النقابات تحرك الشارع المصري دعما لغزة في غياب الأحزاب

دور متقدم للنقابات في الاحتجاجات

القاهرة

أظهرت النقابات المهنية في مصر استعدادها للمشاركة في الحراك الشعبي بعد العدوان الإسرائيلي على غزة، وظهر ذلك من خلال تنظيم أول تظاهرة أمام مقر نقابة الصحافيين بالقاهرة أخيرا، وترتيب أوراقها للتحرك بشكل جماعي مع خفوت صوت الأحزاب السياسية في الشارع وضعف حضورها.

واستضافت نقابة الصحافيين اجتماعا موسعا حضره عدد من قيادات النقابات المهنية وعددها 25 نقابة للتوافق على خطة للتحرك الشعبي، وخرج الاجتماع الذي عُقد السبت بقرارات عدة، أبرزها الاتفاق على تنظيم وقفات احتجاجية للتعبير عن تضامن الشعب المصري أمام مقار النقابات الأيام المقبلة.

وجاء التحرك بعد اندلاع مظاهرات في مناطق مصرية متفرقة، الجمعة، رفضاً لمخطط تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، وتنديداً بالاعتداءات على قطاع غزة.

ويشير الواقع المصري إلى أهمية وجود جهات فاعلة ضمن مؤسسات المجتمع المدني تملك قدرة على تنظيم حراك الشارع في ظل الوهن الذي تعاني منه غالبية الأحزاب، كما أن عددا كبيرا من النقابات لها تاريخ طويل في دعم القضية الفلسطينية.

وما يعزز دور النقابات في الفترة المقبلة أن عددا منها يضم وجوها معارضة، مثل نقابتي الصحافيين والمهندسين، وتحوي النقابات عموما طيفا سياسيا واسعا على استعداد لاستئناف الدور السياسي الذي كانت تلعبه سابقا.

ونظمت نقابة المحامين، وهي أكبر النقابات على مستوى الأعضاء ولها نشاط سياسي معروف تظاهرات، الأحد، أمام مقرها الرئيسي بوسط القاهرة ونقاباتها الفرعية في جميع المحافظات المصرية، شارك فيها عدد كبير من أعضائها، وقررت الاستمرار في تنظيم الفعاليات إلى حين اتضاح الصورة السياسية بالتصعيد أو وقف الحرب.

ودعت نقابة المهندسين إلى تنظيم تظاهرة يشارك فيها أعضاء جميع النقابات الفرعية بمقرها في وسط القاهرة، بعد أن غابت عن العمل العام سنوات طويلة، والأمر ذاته بالنسبة إلى نقابات أطباء الأسنان والمعلمين. وشهدت الأيام الماضية محاولات عديدة لتهيئة النقابات المهنية ليكون لها حضور فاعل في حراك الشارع الذي قد يأخذ في التصاعد مع استمرار استهداف غزة.

وقال عضو مجلس نقابة المحامين مجدي سخي إن النقابات لديها أنشطة مختلفة ذات ارتباط مباشر بدعم القضية الفلسطينية، بينها فتح باب التبرعات المالية، والدعم والتنسيق مع نقابات في دول عربية للسير في مسارات تتماشى مع طبيعة كل نقابة، ما يجعل الحراك الشعبي في الشارع مقبولاً ومنسجما مع توجهات عدة.

وتنسق نقابة المحامين المصرية مع نظيرتيها الفلسطينية واللبنانية لتوثيق جرائم الاحتلال، وفتحت نقابة الأطباء في مصر الباب لتطوع أعضائها لعلاج الجرحى الفلسطينيين لتغطية العجز في أطباء غزة، أو في المستشفيات المصرية، حال سمحت الظروف بذلك.

وتنسق نقابات مختلفة لإرسال قوافل مساعدات غذائية وطبية إلى معبر رفح، يرافقها وفد يتوجه إلى رفح ثم غزة لتسليمها هناك، والإعداد لحملة للتبرع بالدم في مقار النقابات المهنية، على أن تنطلق من خلال فاعلية مشتركة بين كل النقابات. وأضاف سخي في تصريح لـ“العرب” أن النقابات ترى أهمية في التحرك الشعبي للتأثير على المجتمع الدولي في الضغط على إسرائيل لوقف الحرب، وحظيت الخطوات الأخيرة بتأييد من القيادة السياسية التي تحتاج إلى دعم عام يمكنها من الوقوف في وجه الضغوط التي تواجهها البلاد لتهجير أهالي غزة إلى سيناء.

وأشار إلى أن الانفراجة على مستوى إتاحة حرية التعبير عن الرأي طبيعية، فمصر تواجه فترات تتجه فيها النقابات ومنظمات المجتمع المدني إلى الكمون، وأخرى تشهد انفتاحاً على الشارع، وأن المواقف النقابية الرافضة للتطبيع مع إسرائيل تتفق مع الرؤية الشعبية في النظر إليها كدولة احتلال، وتؤهل الخطوات النقابات لتكون في صدارة المشهد الاحتجاجي.

ويبلغ عدد أعضاء النقابات المهنية في مصر وفقًا لآخر إحصاءات رسمية في نهاية عام 2021، نحو 8 ملايين و38 ألف عضو، وأكبر النقابات نقابة التطبيقيين بنحو مليون و968 ألف عضو، ونقابة التجاريين بنحو مليون و806 آلاف عضو، ويبلغ عدد أعضاء أصغر نقابة وهي نقابة التأهيل الحركي وإصابات الملاعب 1269 عضوا.

وأكد نقيب الاجتماعيين في مصر عبدالحميد زيد أن النقابات المهنية تعبر عن شرائح مجتمعية مختلفة ويؤلمها ما تراه من جرائم إسرائيلية في قطاع غزة، وتحركها ليس بحاجة إلى انعقاد اجتماعات للتنسيق، فهناك حركة حقيقية في الشارع وتسعى النقابات لأن تكون جزءا منها، وأن التوجهات القومية للمواطنين هي التي تحرك المجتمع المدني والجهات الحكومية، كما أن أعضاء النقابات يرون حجم الضغوط المفروضة على القيادة المصرية في الوقت الحالي، وبالتبعية يبتعدون عن التحزب أو الفرقة ويتجهون نحو تسجيل مواقف عامة من التطورات الحالية تدعم الدولة.

وذكر في تصريح لـ“العرب” أن الدور الرئيسي للنقابات هو حماية المهنة الممثلة لها والدفاع عن حقوق أعضائها وقيامها بأدوارها يضمن تمددها في عمق المجتمع وأن قناعات البعض من أن النقابات تُقصّر في القيام بأدوارها الرئيسية الأخرى لا يضمن الاستجابة لها في حال قررت أن تقود الحراك الجماهيري في الشارع.

ولفت إلى أن أعضاء النقابات المهنية لديهم وعي عام بما إذا كانت تلك التحركات نابعة عن دعم حقيقي للقضية الفلسطينية وتمثل دفاعاً قويًا عن الدولة المصرية أم أنها تحقق مصالح فئة ضيقة من أعضاء المجالس المنتخبة.

وتحتاج النقابات المهنية في مصر إلى قدر عال من التحرر من القيود التي تكبلها، بما يضمن تأثير دعواتها، ويتطلب الأمر على نحو أكبر فتح المجال أمام انخراطها في قضايا تهم جموع المواطنين، وألا يكون ذلك قاصرا على مسألة دعم غزة أو مساندة النظام المصري، ما يجعلها في حالة نشاط مستمر لتشكل إحدى دعائم الدولة بصورة فاعلة، في ظل حالة فراغ سائدة في الشارع قد تقود إلى الابتعاد عن الأهداف الوطنية.