الأميركيون لا يريدون انفراط سلطة حفتر لصالح الإسلاميين

واشنطن تقترب من حفتر
شكلت زيارة قائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) مايكل لانجلي إلى شرق ليبيا حدثا مهما ليس فقط بسبب الأوضاع الاستثنائية التي تعرفها البلاد نتيجة الفاجعة التي شهدتها مدينة درنة، ولكن كذلك بسبب ما بدا أنه تقارب أميركي مع قائد الجيش خليفة حفتر.
وبدت زيارة لانجلي، الذي كان مصحوبا بالمبعوث الخاص الأميركي السفير ريتشارد نورلاند، رسالة دعم لحفتر، في وقت يقول فيه مراقبون إن الأميركيين متخوّفون من تبعات أزمة درنة ومن أن يفقد حفتر جزءا من سطوته على مقدرات الناس بعد أن خذلهم على كل مستوى في أزمة الفيضانات.
وكشفت هذه الفيضانات عن الغياب الكلي للسلطة التي يقودها حفتر في الشرق في عمليات الإنقاذ والإيواء والدعم السريع للمتضررين. واكتفى المحسوبون على حفتر والبرلمان والحكومة التي تعود إليه بالنظر بدور محدود تركز في أغلبه على تقديم أعداد الضحايا والمتضررين.
وقالت السفارة الأميركية “بحث لانجلي وحفتر أهمية تشكيل حكومة وطنية منتخبة ديمقراطيا، وإعادة توحيد الجيش الليبي وحماية السيادة الوطنية عن طريق إزالة المرتزقة الأجانب”.
ولا يعدو الحديث عن الانتخابات أن يكون غطاء لحقيقة أن الأميركيين يريدون عدم انفراط سلطة حفتر لصالح الإسلاميين، خصوصا وأن رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبية هو نفسه يوجد في وضع لا يحسد عليه من تداعيات القتال في طرابلس، ثم قضية وزيرة الخارجية المقالة نجلاء المنقوش ولقائها مع إسرائيليين، والآن عجز الإدارة في الغرب عن تقديم شيء ملموس لكارثة الشرق.
ويرى مراقبون أن واشنطن تدعم تماسك سلطة حفتر في الشرق من دون دعم مشروعه السياسي الشخصي. وقالت القيادة العامة لقوات الجيش في بيان إن “حفتر ولانجلي ونورلاند ناقشوا أهمية تعزيز التعاون المشترك لمكافحة الإرهاب”. كما أعرب لانجلي عن “تقديره لجهود القوات المسلحة الليبية في مكافحة الإرهاب”.
وعقب سلسلة لقاءات عقدها في طرابلس، طالب لانجلي السياسيين والعسكريين في ليبيا بالوحدة لمساعدة المحتاجين في المناطق المنكوبة جراء الفيضانات.
وتأتي زيارة لانجلي بعد أيام من وصول نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف إلى بنغازي للاجتماع بحفتر، حيث أكد له سعي موسكو لدعم المناطق المتضررة من العاصفة “دانيال”.
ومن الطبيعي أن تفرض واشنطن حضورها بمنافسة الدور الإغاثي الروسي. وقالت السفارة الأميركية في ليبيا إن لانجلي ونورلاند “وصلا إلى بنغازي مصحوبين بـ13 طنا من المساعدات المقدمة من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، لدعم المتضررين من الإعصار”.
وأضافت أن “الجسر الجوي الذي وفرته ‘أفريكوم’ لنقل الإمدادات الإنسانية من مخزن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بدبي، يقدم مساعدات إغاثية عاجلة للمتضررين”، وأنها ستواصل “العمل مع الشركاء الليبيين والدوليين لتوفير التمويل والمستلزمات الحيوية والخبراء لمساعدة أولئك الذين هم في أمسّ الحاجة إلى المساعدة”.
ورغم أن واشنطن لا تبدي حماسا لدور سياسي محتمل للمشير حفتر، إلا أنها غير قادرة على تجاهل دوره العملي وعلى موقعه المهم من خارطة التوازنات السياسية والاجتماعية في بلد لا يزال يواجه خطر التقسيم والتفتت، وهي ترى أن التنسيق معه يبقى أفضل من التخلي عنه لفائدة الروس.
ويستفيد حفتر من عجز واشنطن على فرض خياراتها وخاصة تلك المتصلة بتنظيم الانتخابات أو بتوحيد المؤسسة العسكرية وحل الميليشيات وجمع السلاح وإجلاء القوات الأجنبية وجحافل المرتزقة والتوزيع العادل للثروة، وهي شعارات طالما رفعها الأميركيون وحلفاؤهم دون تحقيق أيّ منها على الأرض.
وما يزيد في تعقيد الوضع في ليبيا، أنه لا يمكن بأيّ حال من الأحوال فصل الواقع الداخلي عن التحوّلات التي تشهدها المنطقة ككل، وخاصة دول الساحل والصحراء التي يبدو أنها ستحتاج إلى مراحل انتقالية عدة قادمة قبل بلوغها مرحلة الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
وكان نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف قد قام قبل وصوله إلى بنغازي بجولة في عدد من دول الساحل الأفريقي وخاصة النيجر ومالي وبوركينا فاسو التي شهدت مؤخرا انقلابات عسكرية ترفع شعار الابتعاد عن المستعمر السابق فرنسا ودخولها بشكل واضح إلى الفلك الروسي، وهو ما أثار حفيظة العواصم الغربية بما فيها واشنطن التي يبدو أنها فشلت إلى حد الآن على الأقل في محاولاتها ملء الفراغ الذي تركته باريس في المنطقة.
ومما يزيد في أهمية زيارة قائد القيادة العسكرية الأميركية “أفريكوم” إلى بنغازي، أن هناك من يعتبر مناطق سيطرة الجيش الليبي امتدادا لمراكز النفوذ الروسي في الساحل والصحراء، لاسيما من حيث الحضور الفاعل لمجموعة “فاغنر” التي باتت تشكل صداعا عنيفا في جبهة واشنطن وحلفائها الغربيين.
ورغم الضغوط المتواصلة المسلطة عليه من قبل العواصم الغربية، وبالأخص واشنطن، فإن حفتر لا يزال يحافظ على علاقاته الوطيدة مع موسكو، ويعتبرها المقربون منه ضمانة للإبقاء على التوازنات السياسية والإستراتيجية في ليبيا دون خلل، خصوصا وأن الولايات المتحدة غالبا ما ترفض التحالف مع السلطات العسكرية.