على حافة الحرب..
متلازمة "الفلوجة" تربك واشنطن ورهائن الأنفاق معضلة كبرى!
أنظار العالم على قطاع غزة حيث تدور حرب لا منتصر فيها وتتوجس الأطراف الدولية بشأن المدى الزمني المحتمل للحرب وتأثيرها في مصالحها.
ففيما تطورات غزة تتمدد، برزت الى العلن عبر موقع "اكسيوس" الأميركي 5 مخاوف لدى الرئيس الأميركي جو بايدن في شأن اجتياح غزة وهو قد أوفد الجنرال جيمس جلين الذي قاد تحرير الموصل من داعش لمنع الغرق في مستنقع جديد. وينقل الموقع عن مسؤولين أميركيين أن بايدن يشاطر رئيس الوزراء الاسارائيلي بنيامين نتنياهو مخاوفه بشأن الخطة الإسرائيلية للهجوم البري وهو يريد أن يكون أقرب لما حدث في الموصل عام 2016 وليس وفق سيناريو الفلوجة عام 2004.
معركة الموصل
يقول رئيس وحدة المعلومات في شركة لي بيك الاستشارية لإدارة المخاطر مايكل هوروفيتز: "إذا فعلت إسرائيل ما تقوله عن إطاحة حماس وتدمير قدراتها العسكرية، فإننا نتحدث عما يشبه الموصل في كل أنحاء قطاع غزة، وسيعني فعلياً إلحاق إصابات واسعة بين المدنيين، ودماراً فعلياً كبيراً".
فمعركة الموصل (ثاني أكبر مدينة في العراق، وعدد سكانها وقتذاك مماثلاً لعدد سكان قطاع غزة، أي 2.1 مليون نسمة)، التي استمرت 277 يوماً، دامية بالفعل، ولم يعرف حجم الإصابات الذي نجم عنها.
وبحسب تحقيق أجرته وكالة أسوشيتد برس بناء على أرقام من المقابر وبيانات من منظمات غير حكومية، فإن ما بين تسعة آلاف و11 ألف مدني قتلوا في الموصل، وتحوّل قلب المدينة التاريخي إلى دمار، وعمد عناصر تنظيم داعش الإرهابي في المراحل الأخيرة من القتال إلى نسف مسجد النوري الكبير التاريخي، الذي شهد الإعلان عن "خلافتهم" المزعومة للمرة الأولى عام 2014، فالتدقيق في الخسائر التي لحقت بالمدنيين، لن يكون مماثلاً لما قد يواجهه الإسرائيليون في غزة.
مقارنة استراتيجية
المستشار في المركز العراقي للدراسات الدكتور الناصر دريد، رأى أهمية في المقارنة بين الفلوجة والموصل والاساس فيها ما يلي: أولا معركة الفلوجة كانت معركة أميركية بحتة، فكثير من الاطراف في المنطقة العربية تحديداً وقفوا بقوة ضد معركة الفلوجة، وضد الدور الاميركي وإلى حد ما كان هناك تأييد ضمني للمحاصرين في الفلوجة.
أما في معركة الموصل، فيشير دريد في حديث لـ "جسور" إلى التأييد الدولي أو الإجماع الكاسح على ضرورة القيام بهذه المعركة بمن فيهم أهل الموصل أنفسهم الذين اتخذوا موقفًا قويًا ضد تنظيم داعش في وقتها، بعد أن أدركوا وحشيته تجاههم وتجاه غيرهم في المناطق الأخرى، مضيفا أنّ هناك فرقا أساسيا متعلق بالموقف الدولي.
ثانيا: الموقف الدولي هذا انعكس وفق دريد على جهد جماعي في محاربة داعش أو تحرير الموصل، بينما بقيت الجهود الأميركية معزولة في ذلك الوقت، ما أدى إلى فشلها لاحقا وانسحاب القوات الأميركية بأكملها من العراق وهذه نقطة مهمة قد لا يكون بايدن قد قصدها من هذا التشبيه.
وتابع دريد: "إذا لم يكن الجهد الاسرائيلي متوافقًا مع رغبة المجتمع الدولي ومع تأييد داخلي وإقليمي كامل، فإنّ التجربة حتى لو انتصرت عسكريا، ستؤدي الى الفشل السياسي فيما بعد، وإلى الإنسحاب الكامل والهزيمة الكاملة رغم انتصار الولايات المتحدة في الفلوجة، لكن ولكون الانتصار كان معلقًا أو مقطوع الصلة بأي جهد ناجح من الناحية السياسية والإعلامية فقد انتهى إلى الفشل الكامل على المستوى السياسي الذي انعكس بدوره على المستوى العسكري ما أدى الى الانسحاب الأميركي.
حرب الفلوجة أم الموصل؟
ورأى الخبير في الشأن الأمني والاستراتيجي، مخلد حازم، أنّ الولايات المتحدة تتوجّس الحذر من الدخول البري إلى غزة على اعتبار أن لها تجارب سابقة في هذا المجال، وخصوصا في سياق القتال وأسلوبه، وبالتالي واشنطن لديها تجربة في أفغانستان وفيتنام والصومال وفي كثير من الأماكن التي خرجت منها خاسرة أمام قتال المجموعات أو جيوش غير نظامية.
وبيّن حازم في اتصال مع "جسور" أنّ ما حدث في الفلوجة يأتي ضمن هذا السياق، حيث كانت هناك مواجهة عنيفة بين الجيش الأميركي وتنظيم القاعدة أوقع في خلالها التنظيم خسائر كبيرة في صفوف الجيش الأميركي، وعلى أثرها انسحبت القوات الأميركية إلى أطراف الفلوجة وبدأوا في قصفها.
أما في الموصل، فقد اختلفت الأمور لناحية الهجوم، بحيث تمّ إخلاء المدنيين منها والذهاب في اتجاه سياسة "الأرض المحروقة"، بعدها تمّ الدخول إلى المحافظة من أكثر من محور مع القيام بعمليات إنزال جوي، وقصف متواصل للمناطق، فكان التطهير وفق حازم عبارة عن "مربّع مربّع" و"منطقة منطقة" بحيث يتم إبعاد المقاتلين عن طريق القصف من هذه المنطقة وتتحرك القطاعات إلى أنّ تمّ إحتلال الموصل.
وهذه هي المرة الأولى التي تخوض فيها الولايات المتحدة حربا برية مع مجموعات جهادية عقائدية وتحقق نتائج، لكنّ الجيش الأميركي لم يكن بالفعالية التي قامت بها القوات العراقية في عمليات تطهير مدينة الموصل، حيث كان هناك إسناد جوي إلى القوات العراقية والقوات المشتركة في هذا القتال، يقول حازم.
السيناريوهات المحتملة لغزة
وفي الإطار، يشرح حازم لـ "جسور" السيناريوهات المتوقّعة لأحداث غزة في الأيام المقبلة، ويقول إنّ احتمالية الدخول قد تتمّ من 3 محاور إحداها سيكون محور للمشاغل الوهمية وليس الدخول الحقيقي والدخول سيكون من محاور رئيسة، كمعبر سيدروت وهي المنطقة التي يريدون الدخول إليها وخصوصا شمال غزة.
وأضاف حازم أنّ الدخول لن يكون شاملا الى غزة وإنما بشكل جزئي، لذلك من يردعهم على تنفيذ هذه الخطوة حاليا عاملان مهمان: أولًا الرهائن في الأنفاق، وأميركا تتوجّس الحذر من مقتل أي رهينة أميركي، لذلك يحاول بايدن التأخير للوصول إلى حل يفضي ربما إطلاق سراح هؤلاء الرهائن، وبالتالي سيكون الدخول وفق حازم من أكثر من محور إلى شمال غزة يصاحبه انزالات جوية عن طريق فرق خاصة تقوم بالإنزال الجوي في المناطق التي تعتبر خلف حماس، وبالتالي هم يريدون محاصرة الحركة من جهات عدة.
ثانيًا: هناك نقطة مهمة يبحث فيها الجانب الإسرائيلي، تتمثّل بمحاولته جمع معلومات استخباراتية حديثة عن الخنادق الموجودة في غزة لاستهدافها قبل عمليات الدخول، وهنا يسلّط حازم الضوء على دخول حركة حماس المفاجئ والمباغت يوم 7 من أكتوبر/ تشرين الأول إلى غزة عبر آلاف العناصر، مشيرا إلى أنه بحسب المعلومات فالعدد الأكبر من هؤلاء العناصر قد تحوّل الى خلايا نائمة.
وأوضح الخبير في الشأن الأمني والإستراتيجي أنّ إسرائيل تتوجّس الخطر إذا ما تحركت هذه الخلايا النائمة فهي متخوّفة كما أميركا من هذا الإجتياح البري الذي قد يقضي على الجيش الإسرائيلي ويسبّب خسائر جمّة هما بغنى عن تحمّلها في الوقت الراهن، لكن نتنياهو يعتبر الموضوع شخصيا بالنسبة له ويحاول الدخول إلى غزة بأي ثمن من الأثمان، حتى لو استخدم وأعاد بروتوكول هانيبال الذي لاعتباره يحقّق أهداف إسرائيل، لذا لا يمانع بقصف الأصدقاء والأعداء في آن.
"حالة عدم ثقة"
وتواجه الحكومة الإسرائيلية صعوبة في التوصّل إلى قرارات متفق عليها بشأن حرب إسرائيل على غزة، أبرزها الاجتياح البري ومواجهة معضلة الرهائن المحتجزين لدى حركة "حماس"، ما أدى لتشكل حالة من "عدم الثقة".
ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية عن مسؤولين عسكريين، لم تسمهم، قولهم إن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو "غاضب" من كبار مسؤولي الجيش الذين يتحملون المسؤولية عما حدث من نتائج إثر الهجوم واسع النطاق الذي شنته "حماس" في 7 أكتوبر/ تشرين الاول الحالي، ويتفاعل مع الآراء والتقديرات التي يعبر عنها الجنرالات، و"ليس في عجلة من أمره لتبني خططهم".
كما أن الحكومة تواجه استقالات محتملة، إذ يفكر 3 وزراء في الاستقالة لإجبار نتنياهو على تحمل مسؤولية الهجوم المباغت الذي نفذته "حماس" وأودى بحياة 1400 إسرائيلي.