استحواذات الخليج تخلط الأوراق في سوق المال المصرية
تشهد سوق المال المصرية مغامرة استثمارية لم تكن متوقعة عقب طلب شركة باكين الشطب من البورصة بعد عقد صفقة الاستحواذ الخليجية على حصة الحكومة فيها، ما يُنذر بانتفاء الغرض من برنامج الطروحات الحكومية الهادف إلى تمكين القطاع الخاص.
أكد خبراء أن تخارج بعض الشركات المصرية من البورصة المحلية بعد شراء حصص الحكومة في مؤسسات مختلفة يمهد لنقل ملكية بعض الكيانات إلى القطاع الخاص، وقد يُلحق ذلك ضررا ببقية الكيانات التي لا يمكنها المنافسة.
وتمضي شركة الأصباغ القابضة الإماراتية في خططها لتحويل شركة البويات والصناعات الكيماوية (باكين) إلى كيان خاص بعد الاستحواذ عليها في مايو الماضي، إذ تقدمت بطلب إلى البورصة لشطب جميع أسهمها البالغة 24 مليونا اختياريا.
وفازت الشركة الإماراتية بالصفقة بعد وصول العرض إلى 25 مليون دولار، إثر منافسة استمرت عاما مع كيانات محلية وعربية، وجرى التقييم بالجنيه فيما نُفذت عملية دفع القيمة بالدولار.
وتعد خطوة الأصباغ خلطا للأوراق في السوق المصرية، لأنها تغير إلى حد كبير شكل وطبيعة برنامج الطروحات، رغم أنها الصفقة الأولى فيه، لأنها تؤسس لولادة كيانات خاصة جديدة منغلقة مع أنها حكومية، وكانت منفتحة للمستثمرين وتتبع معايير الإفصاح والشفافية.
وتلجأ شركات خليجية إلى الشطب عقب شراء حصة مسيطرة أو إستراتيجية من الكيانات المصرية، لأنها تضع خطة جديدة تتطلب موافقة مجلس الإدارة وعقد جمعيات عمومية، وترغب في أن يتم ذلك بشكل مغلق.
وحال هدم الشطب قد تتعطل الخطة ما يتطلب عقد اجتماعات وجمعيات في مواعيد محددة مع ضرورة الإفصاح المستمر وإبلاغ البورصة والإعلان في صحيفتين يوميتين ورقيتين واسعتي الانتشار لإبلاغ المستثمرين الأفراد، وهي تدابير ترى الشركات أنها تهدر الوقت.
ووافق مجلس إدارة باكين على الشطب وإعادة شراء أسهم المساهمين المتضررين أو المعترضين مقابل 39.8 جنيه (نحو دولار واحد حاليا) للسهم، وهي قيمة قام بها مستثمرون إماراتيون بالشراء عند الاستحواذ على الشركة.
واستحوذت الأصباغ على حصة تتجاوز 80 في المئة من أسهم باكين، منها حصة الحكومة البالغة 56.5 في المئة.
واستقبلت الشركة المصرية مساهمين جددا ضمن خطة الحكومة لبيع حصص في بعض الأصول، مع حرصها للتخارج جزئيا من قطاعات لصالح القطاع الخاص.
وقال ياسر عمارة عضو مجلس إدارة الاتحاد المصري للأوراق المالية إن "لجوء الشركات الخليجية إلى الشطب يتعارض في ظاهره مع خطة الدولة لتنشيط البورصة ودخول المستثمرين الأفراد".
لكنه توقع في تصريحات لـ"العرب" ألا يقوض ذلك الوضع انتعاش السوق أو خفض السيولة بشرط أن يتبع ذلك طرح شركات جديدة.
وأوضح أن من الأسباب التي تدفع الشركات إلى ذلك خوفها من معارضة صغار المستثمرين لأي قرار يتخذه مجلس الإدارة، الذي من شأنه تعطيل التوسعات المستقبلية المأمولة.
ووفق قانون سوق المال يحق لنحو 5 في المئة من المستثمرين الاعتراض أو إيقاف قرارات الجمعية العمومية للشركات والموافقة أو رفض مقترح توزيع الأرباح وتحديد مكافأة وبدلات أعضاء مجلس الإدارة.
كما يحق لهؤلاء تعيين مراقب الحسابات وتحديد أتعابه والنظر في عزله، وهي أمور تعتقد المؤسسات الكبرى أنها في غنى عنها حتى تنفذ إستراتيجيتها الاستثمارية المتكاملة.
ومع رغبة الكيانات الخليجية في إعادة الهيكلة الكاملة للشركة المستحوذ عليها لن يتحقق ذلك إلا باعتبار المؤسسة الجديدة شركة عائلية لا يُدرك مصلحتها إلا أفرادها.
ويعد دخول أشخاص من خارجها بمثابة سعي لتحقيق الأرباح والمصالح بعيدًا عن النظرة الثاقبة التي يراها أصحاب رؤوس الأموال.
ورجح عمارة أن تعود مثل هذه الشركات إلى الإدراج بعد تحقيق أهدافها من الكيان الجديد، لكن لن يحدث ذلك قبل ثلاثة أو خمسة أعوام على الأقل.
وقال إن "الشطب بعد الاستحواذ ربما يكون في صالح الكيان الجديد للانطلاق بشكل أكبر في مجاله والتوسع محليا وخارجيا".
ويرى خبراء أن التخارج من البورصة من الأخبار السلبية التي تضر بسمعة سوق المال من ناحية، وتُنذر بهروب شريحة من المستثمرين، ويعتبرون بعض الأسهم من الفرص الواعدة لهم.
وأوضح خبير الاستثمار فؤاد ثابت أن الكيانات تُقنع الرأي العام والسلطات بأنها تلجأ إلى الشطب ليس بسبب عيب في السوق أو تشوّه صورتها، وإنما بغرض زيادة الاستثمار وتعميق الصناعة المحلية.
وقال لـ"العرب" إنه "لا مجال للاصطدام بقوانين الهيئة العامة للرقابة المالية والبورصة التي تطالب بالمزيد من الشفافية".
ومع شطب الشركات تفقد المؤسسة وسيلة تمويل مهمة ورخيصة، لكن الكيانات الكبرى، خاصة الخليجية، تفضل الاعتماد على التمويل الذاتي من ملاكها الذين يتمتعون بملاءة مالية قوية.
وتحرص مؤسسات خليجية على عدم خوض أي نزاع يتعلق بحقوق صغار المستثمرين ورفضهم فكرة الشطب، لكن كون نسبتهم ضئيلة لا يمكنهم من فرض رأيهم على قرارات مجلس الإدارة.
وأكد ثابت أن الحل الأمثل لتعويض المستثمرين هو شراء حصتهم في الكيان بنفس قيمة السهم التي تم الشراء بها عند الاستحواذ.
وأشار إلى أنه بهذا الأسلوب لن يتضرر المساهمون، ولن يتأثر المركز المالي للشركة طالما توفرت السيولة اللازمة لشراء الأسهم وتضمن التوسعات المرتقبة.
ومن المنتظر تكرار سيناريو الشطب ما لم تتفق الحكومة مع الكيانات التي تشتري حصصها، لأن مجلس إدارة شركة العز الدخيلة للصلب وافق على شطب أسهمها اختياريا.
واتخذ القرار بعد أن استحوذت العز على حصة الحكومة مقابل 281 مليون دولار، وتعتمد في توسعاتها على الحصول على قرض بالدولار من أحد البنوك.
ويصعب على القاهرة رفض قرار أي شركة ترغب في الشطب الاختياري، لأنه يمثل قرار مجلس الإدارة والجمعية العمومية، وتقدم الكيانات المبررات المُقنعة بأنها ستحافظ على حقوق العمال وأن لديها خططا جديدة، وغير ذلك.
وثمة بند وحيد يمكن أن تعترض عليه الجهات الرقابية في سوق المال، وهو قيمة السهم المحددة لشراء ما في حوزة الأقلية من المستثمرين المتضررين.
وفي ضوء ذلك يرغب الكيان في الشراء بأقل قيمة عادلة فيما تطالبه السلطات بأعلى سعر وفي النهاية يتم الاتفاق، وحال عدم التوافق يتم تعيين مستشار مالي مستقل لتقييم السهم.
ويمكن أن تتدارك السلطات مخاطر الشطب من البورصة بتسريع برنامج الطروحات مع عدم بيع حصص حاكمة للمستثمرين إذا رغبت في تنشيط سوق المال وتوسيع قواعد ملاك الشركات، وحتى لا تشوه صورة السوق لدى المستثمرين.
يأتي ذلك مع مساعي طرح شركة العاصمة الإدارية الجديدة في البورصة الفترة المقبلة، والذي يتطلب سيولة كبيرة في سوق المال.