أحكام قضائية مغلظة لطي فصول أحدث الجرائم السياسية في الجزائر

القضاء الجزائري يصدر أحكامه النهائية بشأن الجريمة

الجزائر

أصدرت محكمة جزائرية بالعاصمة أحكاما غليظة في حق متهمين في قضية اغتيال الناشط والمتطوع جمال بن إسماعيل، تراوحت بين الإعدام و20 عاما سجنا نافذا، كما استفاد بعض أفراد الشبكة من البراءة، وبذلك تكون القضية قد استنفدت آخر درجات التقاضي، وطوت أوراق أشهر جريمة سياسية عرفتها الجزائر في صيف العام 2021، خاصة وأنها ارتبطت بواحد من الكيانات التي صنفت ضمن التنظيمات الإرهابية، وهو حركة استقلال القبائل.

ونطقت محكمة الجنايات الاستئنافية بالعاصمة بأحكام نهائية في قضية الشبكة المتهمة باغتيال الناشط والمتطوع جمال بن إسماعيل، بضاحية الأربعاء ناث إيراثن، في محافظة تيزي وزو، خلال صائفة العام 2021. لتكون بذلك آخر مراحل التقاضي وتدخل بموجبها الأحكام حيز التنفيذ، ولا يتدخل فيها إلا رئيس الجمهورية المخول دستوريا بصحية إصدار قرار العفو أو التخفيف.

وتتشكل الشبكة من 94 متهما، تم القبض عليهم في أعقاب الجريمة، وإحالتهم على التحقيق ثم المحاكمة في المراحل السابقة، حيث وجهت لهم تهم “القيام بأفعال إرهابية وتخريبية تستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية واستقرار المؤسسات، والمشاركة في القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، والمؤامرة وإضرام النار عمدا في الحقول المزروعة أدى إلى موت عدة أشخاص وأيضا تهمة التعذيب ونشر خطاب الكراهية”.

وأدين 38 عنصرا من أفراد الشبكة بحكم الإعدام، وآخرون تراوحت عقوباتهم بين 20 و3 سنوات سجنا نافذة، بينما استفاد 27 عنصرا من البراءة، لتنتهي بذلك فصول أشهر المحاكمات في الألفية الجديدة، وتطوى معها صفحة من صفحات السجال السياسي حول الأحداث التي شهدتها المنطقة، بسبب الحرائق الضخمة التي اندلعت آنذاك، وخلفت خسائر مادية وبشرية هائلة.   

واتهمت حينها السلطة تنظيم حركة “ماك” الانفصالية بتدبير والوقوف وراء الحرائق المذكورة، ولذلك جرى تعديل قانون العقوبات باستصدار ما يعرف بـ”البند 87 مكرر”، الذي أعاد تصنيف ومراجعة الأعمال الإرهابية، كما صنف التنظيم ضمن الكيانات الإرهابية المعادية للبلاد، وأصدر لائحة بأسماء أشخاص إرهابيين، غالبيتهم يقيمون في مدن وعواصم أوروبية.

ونفى التنظيم على لسان زعيمه فرحات مهني “الأفعال المنسوبة إليه”، واتهم بدوره السلطة “بافتعال الحرائق المذكورة، من أجل هز استقرار المنطقة، وتشويه وتجريم عناصر التنظيم الذي يناضل بسلمية من أجل تحقيق مطلب الاستقلال”، غير أن اعترافات أولية سجلت لبعض المتهمين وبثها الإعلام الحكومي، أفادت بـ”تحريض وتدبير التنظيم لتلك الأعمال”.

وكان الناشط والمتطوع جمال بن إسماعيل، أصيل محافظة عين الدفلى (غربي العاصمة) قد التحق بمحافظة تيزي وزو، من أجل المساهمة في تعبئة وإطفاء الحرائق التي التهمت في شهر أغسطس تضاريس المنطقة، قبل أن يفاجأ الرأي العام عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وهو في ساحة البلدة، وسط جحافل من الغاضبين يريدون الاقتصاص منه بعدما أشيع عنه أنه تم ضبطه بصدد إشعال النيران، ولم تتمكن عناصر الأمن التي استنجد بها، من تخليصه من الغاضبين الذين نكلوا به قبل قتله حرقا وذبحا.

وتضاربت الروايات حينها حول ظروف وملابسات الجريمة، التي شحنت الشارع الجزائري، وكادت أن تتسبب في مواجهات عرقية بين سكان المنطقة (القبائل)، وبين سكان مسقط رأسه (العرب) قبل أن يتدخل والده لإطفاء فتيل حرب أهلية، بالتأكيد على أن “الجريمة ليست عرقية ولا هي جهوية، وأن أطرافا تريد إشعال مواجهات إثنية بين مكونات المجتمع الجزائري”.

وصنفت الجريمة ضمن أبشع وأشهر الجرائم في الجزائر خلال العقدين الأخيرين، خاصة وأنها حملت طابعا سياسيا، فعلاوة على أغراض الجهة المرتكبة لها، تزامنت مع الطبعة الثانية من احتجاجات الحراك الشعبي، ومع اعتبارات أخرى، ككون منطقة القبائل ظلت تمثل الخزان الأكبر لتلك الاحتجاجات، كما أن الضحية كان أحد الناشطين والفاعلين في تأطير المظاهرات في بلدة خميس مليانة التي ينحدر منها.

وأثناء المحاكمة تم الاستماع إلى المتهمين، حيث اعترف أحدهم، عرّفته برقية الوكالة الرسمية اختصارا بـ”م. م .أ”، بانتمائه إلى حركة “ماك” بعدما واجهته رئيسة المحكمة بما أثبتته التقارير عن متابعته لنشاط هذه الحركة وما تنشره عبر الإنترنت.

وأفاد بأنه “نشط ضمن حركة ‘ماك’ لمدة أربع سنوات قبل أن ينسحب لعدم اقتناعه بأفكارها الانفصالية”، لكن النائب العام أشار إلى أن “عددا من المتهمين كانوا على اتصال به، باعتباره كان عضوا فعالا في هذه الحركة وكان يدعوهم إلى تنظيم مسيرات”.

وتمت مواجهته من طرف رئيسة المحكمة، بقرائن تثبت علاقته برئيس هذه الحركة الإرهابية، المدعو فرحات مهني، مستدلة في ذلك بوجود رقم هذا الأخير ضمن قائمة الاتصالات المدونة في الهاتف النقال للمتهم، الذي اعترف بأنه تحصل فعلا على رقم فرحات مهني لكنه لم يقم بالاتصال به.

وتمحورت الأسئلة المطروحة على المتهمين الآخرين حول “ملابسات القضية والتفاصيل المحيطة بمقتل الشاب جمال بن إسماعيل، خاصة ما تعلق منها بدخول مركز الشرطة عنوة واقتحام سيارة الشرطة، وتصوير الضحية والدعوة إلى استعمال العنف، ناهيك عن علاقتهم بالحركة الإرهابية”.

وتعزز أطوار المحاكمة الفرضية الرسمية التي اتهمت جيوب الحركة الانفصالية بتدبير والوقوف وراء الجريمة التي كادت أن تتسبب في نزاع عرقي، قبل أن يتدخل أعيان وعقلاء المنطقة من أجل التهدئة والحيلولة دون شحن فتائل أزمة عرقية في البلاد.