة جنوبًا، وصولاً إلى مدينة الحجر الأثرية شمالاً، التي تعد أول موقع سعودي تم إدراجه على لائحة اليونسكو للتراث العالمي.
 
وتتضمن المراكز الخمسة الثقافية التالي:
 
المركز الأول: " البلدة القديمة" وهي قلب العلا الثقافي والإبداعي الذي يربط البلدة القديمة بالواحة الثقافية، حيث تشكل هذه الواحة رابطاً بين المجتمع والإنتاج الثقافي والاستكشاف الفني، وستسهم في ازدهار القطاع الثقافي من خلال طاقاتها الفنية وإلهامها البصري، وأيضاً من خلال المرافق الثقافية الستة: حي الفنون، والمعارض، ووادي الفن، ومعرض الحياة والذاكرة، وحدائق الواحة الحية، وسوق طريق البخور، وستعكس البلدة القديمة تاريخ العلا وتراثها وتقاليدها، إضافة إلى أسلوب حياتها المزدهر قديما وحديثا .
 
المركز الثاني: "واحة دادان" , وستسهم الواحة في تشكيل إرث وتراث العلا الضارب في أعماق التاريخ، لما تتميز به من مواقع تاريخية وتراثية فريدة، حيث تضم أرض الممالك القديمة في شمال الجزيرة العربية موقع دادان التراثي وقرية دادان، بالإضافة إلى معهد الممالك، وهو مركز للدراسات الأثرية ومنصة ثقافية عالمية للمعرفة للعلماء والباحثين .
 
المركز الثالث: "واحة جبل عكمة" وهو مركز يعد الأكثر تفردًا، من خلال المكتبة المفتوحة المليئة بالنقوش التي نحتتها حضارات شمال غرب شبه الجزيرة العربية، وستجسّد هذه الواحة من خلال موقع جبل عكمة الأثري ومتحف وحدائق البخور، تلاقي الطبيعة والتاريخ معاً في أرض العلا .
 
المركز الرابع: "الواحة النبطية" وتضم الواحة مجموعة من المرافق الثقافية المنحوتة والتي تعكس العمارة النبطية، مثل القرية النبطية، كما تضم "قاعة مرايا"متعددة الاستخدامات، وتعد أكبر مبنى مغطى بالمرايا في العالم، واستضافت عددًا من المؤتمرات والعروض الفنية لعدد من الفنانين العرب والعالميين. كما توفر الواحة، رحلات زمنية عبر توفير نمط حياة نبطية قديمة، وذلك من خلال المسرح النبطي، ومتحف تراث الخيل العربية الأصيلة، ومتحف الحِجر، وتتميز بخيارات معيشة وضيافة عالمية بما في ذلك منتجع عشار ومنتجع وادي عشار ومنتزه كرفانات عشار .
 
المركز الخامس: "مدينة الحجر الأثرية" وهي شموخ يبرز في أول موقع سعودي تم إدراجه على لائحة اليونسكو للتراث العالمي، وستكون مدينة الحجر التاريخية موقعاً يستكشف فيه الزوار الآثار الضخمة لحضارة نبطية بقيت شواهدها، وسيحظى زوارها بتجارب مميّزة وممتعة يُجسّدها الحفاظ على تراث الحجر الفريد وهويته .