تحول عماني جذري في إستراتيجية النهوض بالسياحة

شكل تحديث التشريعات التي أعلنت عنها سلطنة عمان للنهوض بالسياحة تحولا جذريا نحو ترسيخ دور القطاع في خطط الإصلاح ما سينعكس على مجمل الاقتصاد، وسط ترجيحات بأن يزيد زخمها بينما ستكون البلاد على أعتاب طفرة في الاستثمار.

توثيق لحظة في أحضان فنادق الطوب

مسقط

خطت مسقط خطوة كبيرة على طريق تنفيذ إستراتيجيتها الطموحة لتطوير قطاع السياحة الذي سيكون في غضون سنوات أحد الأعمدة الرئيسية لنمو الناتج المحلي الإجمالي للبلد الخليجي.

وتسعى الحكومة من خلال إصلاحاتها المتواترة لجني ثمار برامج دعم الاستثمار من أجل النهوض بالمجال الحيوي ضمن برنامج التحول الموسع لتنويع مصادر دخلها، والذي يمتد حتى 2040.

وفي أحدث تحول لتنمية القطاع على أسس مستدامة أقر سلطان عمان هيثم بن طارق هذا الأسبوع قانونا جديدا للسياحة يتضمن مجموعة من التحفيزات التي تستهدف مجال الضيافة واكتشاف المناطق والمواقع الجديدة القابلة للاستغلال وفقًا للميزات التنافسية للمحافظات.

وتزخر العديد من محافظات عُمان وولاياتها بمقومات سياحية متنوعة وبمناطق ذات تنوع جيولوجي، تتراوح بين الصحاري الشاسعة والسهول المنبسطة والأودية العميقة، إلى جانب الجبال الشاهقة والسواحل والشواطئ الممتدة.

وتؤهل المقومات التاريخية والطبيعية البلد ليصبح مركزا سياحيا واعدا وتنافسيا في منطقة الشرق الأوسط، حيث يمثل القطاع السياحي أحد أهم روافد الدخل في الرؤية المستقبلية للدولة.

وتهدف السلطات من خلال اعتماد المسار الطموح إلى زيادة الاستثمارات سواء محليا أو دوليا، بحيث تكون مؤشرا على نمو السياحة مع تنويع المنتجات الموجهة للزوار الوافدين.

واعتبر سالم المحروقي وزير السياحة أن قانون السياحة الجديد يضع الإطار العام للقطاع الذي يُعد متجدّدًا ومتغيّرًا بصورة متسارعة، الأمر الذي تطلب صياغته بما يتفق مع التطور المستمر للقطاع دون الحاجة إلى تعديل تشريعي مستمر.

ونسبت وكالة الأنباء العمانية الرسمية إلى المحروقي قوله إن القانون “يمثل نقلة نوعية في تنظيم وتطوير القطاع في سلطنة عُمان”.

وأضاف أن “اللائحة التنفيذية ستأتي مكملة للقانون بما يتيح تحقيق أهداف الإستراتيجية العُمانية للسياحة وخططها وبرامجها المختلفة، كما تأتي انسجاما مع توجهات الحكومة لبناء قطاع سياحي منافس إقليميا وعالميا”.

وتواجه صناعة السياحة في عُمان منافسة من دول المنطقة، مثل الإمارات والسعودية، حيث عزز أكبر اقتصاد عربي أشكال السياحة الأخرى غير الدينية، بضخ استثمارات فوق 50 مليار دولار منذ 2016 لتحقيق “رؤية 2030”.

وأكد المحروقي أن الوزارة ستعمل على توظيف القانون الجديد للإسهام في تعزيز مكانة البلاد كأفضل الوجهات السياحية المستدامة الرائدة على الصعيدين الإقليمي والدولي التي يزورها السائح لخوض تجارب فريدة ومتنوعة.

وطالب جميع الجهات المعنية بالاستفادة من الإطار القانوني الجديد لتعزيز التنوع في التنمية المستدامة لصناعة السياحة.

وتضمن القانون الجديد خمسة فصول تشمل 21 مادة توفر الأدوات والممكنات التشريعية للارتقاء بجودة الخدمات السياحية، وتنظيم الأنشطة وتبسيط الإجراءات المنظمة لها.

كما تتطرق إلى توفير الأُطر المناسبة لاستغلال المناطق والمواقع السياحية والأراضي الحكومية السياحية واستثمارها بما يكفل الحفاظ على موارد البلاد وضمان استدامتها.

وخصص القانون أيضا جانبا لشرح الأدوات التشريعية لتعزيز جودة الخدمات والمنتجات السياحية بما يواكب التطورات والمتغيرات التي يمر بها القطاع السياحي على كافة المستويات المحلية والإقليمية والعالمية.

وفعليا تشهد السياحة العمانية تحولات كبيرة من شأنها الارتقاء بالقطاع نحو آفاق أوسع لتعزيز البنية الأساسية عبر جذب رؤوس الأموال الأجنبية وإيجاد فرص استثمارية سياحية متكاملة مع القطاع الخاص وتعزيز فرص الشركات الصغيرة والمتوسطة.

واتجه البلد وهو الأضعف اقتصاديا بين جيرانه الخليجيين، منذ سنوات إلى تنويع اقتصاده مركزا على السياحة كبديل واعد لقطاع الطاقة الذي شكل في الأعوام التي سبقت ظهور الوباء 86 في المئة من العوائد، فيما ارتد تراجع أسعار النفط سلبيا على الموازنة.

وتبذل وزارة السياحة منذ فترة جهودا كبيرة بالتعاون مع الجهات المختصة من القطاعين الحكومي والخاص لتطوير وجهات سياحية مربحة ومستدامة لتحقيق النمو الاقتصادي.

وحقق القطاع السياحي مؤشرات إيجابية، حيث تجاوزت قيمة المشاريع المؤكدة حتى نهاية ديسمبر الماضي مبلغ 2.74 مليار ريال (7.1 مليار دولار)، منها 2.56 مليار دولار كمشاريع سياحية تم البدء بها.

وكانت مسقط قد أطلقت في أبريل الماضي حوالي 18 فرصة استثمارية بإجمالي تمويلات تصل إلى 3.88 مليار دولار وتتوفر لبعضها دراسات الجدوى ودراسات تقييمية للسوق.

وتأتي الفرص بالشراكة مع كل من شركة مسقط الوطنية للتطوير والاستثمار (أساس) والشركة العُمانية للتنمية السياحية (عمران) والشركة العُمانية القابضة لخدمات البيئة (بيئة) وشركة مرتفعات جبل بوشر للتطوير العقاري.

ومن المرجح أن تعزز الاستثمارات النوعية والتي تسهم في نمو الناتج المحلي الإجمالي في إيجاد فرص عمل للعمانيين ورفد الاقتصاد ليتلاءم مع ممكنات ومرتكزات وأهداف “رؤية 2040” وتعزيز قطاعات التنويع الاقتصادي.

وأظهرت بيانات صادرة عن مركز الإحصاء الحكومي الشهر الماضي أن إجمالي الإنتاج السياحي بالبلاد سجل بنهاية العام الماضي 1.9 مليار ريال (5 مليارات دولار)، ارتفاعا بنسبة 47 في المئة على أساس سنوي.

وأشارت شركة بي.أم.أي التي تتابع أسواق السياحة العالمية إلى أنه من المقدر أن يبلغ إجمالي عدد زوار السلطنة هذا العام نحو 3.5 مليون سائح، بزيادة قدرها 20.8 في المئة بمقارنة سنوية.

وتلقت الحكومة العمانية دفعة جديدة في سياق خططها لتطوير صناعة السياحة كإحدى ركائز إستراتيجيتها طويلة المدى، والتي تؤسس لبناء اقتصاد متنوع غير معتمد على ما يتم تحصيله من عوائد النفط والغاز على قلتها.

ورفعت فيتش سوليوشنز الدولية في وقت سابق العام الحالي توقعاتها الإيجابية لانتعاش السياحة في البلد الخليجي خلال العامين الحالي والمقبل مع ترجيح خبراء الوكالة نموا أقوى للقطاع خلال فترة التوقعات متوسطة المدى بين عامي 2024 و2026.

وتم رصد تقرير السياحة في عُمان من خلال مصادر الوكالة التي تتضمن التقييم المستقل، وتوقعات الإنفاق بالقطاع ومؤشرات وصول المسافرين ومغادرتهم وفق وسيلة النقل وسبب السفر والمنشأ والوجهة وسوق الإقامة.